الناخب والمرشح للانتخابات… علاقة تبادلية متغيرة
عبدالله جعفر كوفلي
الانتخابات ظاهرة سياسية طبيعية وصحية في الأنظمة الديمقراطية، بل هي طريقة نقل السلطة من يدٍ إلى آخر سلمياً وهي دليل على رقي المجتمع وإيمانه بالتغيير بعيداً عن العنف والانقلابات الدموية، كذلك هي السبيل الوحيد للمواطنين للمشاركة في رسم السياسات العامة للدولة واختيار من ينوب عنهم ويمثلهم في البرلمان.
باتت الانتخابات جزءا أساسيا من مسيرة حياة المواطنين في إقليم كوردستان ومشهداً متكرراً وخبراً مألوفاً غير بعيد عن ذاكرتهم وذلك لكثرة إجراءها، فما أن ينتهي من إحداها إلا وتبدأ الاستعدادات لإجراء اخرى، فقد جرت أول انتخابات برلمانية في الإقليم بعد الانتفاضة الشعبية في ١٩٩٢/٥/١٩ وبعدها توالت الانتخابات سواء كانت لدورات برلمان كوردستان او للمؤتمرات الحزبية أو لاختيار رؤساء الاتحادات والنقابات المهنية ومن هذا المنطلق اصبح المواطن الكوردستاني ذو دراية واسعة وثقافة كبيرة بتفاصيل العمليات الانتخابية من شكل القائمة (المغلقة أو المفتوحة أو…) وكيفية اختيار المرشح الذي يريد التصويت لصالحه ومدى نزاهة الانتخابات من عدمها وما هي الثغرات القانونية وكيفية تقديم الشكاوى وعلينا أن لا ننسى دور الإعلام والمنظمات المعنية بالانتخابات في توعية الجمهور وهذا يمثل خطوة إيجابية ومهمة في التحول الديمقراطي خاصةً في بلدٍ مثل العراق.
يمثل الناخب والمرشح عنصرين أساسين في أية عملية انتخابية بل هما الهدف منها وفيها، فالناخب يهدف الى اختيار مرشح يراه مناسباً في أن يمثله في البرلمان والمرشح من جانبه يجعل من الناخبين هدفاً له للاتصال بهم وإقناعهم بأنه الشخص الصالح والمناسب للتعبير عنّهم والدفاع عن حقوقهم المشروعة وأنه يملك افكاراً واضحة وبرامج مختلفة لخدمتهم، ويحتاج الى أصواتهم، إذاً هذا هو لب الحراك المخفي والمنافسة والدافع لكل منهم لتحقيق ما يصبو إليه، ولا ننكر وجود مؤسسات أخرى في العملية منها السياسية والإعلامية والدولية والمجتمعية لكنّها تعمل على تحقيق الاتصال الفعال بين الطرفين.
تختلف دوافع الناخب في التصويت للمرشح المعين فمنهم من يصوّت لدوافع سياسية أو اجتماعية أو دينية أو ثقافية أو علمية أو مناطقية وفي الانتخابات الاولى في الاقليم كان الناخب متحمساً جداً للمشاركة ويصوت لمرشح حزبه وبشكل أقل لعشيرته وكان المرشح ماهراً في الاتصال بهم وسريعاً في إقناعهم لأن الناخبين كانوا متلهفين للانتخابات، ولكنّ سرعان ما تغيّرت الأحوال.
كان وما يزال المرشح قادراً على البحث عن أساليب انتخابية جديدة في الاتصال بالجماهير وإرضائهم بالمشاركة والتصويت لصالحه، ولكنّ مهمته تزداد تعقيداً في كلّ مرة لأنّ الناخب لم يبقّ على حاله وأصبح لديه الكثير من الأسئلة والاستفسارات والحسابات الشخصية عند الانتخابات إن كان يشارك فيها أصلاً أم لا مبنياً قراره على أسباب وقناعات لذا نرى اختلاف في نسبة المشاركة في كلّ انتخاب، وإن قرر المشاركة فإن مشاركته ستكون مشروطة مع المرشح بتلبية طلباته وتنفيذ شروطه سواء كانت منفعة مادية أو درجة وظيفية أو غير ذلك، ونرى في الغالب الأعم أن الناخب أصبح أكثر وعياً وثقافة من ذي قبل ويضع نصب عينيه مصلحته الشخصية وإن كانت في إطار حزبه الذي ينتمي إليه في اختيار المرشح الأقرب اليه في تلبية رغباته متجاوزاً حواجز القرابة أو علاقات المصاهرة ويبحث عن ما سيكسبه من الانتخابات لأنها الفرصة المناسبة لتحقيق ما يريده،
اخيراً وتجنباً للإطالة فإن علاقة المرشح والناخب تغيرت كثيراً لأن قواعد اللعبة تغيرت وأصبح الناخب أكثر فهماً وإدراكاً لما يحدث من حوله ولا يستسلم بسهولة بل يفرض شروطاً ويضمن مكاسب، وهذا ما يدفع بالمرشح أن تكون برامجه مكثفة وأكثر تحملاً، لان الانتخابات تحمل الكثير من التحديات والعقبات والمفاجآت فكم من مرشّح مضمون الفوز خاب ظنه ومن كان في حسابات الفوز اخيراً حقق المفاجأة وحصد الأصوات وفاز وهذا دليل على رقي الناخب وعدم الاستسلام بسهولة وان لديه حسابات..