• Sunday, 25 August 2024
logo

الفيروس التاجي إعلامياً وخطة الإنقاذ...

الفيروس التاجي إعلامياً وخطة الإنقاذ...
دلشاد بشير ملا



التضخيم الإعلامي لجائحة كورونا باتت قناعة لدى الكثير من النخب و حتى الدول، فهناك العديد من الدول لم تتخذ بالأصل إجراءات لكبح إنتشار الفيروس كالسويد مثلاً ، أو دول أخرى لجأت إلى التخفيف عن القيود رغم إنها تتصدر العناوين الرئيسية كبؤرة لتفشي الجائحة كإيطاليا و إسبانيا. هنا لا ننكر وجود الفيروس و لا نرتمي الى صفوف المؤمنين بنظرية المؤامرة، فالوباء إن كنت تؤمن به أو لا، فبإمكانه أن يصيبك و إن كنت من تعساء الحظ فمن الممكن أن يودي بك. في خضم هذا التجاذب بين الطرفين المؤمن و المكذب بنظرية المؤامرة، هناك تضخيم إعلامي كبير،يجعل المتابع يبحث عن خفايا الموضوع أو ربما البحث عمن سيلعب هذه اللعبة بمهارة و يخرج منتصراً من هذه المعمعة.لم تستمر الأزمة الاقتصادية سنة ٢٠٠٨و المعروفة بأزمة الرهون العقارية رسمياً أكثر من عام، و لكن عمليا آثارها لا تزال قائمة، وهذا يتضح جلياً من خلال مراقبة معدلات النمو الإقتصادي، أي الدورة الإقتصادية لم تكتمل ولم تلامس القاع فعلياً، حتى بعد إعلان تخطيها. أساساً لم تأخذ الأزمة مداها العميق في التأثير، لكن اليوم و مع إنتشار كوفيد19 يمكن القول إنّ ما كان عليه 2008 ، بلغ القاع و ستكون من أوائل نتائجه إفلاس الشركات و تدخل الدولة للإنقاذ و من ثم الإنتقال لمرحلة التعافي ثم النمو ثم القمة، كما هو معروف في الدورة الاقتصادية. هذه ظروف تشبه الظروف الاقتصادية لعام 1929 التي تلت مرحلة الكساد الكبير في 1923 ، و الذي أنتج فيما بعد النمو و الإزدهار الإقتصادي من خلال مجموعة إتفاقيات مهدت الطريق لإمريكا لسيادة العالم و خاصة في إتفاقية بريتن ودز في 1944 الذي جعل من الدولار عملة عالمية، بغطاء مكافىء تماماً للذهب، حتى عام 1971 و فك إرتباط الدولار بالذهب و من ثم ترسيخ سيادة الدولار في إتفاقية جمايكا في 1976 والذي أنتج النظام العالمي الجديد القائم على العرض و الطلب و تعويم العملات، هذه المراحل المفصلية جميعها لعبتها أمريكا بمهارة مدعومة بقوتها الإقتصادية و العسكرية، لكن اليوم مع وجود تنين بحجم الصين هل ستستطيع أمريكا إكمال اللعبة بهذا المستوى من الأريحة و المهارة!وفق توقعات الشركة البريطانية متعددة الجنسيات "ستاندرد تشارترد" في 2030 سيكون إجمالي الناتج المحلي للصين ضعف الناتج المحلي لأمريكا ، و سيحل الإقتصاد الأمريكي في المرتبة الثالثة بعد كل من الصين و الهند عالمياً. و هذا آخر ما يمكن لواشنطن القبول به، في نفس الوقت من المستبعد اللجوء للخيار العسكري مما تنطوي عليه مخاطر خروج الأمور من السيطرة. بكل تأكيد هذا الوضع الحالي ليس بمفاجئة للأمريكيين ، و الحرب التجارية المستمرة في الفترة الأخيرة بين واشنطن و بكين جزء من تدابير الأمريكيين لتحجيم التنين.الظروف التي ستنتجها كورونا المستجد ستكون مشابهة لما اُنتِجَت بعد الحرب العالمية الثانية، بعض مؤشراتها نعيشها اليوم و هو إنهيار أسواق النفط حيث لا أحد من عمالقة الصناعات النفطية و منتجيها استطاع أن يُمسك بلجام الإنحدار في السوق و ترويض الأسعار.الإنهيار الذي بدء بلعبة عض الأصابع بين السعودية و روسيا، خرجت الأمور عن السيطرة بعد عدة أيام. إنتاج ظرف مشابه لما بعد الحرب العالمية الثانية التي خرجت منها امريكا كقوة عظمى، بإستخدام فايروس منتشر، إنما هي تكلفة زهيدة و جهد لا يُذكر، فوقود تشغيل الاقتصاد العالمي بعد الحرب العالمية الثانية كان 60 مليون قتيل كخسائر بشرية فقط، أما اليوم لإتمام الدورة العالمية للأقتصاد، بعد ركود و إنكماش، إلى تعافي و نمو، هو فيروس مضخم إعلامياً. حسب تقديرات خبراء الإقتصاد حتى نهاية هذا العام لن تكن هناك دولة ناتجها المحلي إيجابيا، و ستنهار الأغلبية الساحقة من الشركات، و لن تفلح حزم الإنقاذ الأمريكية و الأوروبية، في إيقاف الدوران العكسي لعجلة الإقتصاد، هذه المقدمات ستكون مادة دسمة و حجة رابحة لتطويق الصين، من قبل أمريكا و من وراءها أوروبا، و اليوم يمهدون تحميل بكين مسؤلية تفشي الفيروس و أن ثبّتوا التهمة سوف ترزح الصين تحت ديون ضخمة و تتعطل مشاريعها الخارجية من الحزام و الطريق إلى القسم الاكبر من الموانئ المستأجرة خارجياً ..، بالطبع الصين لن تقف مكتوفة الأيدي، بل ستقاوم بنفس الأساليب الإقتصادية و أعتقد في نهاية هذا المخاض العالمي سنشهد نظام عالمي جديد سيكون للصين فيها دور كبير يناسب حجمها نوعا ما و يشبع شيء من طموحها، و ستبقى واشنطن محافظة على موقعها سيدة العالم لكن بإخراج جديد.في منطقتنا الشرق الأوسط، سنتأثر كباقي العالم، لكن أخذ مجموعة من التدابير سيخفف الآثار من الأنهيار العالمي الذي لا مفر منه، و من هذه التدابير صياغة شراكة حقيقية مؤسسة، بين القطاع الخاص و الدولة، مع الحفاظ على اليد العليا للدولة. تنويع مصادر الدخل و الاهتمام بشكل كبير بالزراعة لتحقيق الاكتفاء الغذائي ، بالإضافة الى إقتحام الأسواق العالمية لرفع قوة الاقتصاد المحلي و تجربة صندوق السيادة السعودي في التوجه الى الأسواق العالمية و شراء شركات عالمية و سندات دولية، هي خطوة مهمة ، تدفع دول أخرى لتحذوا حذوة هذا المنحنى لتنويع الموارد وتقوية القدرات لإمتصاص أزمة الإنهيار الكبير، لكن العمود الرئيس الذي سيبقي الخيمة منتصبة هو زيادة إحتياطي الذهب، و هي خطوة واظبت عليها روسيا على مدار الخمس السنوات الماضية. في عملية الانهيار المرتقب سيتأثر الدولار بشكل كبير، و من الممكن أن ينهار النظام العالمي المالي، و هنا لن يكون هناك مخرج لإعادة التوازن للسوق العالمية و القيمة للأوراق النقدية غير الغطاء الذهبي.



باسنيوز
Top