• Sunday, 25 August 2024
logo

قلعة أربيل.. أقدم مستوطنة مأهولة في العالم

قلعة أربيل.. أقدم مستوطنة مأهولة في العالم
قبات شيخ نواف



تعد قلعة أربيل من أهم المواقع الحضارية والتاريخية في محافظة أربيل – اقليم كوردستان العراق والعالم، التي لم ينقطع سكانها عن العيش فيها على مدار أكثر من 6000 عام، وهي بذلك تمتلك خاصية التواصل التاريخي الإنساني المستمر وتعتبر الوحيدة على مستوى العالم في هذا المضمار.

هنالك الآلاف من القلاع والحصون في العالم التي تنتمي إلى حضارات وعصور تاريخية مختلفة ولكنها الآن مهجورة من حيث التأهيل السكاني فيها وأقتصرت أهميتها فقط على الجوانب السياحية، التاريخية والحضارية للدول التي تتواجد فيها. لقد حصلت قلعة أربيل على أنجاز تاريخي وحضاري كبيرعندما تم أدراجها ضمن لائحة اليونيسكو للتراث العالمي في شهر تموز من عام 2014، لما لي هذه اللائحة من شهرة عالمية في مجالات التاريخ والتراث. هذا الحدث مهد لتوقيع أتفاق أستراتيجي بين الهيئة العليا لإحياء قلعة أربيل التابعة لحكومة أقليم كوردستان ومنظمة اليونسكو لإعادة أعمار الأجزاء المتضررة بشكل كبير وترميم الأجزاء الأخرى.

الموقع

تقع قلعة أربيل في مركز المدينة نفسها على قمة تلة أصطناعية (من صنع البشر)، تشكلت عبر التاريخ من خلال المجموعات البشرية والأجيال المتعاقبة التي كانت تسكنها (بمقدار 1 متر كل 200 عام حيث يبدو منطقيا من الناحية الآثارية)، على مدار أكثر من 6000 عام بأرتفاع 30 متر تقريبا عن سطح الأرض وبمساحة تقدر بحوالي 11 ألف متر مربع، وقد تم بنائها من الطابوق/ الحجارة الطينية المحلية. تقع شمال بغداد وتبعد عنها مسافة 350 كلم وتقع شرق الموصل وتبعد عنها مسافة 80 كلم وإلى جنوبي مدينة دهوك التي تبعد عنها مسافة 160 كلم تقريبا.

التاريخ والعمران

معظم الحفريات الأثرية التي جرت فيها ترجىْ أصولها الى الفترة العبيدية: 4000-6000 عام قبل الميلاد، وهي الفترة التي يتفق معظم علماء التاريخ بأنها فترة بدء الأنسان استيطان المدن والعيش في التجمعات الحضرية. وتظهر هذه الحفريات الأثرية من خلال الطبقات الجيولوجية التي أشتركت فيها جامعات بريطانية إلى تعاقب الثقافات فيها بدءاً من السومرية الأكادية ومروراً بالآشورية، الفارسية، الكوردية، الأغريقية وانتهاءً بالإسلامية في الوقت الحالي. ليس من السهل معرفة التوزع العمراني للقلعة بالتحديد على مر العصور القديمة، ألا أنه في العصور الوسطى والحديثة، وعلى ضوء الدراسات التاريخية والأثرية المعاصرة، هذه المعرفة تحسنت وتوسعت كثيرا. يتكون محيط القلعة من 500 منزل تقريبا أضافة إلى 3 دور للعبادة وصالة للدروس الدينية والعديد من الأبنية التاريخية التي أستعملت لأغراض متنوعة على مدى التاريخ.

القلعة تتوزع على 3 أحياء رئيسية، الماضي كالحاضر تماما، حي السراي كان يسكنه الحكام وكبار الظباط و المسؤولين والأكثر ثراء وهذا كان في الجزء الشرقي الجنوبي تقريبا من القلعة. الجزء الثاني يسمى التكية، وكان في الوسط والشمال من القلعة ويسكنه الدراويش والفلاحين و أصحاب الدخل المحدود والطبقات الفقيرة وفي الجزء الغربي كان يسكن أصحاب الحرف، المهن والموظفيين أو الطبقة الوسطى كما يقال في المفهوم العصري الحديث وهذا الجزء كان يسمى بتوبخانه، وفي هذا الجزء من القلعة، كانت تنصب المدافع لصد هجمات الأعداء، أضافة ألى مباني أخرى متنوعة كالسجن والحمام العام و السوق في محيط القلعة. أن موقع مدينة أربيل وقلعتها بارز الأهمية، حيث تقع قريبا الى حدا ما من أسفل سلسلة جبال زغروس حيث الموقع الأستراتيجي الحيوي بين ميزوبوتاميا وأيران، وقد كان هذا الموقع الجيوسياسي ذات نعمة ونقمة على الكورد على مر التاريخ حيث كانت مناطقهم دائما مسرحا للصراعات.

أن قلعة أربيل تجسد مبدأ التنوع البشري والتواصل الحضاري بين جميع الشعوب والأقوام من مختلف الديانات والثقافات التي توالت على العيش فيها منذ عصور ما قبل التاريخ الى الوقت الحالي، وأن التحليل التاريخي الرصين يمكننا جميعا من فهم أكثر وأدق لتاريخ مدينة أربيل نفسها والمناطق المحيطة بها من فترات أزدهار وتدهور.

لقد هاجم المغول مدينة أربيل عام 1232 ميلادي وألحقوا بها الدمار كعادتهم في دخول كل الأماكن التي مروا بها وحصارالقلعة التي استسلمت في النهاية أمام وحشيتهم عام 1258. في حين كانت المدينة عامرة ومزدهرة خلال الفترة الآشورية عام 1000 قبل الميلاد تقريبا. أما في العهد الإسلامي، لم يهتم الأمويون كثيرا بتطوير المدينة لأن أهتمامهم الرئيسي أنصب على تطوير مدينة الموصل حتى قدوم أسرة الزنكي الكوردية حوالي عام 1127 حيث بدأت بالأزدهار ثانية مروراً بعام 1192 عندما حكم المدينة السلطان مظفر الدين حيث غدت أربيل وقتها مركزا علميا وثقافيا هاما في العصر العباسي الرابع.

تبقى مدينة أربيل وقلعتها المصنفة على لوائح اليونسكو مكانا للتعددية الثقافية والدينية حيث شهدت بروز وأفول حضارات متعاقبة على مر الأزمنة حتى الوقت الحالي. أربيل اليوم هي رمز للتقدم والأزدهار العمراني حيث باتت تمتلك بنية تحتية متينة وواسعة على صعيد العراق والمنطقة. كذلك تمتلك مدينة أربيل العديد من الجامعات الحكومية والأهلية وخاصة بعد عام 2005 كأستجابة للطلب المتزايد على التعليم الجامعي والمشاركة في عملية التنمية والنهضة التي يشهدها أقليم كوردستان العراق ولعل أفضل مثال على ذلك جامعة صلاح الدين في أربيل والجامعة الأمريكية في دهوك.

ستظل مدينة أربيل وقلعتها شاهدا على تاريخها المستمر التي لم تنقطع أحداث البشر وسكناهم داخل أسوارها وخارجها. وستظل مدينة للتعايش السلمي بين جميع مكوناته ورمزا للتعددية الدينية والثقافية وملاذاً للكثير من النازحين والمهاجرين من داخل العراق وخارجه وقبلة للسياح من مختلف دول العالم حيثت غدت عاصمة السياحة العربية في عام 2014.








روداو
Top