• Sunday, 25 August 2024
logo

الكورد بين فكي المعاهدات الدولية ووعودها

الكورد بين فكي المعاهدات الدولية ووعودها
فواز الطيب




خصوصية الكورد في إدارة بلادهم لا تقل أهمية عن أي أقوام آخرين فمنذ سقوط الإمبراطورية الميدية التي أسسها الكورد على يد الفرس الأخمينيين ولم يتخذ الحدث وما بعده مظاهر قومية في حينه لكنه أسس للمشكلة التي مرت عليها فترات هدوء بعد الفتح الإسلامي الذي أنقذ الكورد ومنحهم حقوقا قومية وحرية تأسيس إمارات عديدة تحكم نفسها بنفسها في إطار الدولة الإسلامية، وذلك قبل أن تبدأ المعالم الحديثة للمشكلة الكوردية بالتشكل منذ بدايات القرن السادس عشر.

بدأت المشكلة الكوردية بصورة واضحة في العصر الحديث عند اصطدام الدولتين الصفوية والعثمانية ، وبكل تبعاتها التاريخية من عهود ومواثيق كان الكورد فيها ضحية وكرست جميع هذه المعاهدات تقسيم كوردستان وشعبها بشكل مجحف، وبسبب ذلك تعقدت المشكلة الكوردية يوماً بعد آخر، ولا سيما بعد بدء انتشار الأفكار القومية في الشرق، وبالأخص منذ بداية القرن التاسع عشر، حيث بدأت الدول الأوروبية تحتك بكوردستان عن طريق الرحالة الأجانب والإرساليات التبشيرية، وكذلك عن طريق بعض القنصليات وأهمها البريطانية والروسية والفرنسية ثم الأميركية.

ويمكننا القول إن اشتداد الصراع الدولي في الشرق، وخاصة بين القوتين البريطانية والروسية أثر بشكل سلبي في مستقبل الشعب الكوردي، وأخرج المشكلة الكوردية من الطابع الإقليمي إلى الطابع الدولي، وخاصة بعد الاتصال المبكر بالكورد من قبل روسيا، ثم بريطانيا، حيث كانت الحكومة الروسية شديدة الاهتمام بأوضاع البلدان والشعوب المتاخمة لحدودها، ونظرت الحكومة البريطانية بقلق إلى المطامح الروسية خوفاً من أن يمتد الروس إلى بلاد ما بين النهرين.

اجتمع وزراء الخارجية الروسية والبريطانية والفرنسية عام 1916، ودارت بينهم مباحثات سرية حول الترتيبات المقبلة للشرق الأوسط، بعد أن أصبحت هزيمة ألمانيا وحليفتها الدولة العثمانية وشيكة، وتضمنت اتفاقية "سايكس بيكو" تقسيم تركة الدولة العثمانية، وبما أن القسم الأكبر من كوردستان كان تحت السيطرة العثمانية، فقد شملها التقسيم، وهذا الوضع الجديد عمق بشكل فعّال من تعقيد المشكلة الكوردية، وأخرجها من الطابع الإقليمي إلى الطابع الدولي، وتعد معاهدة "سايكس بيكو" أول معاهدة دولية اشتركت فيها ثلاث دول كبرى، وحطمت الآمال الكوردية في تحقيق حقهم المشروع في تقرير المصير.

عام 1918 كان هناك محاولات جديدة للكورد بالتقرب من دول التحالف، وخاصة البريطانيين، حيث كانت جهود الدبلوماسي الكوردي شريف باشا واضحة في هذا المجال، وبحلول عام (1918)، وقد تحرك الكورد وبذلوا جهوداً مضنية لإيصال صوتهم إلى "مؤتمر الصلح في باريس" عام (1919) على أمل أن ينالوا حقوقهم المشروعة، ولا سيما بعد أن صرح رئيس الولايات المتحدة الأميركية ويدرو ويلسن بحق الشعوب في تقرير مصيرها في بنوده الأربعة عشر المشهورة، ولم يكن للكورد كيان سياسي مستقل حتى يشارك وفدهم رسمياً في ذلك المؤتمر، شأنهم شأن القوميات والشعوب المضطهدة الأخرى، ولذلك خول الشعب الكوردي من خلال العشائر والجمعيات السياسية شريف باشا لتمثيلهم والمطالبة بالحقوق الكوردية المشروعة.

