• Sunday, 25 August 2024
logo

إمبراطوريات وهمية ومصالح زائلة

إمبراطوريات وهمية ومصالح زائلة
معد فياض


ما يزال حكام إيران وتركيا يتخيلون بأنهم يقودون إمبراطوريات تتسيد العالم، ويتصرفون مع بقية الدول وفق هذا الوهم. هؤلاء الحكام لا يريدون أن يصحوا على حقيقة أن إيران وتركيا لم تعودا الإمبراطوريتين: الصفوية والعثمانية، وأن بقية الشعوب التي كانوا يستعمرونهم ويسومونهم سوء العذاب، قبل قرون، لم يعودوا تابعين لهذه الإمبراطورية أو تلك، بل أن إمبراطورية فارس الصفوية والإمبراطورية العثمانية أصبحتا في خبر كان ومن أفعال الماضي الغابر.

فمع التطور الزمني والتكنولوجي والسياسي وتنامي قوى جديدة وتحول الإمبراطورية الفارسية الشاهنشاهية إلى جمهورية، واالعثمانية كذلك إلى نظام جمهوري ، إلا أن سياسييهم أو حكامهم ما زالوا يتعاملون بروح الإمبراطوريات التي حكمت قبل مئات السنين هذا البلد أو ذاك، ولا يريدون أن ينسوا أنّ شعوب هذه البلدان ثاروا عليهم وقدموا الضحايا من أجل نيل حريتهم وأن بلدانهم استقلت ولم تعد تابعة لهذا أو ذاك، وأن عهود الاستعمار والاستعباد ولّت وإلى الأبد.

استناداً إلى ممارسات حكام إيران وتركيا، وكلا البلدين إسلاميان، بل أن قادتهما يعلنون سراً أو علانية بأنهما الآمر الناهي بأمر المسلمين، ففي إيران هناك الولي الفقيه علي خامنئي الذي يعتقد بأنه حاكم شيعة العالم بأمر الله، وفي تركيا يتصرف رجب طيب أردوغان باعتباره خليفة المسلمين وحاكم سنة العالم بأمر الله، وهذا يعني أن على مسلمي المعمورة أن يدينوا بالطاعة والولاء إمّا لخامنئي أو لأردوغان.

نظام ولاية الفقيه في إيران يستخدم الدين والمذهب للتدخل بالشؤون الداخلية السياسية والاقتصادية والأمنية في العراق ولبنان وسوريا واليمن والبحرين والسعودية، وفي أي بلد وجد فيه أتباع المذهب الشيعي، حتى لو كان أتباع هذا المذهب بعدد أصابع اليد الواحدة، وكذلك يفعل نظام أردوغان الذي يتصرف وكأنه الحريص على مصالح السنة في أي مكان، وهكذا عبر البحار والمحيطات ليتدخل بالشأن الليبي من أجل أن يُحكم سيطرته على شمال أفريقيا بصورة مباشرة أو غير مباشرة، كما كان قد تدخل بالشأن السوري، والعراقي متخذاً من الهوية القومية لتركمان العراق مرة، ومن المذهب السني مرة ثانية، أوراقاً تبيح له هذا التدخل، فهذا ديدن الإسلام السياسي الذي يسيء للإسلام من جهة ولحرية بقية الشعوب من جهة أخرى.

وليس غريباً أن نعرف أن هناك أحزاباً وجماعات سياسية محلية هي من ساعدت وتساعد إيران وتركيا للتدخل في شؤون بلادهم، ففي العراق، مثلاً، تواطأت أحزاب الإسلام السياسي الشيعية والميلشيات المسلحة الموالية لنظام الولي الفقيه على مد النفوذ الإيراني، يحدث الأمر ذاته مع ميلشيات حزب الله اللبناني، والانقلابيين الحوثيين في اليمن الموالين لإيران، بينما قام الحزب الإسلامي العراقي، النسخة العراقية من الإخوان، وتركمان العراق بتهيأة السبل لتدخل تركيا في الشأن الداخلي، وفعلت الأمر ذاته في سوريا وليبيا ومن خلال دعم أنقرة للميلشيات الخارجة عن القانون والمرتزقة السوريين للحرب ضد الجيش الوطني الليبي والتمدد في البلاد.

لكننا اليوم نشهد تدخلاً سافراً، ليس سياسياً بل عسكرياً، من قبل تركيا وإيران في العراق وذلك بقصف مدن وبلدات إقليم كوردستان العراق، بل ودخول قوات تركية للأراضي االعراقية منتهكة سيادة البلد بلا أي رادع.

السبب المعلن لطهران وأنقرة في قصف قرى وبلدات إقليم كوردستان االعراق هو لملاحقة الأكراد المعارضين لنظامي الحكم في إيران وتركيا من أجل الحصول على حقوقهم المشروعة، أي أنّ قوتي الإمبراطوريتين الغابرتين، الفارسية والعثمانية، اتفقتا على ملف قتل الكورد لتعيدا لذاكرة العالم اضطهادهما لبقية الشعوب، ففي الأمس ارتكبت تركيا مجازر ذبح الأرمن واليوم توجه آلتها العسكرية ضد الكورد، وكذلك تفعل إيران.

والغريب أن كل هذه الجرائم والخروقات لحقوق الإنسان ولسيادة الأراضي العراقية وسط صمت عراقي وعربي ودولي وأممي، باستثناء أصوات ضعيفة من قبل الخارجية العراقية وجامعة الدول العربية، مرة تشجب وأخرى تندد دون اتخاذ إجراءات رادعة لهذه الفعاليات االعسكرية التي عمرها أكثر من ثلاثة عقود.

إن على العراق أن يتصرف بحزم ضد التدخلات العسكرية والسياسية الإيرانية والتركية للدفاع عن سيادة أراضيه وحماية شعبه، وتأكيد هيبة الدولة، فعذر الإيرانيين والأتراك بملاحقة الكورد المعارضين، الإيرانيين أو الاتراك لا يمنح كلتا الدولتين المعتديتين حق الاعتداء على أرض وشعب العراق.

إن هذه المحاولات العدوانية لإمبراطوريات غابرة من أجل أن تحيي مجدها الزائل بافتعال صراعات إقليمية على حساب شعوب المنطقة، وإيجاد مناطق نفوذ لن تدوم لها عاجلاً ام آجلاً. فالعالم محكوم اليوم بتوازنات أممية وقوانين ومصالح دول عظمى.





روداو
Top