الموازنة ربع السنوية
في خبر مفاجئ ولا يخلو من الغرابة، أعلنت وزارة المالية في حكومة الكاظمي الفتية، وعمرها أقل من خمسة أشهر، أنها أكملت مشروع قانون موازنة العام 2020 وأرسلته إلى البرلمان للمصادقة عليه. ومبعث الغرابة أن الموازنة هي لثلاثة أشهر فحسب، وتبلغ قيمتها 146 تريليون دينار بعجزٍ متوقع يتجاوز الـ80 تريليون دينار، أي اكثر من نصف الموازنة! أن عجزا بهذه النسبة يعد سابقة لم تحصل، حسب علمنا، في أي دولة فقيرة كانت أو غنية. ومشروع القانون هذا سيثير جملة من الملاحظات، منها:
الملاحظة الأولى: جرت العادة أن تسمى كل موازنة باسم سنتها وتغطي كل الأشهر الاثني عشر من تلك السنة، وهي لذلك موازنة سنوية. أما الموازنة المطروحة، فهي شاملة للأشهر الثلاثة الأخيرة من السنة الحالية، وبالتالي فإن تسميتها "موازنة ربع سنوية" عوضاً عن "موازنة سنوية" سيكون أكثر دلالة وتعبيراً عنها.
الملاحظة الثانية: لأشهر خلت، كانت البيانات الرسمية لوزارة المالية تشير إلى الاعتماد على القانون رقم 6 لسنة 2019 وهو قانون الإدارة المالية، عوضاً عن قانون الموازنة الغائب (أو المغيب لا فرق). والذي يتمحص في هذا القانون، أي قانون الإدارة المالية، سيجد انه يقدم آليات عمل لتنفيذ وتطبيق قانون الموازنة عقب إقراره، وهو بذلك ليس بديلاً عن قانون الموازنة.
وكانت وزارة المالية قد صرحت في مطلع شهر تموز الماضي باستبعاد إقرار قانون موازنة 2020 وانها شرعت قي إعداد قانون موازنة 2021، ثم أعقبتها بتصريح آخر، في بداية شهر أيلول الحالي، بأنها تعمل على إعداد الموازنات لثلاثة أعوام متتالية (2021، 2022، 2023)!! إذا كانت الوزارة تعجز عن إصدار قانون موازنة لسنة واحدة بأكملها (سنة 2020)، فكيف تفلح في إصدار موازنات ثلاث سنوات يصعب التكهن باقتصاداتها ومالياتها في هذه الحقبة المضطربة بشدة؟
الأمر الثالث ولنقل العقبة الثالثة: كيف سيتم تقديم الحسابات الختامية لسنة كاملة اعتمادا على موازنة لثلاثة أشهر فقط لن تكون، بطبيعة الحال، معبرة عن الواقع الاقتصادي للسنة المالية بأكملها؟ علما بأنه وحسب المادة 28 من قانون الإدارة المالية، على وزارة المالية تقديم الحسابات الختامية لكل سنة مالية في نهاية شهر يناير من السنة اللاحقة لتعرض على البرلمان للمصادقة عليها. ومن المفارقات أن الحكومات العراقية المتتالية لم تتمكن من تقديم الحسابات الختامية للموازنة لعدة سنوات مضت، وهذا الأمر أثار العديد من التساؤلات والشبهات حول محاولات للتستر على المخالفات المالية والهدر والفساد في إدارة الإيرادات والنفقات في مؤسسات الدولة.
تزخر وزارة المالية وإداراتها بالعديد من الكفاءات والخبرات الممتازة، غير أن صعوبة الوضع الاقتصادي وعمق الأزمة المالية في البلاد إثر تدهور أسواق النفط الذي نجم عن تفشي جائحة كورونا، كل ذلك جعل عمليات تخمين الإيرادات والنفقات والسبل المقترحة لمعالجة العجز، وهذه المسائل هي العناصر الأساسية في قانون الموازنة، مهمة مضنية وصعبة للغاية، وبسببها أصبح الخروج بموازنة وإن كانت ربع سنوية، أضعف الإيمان في زماننا الصعب.
وبالرغم من الملاحظات التي ذُكرت سالفاً، فإن الموازنة المقدمة وعلى اختصارها ستملأ شطراً من الفراغ القانوني، لكافة الأنشطة والفعاليات المالية للدولة ومؤسساتها وهو فراغ كان الأجدر أن يملأ في الأشهر الأولى من السنة وليس في ربعها الأخير. والحال كما يبدو ينطبق عليه المثل العربي القائل: أن تأتي متأخراً خير من ألا تأتي أبداً.
كوردستان24