وأصدر الحلفاء بعد استكمال تحضيراتهم للمؤتمر قراراً في شهر يناير/كانون الثاني 1919 نص على ما يأتي: "… إن الحلفاء والدول التابعة لهم قد اتفقوا على أن أرمينيا وبلاد الرافدين وكوردستان وفلسطين والبلاد العربية يجب انتزاعها بكاملها من الإمبراطورية العثمانية"، وانطلاقاً من هذا القرار قدم الممثل الكوردي شريف باشا مذكرتين مع خريطتين لكوردستان إلى المؤتمر، إحداهما بتاريخ (21/3/1919م) والأخرى يوم (1/3/1920)، كما طلب من القائمين على شؤون المؤتمر تشكيل لجنة دولية تتولى تخطيط الحدود بموجب مبدأ القوميات، لتصبح كوردستان المناطق التي تسكن فيها الغالبية الكوردية ، ودل كل ذلك على أن المشكلة الكوردية تقدمت خطوة كبيرة إلى الأمام في أعقاب الحرب.

نجح شريف باشا في إدخال ثلاثة بنود تتعلق بالقضية الكوردية في "معاهدة سيفر" التي أبرمها الحلفاء بباريس في أغسطس /آب 1920، وقد كرس ذلك عملية تدويل القضية الكوردية بصورة رسمية، رغم أن الدولة العثمانية حاولت مراراً أن تصف القضية الكوردية بأنها قضية داخلية تستطيع الدولة حلها.

وتعد "معاهدة سيفر" وثيقة فريدة كما يعلم الجميع في تاريخ القضية الكوردية، حيث نصت على تحقيق حل المشكلة الكوردية بمراحل، وقد وصف كمال أتاتورك المعاهدة بأنها بمثابة حكم الإعدام على تركيا، وحاول بمختلف الوسائل وضع العراقيل لمنع تطبيق المعاهدة، وفي لندن عام 1921 م، نجح الاتراك في اقناع دول التحالف برغبة الكورد العيش مع إخوانهم الأتراك حسب ما زعمت آنذاك وبذلك فشل مؤتمر لندن لتوجه ضربة إضافية للآمال القومية الكوردية ، ليعقب مؤتمر لندن "معاهدة لوزان" عام 1923م ، التي نصت على أن تتعهد تركيا بمنح معظم سكان تركيا الحماية التامة والكاملة، ومنح الحريات دون تمييز، من غير أن ترد أية إشارة للكورد فيها، كما لم تجر الإشارة إلى "معاهدة سيفر"، وعدّ الكورد المعاهدة ضربةٌ قاسية ضد مستقبلهم ومحطمة لآمالهم، وبذلك يتحمل الحلفاء المسؤولية الأخلاقية الكاملة تجاه الشعب الكوردي ولا سيما الحكومة البريطانية، وشعرالكورد في حقيقة الأمر بالخيانة عندما قدمت بريطانيا لهم وعوداً بضمها لكوردستان في وقت سابق ولم تقم بتنفيذ أي من هذه الوعود ، ومن أهم الآثار السياسية المترتبة على "معاهدة لوزان" الثانية أنها كرست تناسي الكورد وحقوقهم حين تجاهلت منحهم الاستقلال بدولة قومية خاصة بهم، كما نصت عليه "معاهدة سيفر"، وهو ما كان بداية لقضيتهم التي أصبحت مصدر قلق وتوتر للعديد من دول المنطقة وازدادت تعقيدا مع مرور الأيام، تاركة آثارا سياسية وإنسانية كبيرة وخطيرة.

وأدى كل ذلك إلى ازدياد المشكلة الكوردية تعقيداً بعد أن أصبح الشعب الكوردي موزع عمليا وقانونيا بين أربع دول ( تركيا – العراق – سوريا – ايران ) بدل دولتين، لتزداد معاناته وليبدأ فصل جديد من فصول علاقته بالدول الجديدة طغى عليها التوتر والعنف الذي لم يجد حتى اليوم حلولا عادلة، فيما بدأت الأحزاب والقوى القومية الكوردية تتشكل لكي تقود النضال الى يومنا هذا وبأجزائها الأربعة من أجل تحقيق حلمهم المنشود بتحقيق الدولة الكوردية .





روداو
Top