• Sunday, 25 August 2024
logo

الثقة أساس الحكم

الثقة أساس الحكم
معد فياض


حققت انظمة الحكم المتطورة في ادارة بلدانها ونقلها الى مصاف الدول الحضارية عن طريق التعامل بثقة وشفافية مع شعوبها، وبالتأكيد، بتكليف الشخص المناسب في موقعه الصحيح.

وبرهنت هذه الانظمة المتحضرة بأن الثقة هي أساس الحكم، ومصارحة مواطنيها بكل التفاصيل فيما يتعلق بمصير البلد والشعب في كافة المجالات الاقتصادية والامنية والاجتماعية والثقافية، وأن ادارة الدولة لا تتم عن طريق استعراض القوة او الكذب او القاء خطب عصماء مموهة على مواطنيها.

وقبل هذا وذاك هناك عامل مهم جدا يتعلق بنجاح هذه الانظمة في ادارة بلدانهم، الا وهو طريقة اختيار المسؤوولين عن ادارة الدولة، وأعني اعضاء البرلمان ورئيس الجمهورية او رئيس الوزراء، وهذا ايضا يحيلنا مرة اخرى الى موضوع االثقة بين الشعب وبين المرشحين لتلك المناصب القيادية في البلد، حيث تتوفر النزاهة والوضوح ومعرفة المرشح وتاريخه الذي يخلو من اي سجل اجرامي مهما كان بسيطاً، وما قدمه في مسيرته لبلده وشعبه.

للأسف لم تتوفر مثل هذه الظروف التي سأسميها مثالية في تاريخ الحكم في العراق، خاصة في حكمه الجمهوري، اي بعد انقلاب 14 تموز 1958 وحتى اليوم، اذ سيطر العسكر على دفة الحكم بقوة السلاح، ومهدوا للاحزاب والانظمة االشمولية والزعامات الدكتاتورية بقيادة البلد.

ما زاد من فداحة الامر هو ان كل من قاد العراق، منذ 1958 وحى 2003 ادار الامور ببزته العسكرية، وحسب أمزجته وأهوائه، وبغياب كامل لأي اسلوب ديموقراطي، او شبه ديموقراطي، وعلى مدى هذا االتاريخ لم يتعامل الحاكم مع الشعب بثقة ووضوح، وكذلك الشعب الذي تعامل باستمرار باسلوب معارض وغير واثق بحكامه والانظمة التي تقود البلد.

بعد تغيير النظام عام 2003 طبلت الاحزاب، التي كانت معارضة في الخارج بالأمس والحاكمة في الداخل اليوم، لشعارات الديموقراطية والانتخابات وتمثيل الشعب تحت قبة البرلمان، لكنها مارست اسلوب الوصول الى الحكم وقيادة البلد بديوقرطيتها الخاصة التي قامت على اساس تزوير الاصوات وسرقة اموال الدولة والقتل والتخريب والتمسك بالسلطة رافعة شعار "ما ننطيها"، فغابت منذ البداية الثقة بين الطبقة الحاكمة والشعب العراقي، بل ان العداء ما بين الاثنين هو الذي حل كبديل للثقة والوضوح والشفافية بين السلطة والشعب.

وعلى مدى 17 عام بقيت الاحزاب الحاكمة تكذب وتحتال على الشعب العراقي، بل وتسرق امواله متسترة بالدين والمذهب والعشيرة في ظل غياب تام للقوانين. واحتل مقاعد البرلمان اشخاص هم ابعد ما يكونوا عن وصفهم ممثلون عن الشعب العراقي، وهؤلاء راحوا يقسمون مغانم المناصب والسلطة والدرجات الوزارية والخاصة والدبلوماسية على اساس الولاء لهذا الحزب وذاك الزعيم والمذهب والعشيرة دون الاهتمام بالكفاءات الوطنية، وغاب الولاء للوطن.

وطوال السنوات الـ 17 ساد الكذب في تعامل السلطة الحاكمة مع العراقيين، اذ لم تكشف الحكومات المتعاقبة عن المتسببين بضياع العراق وسرقة امواله وتخريبه واحتلاله من قبل تنظيم داعش، ولم يقدم اي مسؤول عن الفساد الذي استشرى في البلد، او عن الميلشيات التي عاثت، وما تزال، بأمن العراقيين واستقرارهم، وكل نتائج اللجان التحقيقية التي اعلن عن تشكيلها لمعرفة اسباب هذا التخريب المتعمد ذهبت ادراج الرياح.

وتفاءل غالبية من العراقيين بتعهدات رئيس الحكومة مصطفى الكاظمي بمحاربة الفساد وحصر السلاح بيد الدولة وكشف الحقائق فيمل يتعلق بقتلة ثوار تشرين، والاعتماد على الكفاءات الوطنية المهنية في ان يكون الشخص المناسب في المكان المناسب، وانقاذ ما يمكن انقاذه خلال فترة حكومته المؤقتة.

وبعد مرور ما يقرب من ثلاثة اشهر، ما يزال طابع غياب الثقة يسود العلاقة بين الحكومة والشعب، والعكس صحيح، اذ يترقب العراقيون من حكومة الكاظمي مصارحتهم بفتح الملفات المهمة المغلقة والمسكوت عنها بكشف حيتان الفساد، والمتورطين بقتل أكثر من 800 من شباب المظاهرات، واعلان نتائج التحقيقات التي جرت حول اسباب احتلال داعش لثلث اراضي العراق، واستشهاد 1700 في سبايكر، وغيرها من الملفات الخدمية التي تهم حياة االمواطنين وتقديمهم للقضاء. لكن الاعلام الرسمي وشبه الرسمي المدافع عن حكومة الكاظمي يقول ان "الرجل لا يملك عصا سحرية لادارة كل هذه الملفات بيوم وليلة"، بل ان رئيس االوزراء ذاته اكد في خطابه الاخير، وحول مشكلة الكهرباء، بان هذه المشكلة نتيجة فساد الحكومات المتعاقبة.

بالتأكيد ان العراقيين لا يتوقعون حلولا لازمات عمرها 17 عاما بيوم وليلة، وهم لا يلقون باللوم على حكومة الكاظمي، لكنهم ينتظرون الكشف عن المستور والتعامل بمصداقية وبجدية مع هذه الملفات العالقة، والاهم من كل هذا هو ان تتعامل الحكومة بثقة وشفافية مع المواطنين بدلاً من البيانات الاعلامية ليكون ذلك بداية لبناء الثقة بين المواطن والحكومة.









روداو
Top