• Sunday, 25 August 2024
logo

الكاظمي.. من توثيق مآسي العراقيين إلى سدة الحكم

الكاظمي.. من توثيق مآسي العراقيين إلى سدة الحكم
عارف قورباني

قبل توصل التحالف الدولي إلى قرار إزاحة صدام حسين باستخدام القوة العسكرية، كان قسم من المراكز الدولية وبهدف الحؤول دون اندلاع الحرب يتداول نقاشاً يهدف إلى إزاحة صدام حسين بدون استخدام القوة، بل من خلال الطرق القانونية وجرّه إلى المحكمة الدولية ليحاكم على الجرائم التي ارتكبها في العراق.

أعد فريق أميركي – بريطاني وبمعاونة قسم من القوى والشخصيات السياسية العراقية العدة، لجمع الأدلة على جرائم صدام حسين، كان قد تم الحصول عليها في فترة انتفاضة 1991، كما عوّل الفريق على تسجيل شهادات الذين كانوا ضحايا لتلك الجرائم. في تلك الأثناء، تعرفت على مصطفى الكاظمي، الذي تم اليوم تكليفه من قبل رئيس جمهورية العراق بتشكيل الكابينة الحكومية الجديدة في العراق.

كان مصطفى الكاظمي يومها يقيم في لندن، وكان يعمل مع الشخصية العراقية البارزة، الكاتب والباحث كنعان مكية، الذي كان يشرف من أميركا على مشروع مؤسسة الذاكرة العراقية، وكانوا قد بدأوا مباحثات مع المراكز الأميركية والبريطانية وقوى المعارضة العراقية والكوردستانية لغرض أداء تلك المهمة الهامة من خلال التعاون بينهم وبين المؤسسات الشبيهة. كان الكاظمي يشرف على القسم الذي توسع فيما بعد باسم التأريخ الشفاهي في مؤسسة الذاكرة العراقية، المتمثل في إفادات الضحايا. أما نحن، ولأننا كنا نعمل في ذلك المجال وكان عندنا أرشيف ثري، فقد نلنا شرف التعاون والمساعدة في العثور على الضحايا وتشخيصهم وجمع المعلومات وتوثيقها.
ما أريد الإشارة إليه هنا، وبمناسبة تكليفه برئاسة الوزراء، هو حرص مصطفى الكاظمي وإخلاصه في عمله، ولما كان جزء من كوردستان محرراً من العراق في تلك الأيام، فقد انصب جل اهتمامهم على كوردستان، ومن بين الجرائم التي ارتكبت أو المآسي التي انصبت على الشعب الكوردي، ولأننا كنا قد جمعنا خزيناً كبيراً عن الأنفال، فإن جل تركيزهم انصب على الأنفال. فكان ما أنجزوه حينها من تسجيل وطريقة توثيق وأرشفة للأنفال، لم نتمكن نحن من إنجازه، وأكبر الفضل في هذه المأثرة يعود لمصطفى الكاظمي. تجولنا معاً حينها على كثير من بيوت مجمع شورش وتناولنا البيض المقلي من أيدي من نجوا من نكرة السلمان وسجون طوبزاوا والدبس.

أضحى ذلك الملف وتلك الأدلة والوثائق دافعاً كبيراً لتغيير آراء كثير من أصحاب القرار والرأي العام العالمي في مسألة إسقاط نظام صدام. فقد كانت أعمالهم تصل، من طريق، إلى مراكز القرار ومن خلال برنامج وثائقي لتلفزيون (بي بي سي) كانت تصل إلى العالم.

بعد تحرير العراق، اتخذت مؤسسة الذاكرة العراقية من بغداد ميداناً لجمع الوثائق وتسجيل معلومات الشهود، لتصبح مادة مهمة لمحاكمة صدام حسين ورؤوس نظامه. كان مصطفى الكاظمي في هذه المرحلة أيضاً عماداً لعمل المؤسسة الميداني.

عاد مصطفى الكاظمي مرات أخرى إلى كوردستان وخالط آلام ومعاناة المتألمين. ثم شاءت الأقدار، أن نلتقي بعد سنوات في مؤسسة (خندان) ونعمل هناك لسنوات. كان عربياً، لكنه كان ذا روح وطنية ومشاعر إنسانية تجعله يعيش، كما نعيش نحن، مع آلام ومآسي ضحايا حلبجة وكرميان.

سيصبح الآن رئيساً لوزراء العراق، الدولة التي ارتكبت جرائم الأنفال وحلبجة والقتل الجماعي للبارزانيين والكورد الفيليين ومارست التطهير العرقي. لقد عاد العراق الآن إلى أيدي الضحايا، لكن ضحايا حلبجة والأنفال مازالوا يتوجسون خوفاً من بغداد حتى اليوم.

مصطفى الكاظمي الذي اطلع على دماء وأوجاع ضحايا كوردستان، وكان في فترة من الفترات يريد أن يكون الدواء الذي يداوي جراحهم، يصل اليوم إلى قمة السلطة في بغداد التي عملت على إبادة الكورد عرقياً. كان الكاظمي يوماً ما يريد تحويل قضية الإبادة العرقية للكورد إلى دليل يحث العالم على المجيء لإزاحة صدام عن الحكم، يصبح اليوم حاكم ذلك العراق بينما لا يزال الكورد يخشون التعرض من جديد للإبادة العرقية.

لذا فإن هذه المحطة مهمة جداً للكاظمي، مثلما يترقب ذوو ضحايا الإبادة العرقية في كوردستان باهتمام مرحلة حكمه، لأنهم يعرفون أنه مطلع على آلامهم، ويعرفون أنه كان يريد وضع حد لجرائم صدام ومعاقبة المجرمين. إنهم الآن يعدون الأيام ليباشر الكاظمي مهامه، ليعرفوا هل أن أضواء غرفة رئيس الوزراء ستظهر لهم نفس المشاعر والتعاطف الذي كان ظاهراً على ملامح مصطفى الكاظمي في الغرف المعتمة بجمجمال؟ أم أنه سينقلب إلى الضد فيما بعد، كما حصل مع أصدقاء الأيام التي كانوا فيها ضحايا مشتركين معهم؟






rudaw
Top