• Sunday, 25 August 2024
logo

التغيير بعد كورونا

التغيير بعد كورونا
اكو محمد




فيروس كورونا (وباء كوفيد-19) لن يبقى مجرد وباء فحسْبُ، بل سيُحدِثُ تغييراً كبيراً في تفكير الأفراد، الأحزاب، الدول والقوميات في العالم، كما أنه سيضع كثيراً من التحالفات والشَّراكات العالمية أمام تساؤلات وإعادة هيكلة، وسيستتبع هذا تغييراتٍ كبيرةً في المجالين العلميّ والاجتماعيّ، وستصب تلك التغييرات، في مصلحة التفكير بالفقراء وتطوير العلم، خاصة علم الطبّ وتطوير المستوى الصحي للجميع، ليس من أجل طبقة أو من أجل نُخبةٍ في العالم.

ظهور عالم متألقٍ وفِردَوْسيّ بعد كورونا، ليس سوى خيال جميل، لكنَّ تَغـيُّرَ وعي الناس حقيقةٌ قريبةٌ، تُضاف إليها التغيُّرات الكبيرة. حيث ظل التغيير في التفكير يُحدِث التغيير الجذري الفعليَّ دائماً، لذلك فإن العالم، في ما بعد ذلك التفكير، قد يكون أزهى.

في كلَّ يومٍ، تموت أعداد من البشر بأوبئة وفيروسات أُخرى، تَفوقُ أعدادَ الذين يموتون بفيروس كورونا، حيث يولد كثيرون وهم مصابون بأوبئة وفيروسات ويقضون حياتهم مع تلك الفيروسات يعانون العذابات والأسقام، إلا أن تلك الحياة وذلك الموت لا يهزّان ضمير قسم واسع من الناس، وقليل جداً من الأشخاص يعملون من أجل إنقاذ أولئك البشر من تلك الفيروسات والأوبئة، التي لا تكون محلّ اهتمام قمم الدول والقادة في العالم.

إذاً، لماذا اهتمّ العالم بهذا الشكل وتأثر بانتشار فيروس كورونا؟ لأنه حتى الآن لا علاج له، وعلى غرار الفقراء، ليس لدى الأغنياء والمسؤولين والقادة أيضاً أيُّ علاج أو لقاح لهم ولعائلاتهم وأحبّتهم، إلا أن لديهم سبلاً أكثر وأفضلَ مما لدى الفقراء، بلا شك، من أنواع الوقاية وإمكانات العلاج. كما أن الوباء ينتشر بسرعة، وهذا يزيد في خطورته. أما السبب الثاني فهو أن كورونا أوقف الحركة والاقتصاد العالمي والسياحة والتمتع بالحياة في العالم، وكان لذلك تأثيرٌ شديدٌ على جميع البشر، بالدرجة الأولى على الأغنياء والسلطات، ففي هذه المرّة، وقع الفقراء والأغنياء معاً تحت تأثير واحد من تلك الأوبئة التي تقضي على الإنسان والاقتصاد معاً. فإنْ لم يكن خطر وباء كورونا بهذا الشكل الشامل للجميع، فلا شك، ما كان لِيُحدِثَ ذلك التأثيرَ على العالم، مثل العديد من الأوبئة والفيروسات الأُخرى التي جعلت الحياة في كثير من المجتمعات الفقيرة، مُعرَّضة لخطر الموت الجماعي.

الآن، حيث يفكر الإنسان في العالم، فإنه يفكر في قلّة عمل وتأثير الأمم المتحدة التي أغلقت أبوابها في هذا الوضع، إلا أنه، في الوقت نفسِه، يفكر بالعمل الخيري لـبيل غيتس، مؤسس شركة مايكروسوفت، الذي بدأ منذ أكثر من اثني عشر عاماً، بمشروع تجهيز شبكة الصرف الصحي المتطورة في المناطق الفقيرة في الهند وإفريقيا، بهدف وقاية مليارين و500 مليون شخص في العالم ممن لا تتوافر لديهم شبكات الصرف الصحي، فضلاً عن حماية أرواح 500 مليون مولود جديد من الموت، كلّ عام. بيل غيتس الذي عرَض في العام 2018 خلال أحد المعارض في الصين، نماذج لعشرين نوعاً من الصرف الصحي الصديق للبيئة ولمناطق لا يتوافر فيها القدر الكافي من الماء، وكانت بيده قارورة ماء فيها 200 ترليون خلية فيروس و20 مليار بكتيريا و100 ألف من بيض الديدان، ليُظهِر للعالم مدى أهمية توافر الصرف الصحي الجيد بالنسبة إلى حياة الإنسان.

