• Sunday, 25 August 2024
logo

الأنفال جريمة نازية

الأنفال جريمة نازية
معد فياض




على مقربة من بلدة بارزان في اقليم كوردستان يقع متحف الانفال الذي تعرض فيه نماذج ووثائق عن مقتل الالاف من الشعب الكوردي على ايدي مجرمي النظام السابق.

صور، ملابس، بقايا دمى لاطفال، اساور وقلائد من الخرز الملونة لاطفال لا تتجاوز اعمارهم السنة الواحدة، صور لامهات وهن يحملن اطفالهن وآباء وشيوخ دفعوهم بقوة السلاح الى مقابر جماعية ودفنوا احياء. اضافة الى هذه الوثائق الصريحة هناك ما كشفته المقابر الجماعية في صحراء السماوة وبابل ومناطق أخرى في العراق، من بقايا جثث عوائل كوردية باكملها ابيدت في اكبر جريمة ضد الانسانية ارتكبت بعد الحرب العالمية الثانية.

غير هذا هناك الوثائق المكتوبة كأوامر من قيادات الامن والاستخبارات وحزب البعث والحرس الجمهوري التي تأمر وباسم"الرئيس القائد صدام حسين حفظه الله" بالهجوم على قرى وبلدات ومدن كوردية في كوردستان العراق، والقاء القبض واعدام الالاف من الكورد بلا اي ذنب وبتهمة واحدة هي انهم من الكورد، بالاضافة الى مجموعة من التسجيلات المصورة من قبل اجهزة امن النظام السابق عن اعدام فتيان ونساء ورجال كورد في كركوك واربيل والسليمانية ودهوك تدين نظام البعث الفاشي ولا تضع اي شك باقترافه هذه الجرائم البشعة بحق الشعب الكوردي في العراق.

في محاكمة علي حسن المجيد (علي كيمياوي) الذي كان ابرز اعمدة الاجرام والقتل في عمليات الانفال سيئة الصيت، اعترف بضلوعه بهذه الجرائم، بل يزيد على هذه الاعترافات بقوله" اذا عاد الزمن ساكرر ما قمت به"،وأشار الى أنه نفذ هذه الجرائم بأوامر مباشرة من صدام حسين، ولهذا استحق تنفيذ عقوبة الاعدام شنقا.

اليوم هناك من يمتدح او يترحم على سنوات حكم صدام حسين، وانا، وباستمرار، احيل هؤلاء الى حجم وبشاعة الجرائم التي ارتكبها ونظامه بحق الكورد، والشيعة والسنة، وأذكرهم بمشاهد دفن العوائل الكوردية وهم احياء، وقتل الكورد الآمنين في قراهم وبلداتهم ومدنهم واحراق مزارعهم بالاسلحة التقليدية وبالاسلحة الكيمياوية المحرمة، واسالهم" ماذا سيكون شعوركم وردود افعالكم لو ان الذي حدث للكورد قد مورس ضد عوائلكم، لا سمح الله".

في واحدة من الوثائق الفلمية التي شاهدتها بعيد تغيير النظام في 2003، يظهر ضابط في الاجهزة الامنية البعثية وهو يقرأ أوامر اعدام أمام فتيان وشابات ورجال عيونهم موثوقة بينما ايديهم مربوطة باعمدة في مكان ما، اعتقده في معسكر بمدينة كركوك، بينما احد الفتيان يبكي، والآخرين غير مصدقين ما يحدث، بعد ان ينتهي هذا الضابط من تلاوة قرار الاعدام ينهال الرصاص عليهم من جوق تنفيذ حكم الاعدام. كنت ارتجف حزنا، وعيناي تغرقان بالدموع، وانا على يقين بان هذه الحالة من مشاعر الاحساس بالفجيعة سوف تنتاب اي انسان في الارض وهو يشاهد هذه اللقطات.

هذه الوثيقة لم تنقل من فلم روائي من افلام اعدام النازيين في المانيا لليهود أو لمعارضيهم، ولا من الافلام التاريخية التي تتحدث عن مجازر هولاكو، بل هي وثائق كانت اجهزة النظام السابق تصورها لاهداف معينة، في مقدمتها عرضها لصدام حسين وقادة نظامه ليتاكد من تنفيذ أوامره، وكذلك لعرضها امام الكوادر المتقدمة في حزب البعث، التنظيم العسكري خاصة، والاجهزة الامنية والجيش وبقية التنظيمات وكأنهم حققوا انتصارات جبارة ضد الاعداء.

لا اضيف هنا اي جديد اذا قلت ان جرائم عمليات الانفال السيئة الصيت تعتبر جرائم ابادة ضد البشرية، لكن مثل هذه الجرائم يجب ان تدون في روايات ادبية ودواوين شعر واعمال مسرحية ومعارض تشكيلية وأفلام سينمائية ومؤلفات موسيقية وكتب أطفال، وما تم انجازه في الحقل الابداعي في هذا المجال ما يزال قاصرا ازاء حجم الفجيعة ومآسيها، وان على الحكومة الاتحادية ببغداد، اي كان نظام الحكم، مطالبة بالاعتذار رسميا وشعبيا وتحمل دفع التعويضات لضحايا الانفال، اسوة بالحكومة الالمانية التي اعتذرت عن جرائم النازيين وتحملت دفع التعويضات لضحايا جرائم هتلر، ذلك ان جرائم الانفال لا تقل وحشية عن جرائم النازيين من حيث جوهر الفكرة الشوفينية واساليب تنفيذها.





روداو
Top