أثارت الاستطلاعات العالمية صدمة شديدة إزاء عدم غسل الناس أيديهم بعد قضاء الحاجة، إلا أن حملة التوعية التي تزامنت مع انتشار وباء كورونا، أيقظت العالم كلَّه. إنها تُحدِث تغييراً كبيراً في ثقافة الإنسان والعديد من المجتمعات على مستوى دول العالم، إلا أن العديد من مناطق العالم، بسبب عدم توافر الماء والطعام الضروري والإمكانات المادية الجيدة، لا تستطيع الحصول على تلك المستلزمات الضرورية لحياة جيدة، لكن توعيتهم تكون ناجعة باتجاه بذل محاولات أكثر من أجل بلوغ تلك الحياة المنشودة.

يتسم العالم بتطور كبير من الناحية التكنولوجية، إلا أن ما أظهره وباء كورونا هو أن الناحية الصحية في العالم لا تشبه الناحية الاقتصادية والتكنولوجية من حيث التطور، بل أنها إزاء مواجهة الأوبئة الجديدة، لا تمتلك الإمكانات، لأن الدول لم تهتمّ بالتحذير الذي أكّدت منظمة الصحة العالمية عليه بخصوص توافر ميزانية لمواجهة الأوبئة غيرِ المتوقَّعة. بلا شك، فإنه من أجل حماية المصالح وبسبب زيادة وعي الناس، يُتوَقَّع أن تُزاد الميزانيات المخصصة للصحة على المستويات الوطنية والعالمية. كذلك هناك اهتمام كبيرٌ بتلك المباحثات التي تقول إنه يجب وضع المساواة في مجال الوقاية والعلاج في نظام الصحة العالمي نُصب الأعين، لكي تصل العلاجات الطبية إلى المجتمعات الفقيرة والغنية معاً. صحيح أن المساواة لن تتحقق مباشرةً، إلا أنها تضع الأمم المتحدة ومنظمة الصحة العالمية أمام مطالب جدّية كثيرة، إن لم نقل إنها تضعها أمام إحراج شديد جداً.

من الناحية السياسية، يحقق وباء كورونا تغييراً كبيراً في تفكير الناس، وهو ما يتجلى علناً في سياسات الدول ذات الأنظمة الديمقراطية. فحين يفكر الإيطاليون في ذلك اليوم الذي دُفِنَ فيه آباؤهم وأمهاتهم وأحبتهم على شكل جماعات، وبغيابهم، وبمعزل عن مساعدات الاتحاد الأوربي، بينما وفي نفس الوقت، تقدم الصين المساعدات لإيطاليا، فإن ذلك يُحدِث تغييراً كبيراً في طريقة تفكيرهم، خاصة أن مصداقية الاتحاد الأوربي باتت على المحكِّ حالياً. هذا بلا شك يستدعي مناقشات كثيرةً بخصوص طريقة عمل وبقاء الاتحاد الأوربي وشركائه الدوليين في العالم، ويفتح الطريق لشراكاتٍ جديدةٍ. كذلك تقوّى السياسات الوطنية والقومية، وتطرأ تغييراتٌ على الشراكات المحلية، وهذا يؤثر كثيراً على التجارة الحرّة. ففي إيطاليا والعديد من دول الاتحاد الأوربي، يزداد الحديث قوةً بخصوص كون الاتحاد الأوربي إطاراً لتأمين سوق حُرّة لمنتجات ألمانيا.

في الوقت نفسِه، يفكر المواطنون في العالم كله، في عمل الحكومات والقيادات والساسة، وكيف عملوا خلال أيام انتشار وباء كورونا وكم كانوا في رأس العمل وكم منهم كانوا مع شعوبهم. حالياً جميع الناس والمجتمعات في أزمة، لكنْ بعد الأزمة، فإن تحليل عمل الحكومات والقيادات سيكون موضع نقاشات حامية داخل البلدان.

لا شك أن أشكالاً جديدة للعمل تتوافر، وتجلب معها أشكالاً جديدة للعمل أيضاً، وقد جلبَ تغيير طرق وآليات الإنتاج معه، على امتداد التاريخ، تغييراً جوهرياً في الفكر والعلاقات الاجتماعية.










روداو
Top