• Sunday, 25 August 2024
logo

وَفاة الزّعيم الكوردي مصطفى البارزاني!

وَفاة الزّعيم الكوردي مصطفى البارزاني!
إبراهيم شتلو

في الأول من شهر آذار لعام 1979 اوقفت وسائل الإعلام في جميع بقاع الأرض وَعلى إختلاف تَنوعها بَرامحها الإعتيادية وَطبعاتها المُقررة لتبَثّ هذا الخَبر المُحزن ليَجعل قلوب خمسين مليون كوردي تنبض من أعماقها بالحُب وَتجدّد التّصميم عَلى مُتابعة مَسيرة القائد الذي زَرع خمسون مليون بذرة حَية تَعشق تُراب وطنها وَتُقسم على مُتابعة المَسيرة لتَحقيق الهَدف الذّي عاش وَضحى قائدُهم مصطفى البارزاني بحَياته في سَبيله.

لَم يُنشَر خَبر وَفاة مصطفى البارزاني والإهتمام الكبير به عَلى مُستوى العالم عَبثا وَلَم يَأت ذكرُ إسم هذا القائد في وَثائق دوائر السياسة الخارجية وَمَحفوظات أجهزة مُخابراتها وَسجلات مُؤرخي السياسة العالمية في جَميع القارات الخمس إلا بما يُشرّف شعب مصطفى البارزاني وَيجعله يَعتز وَيرفع رأسه عاليا به ولَيقول فخورا مرفوع الرأس شامخا بأنّه يَنتسب إلى الأمّة التي ناضل مصطفى البارزاني من أجل أن يَجعل لهَا مَكانة لائقة بَين شعوب العالم.

لَم يَكُن البارزاني مُقاتلا من خلف خُطوط القتال بَل كان دائما في مُقدمة الپێشمه‌رگة وَلذلك كانوا يُحبّونه وَيُضحون بأنفسهم إخلاصا وَوَلاء وَإيمانا بمصداقيته وَحرصه على حَياتهم وَكرامتهم وَلذلك أيضا كان سَهما في أعين أعداء حُرّية الشّعب الكوردي، وَلهذا السّبب أيضا كان الهَدف لمئات المُؤامرات التي إستهدفت وُجوده، ولأن المُعادين لكوردستان وللوجود الكوردي كانوا يرون فيه روح حَركة التّحرر الكوردستانية وَالسّد المَنيع الصامد الذي يُفشل مُخطّطاتهم الإجرامية لتذويب شخصية الإنسان الكوردي وَاقتلاعه من جُذوره.

وَتَذكُر الوثائق التّاريخية أنّه عندما وَصل مَع المُقاتلين إلى الحُدود السّوفييتية عام 1947 وَطالت مُدّة إنتظارهم لرد موسكو على إذن عُبورهم إلى داخل الأراضي السوفييتية وَنظرا لنَفاذ المَؤونة والمأكل منهم قَرّر أن يَعبُر نَهر آراس ولمعرفته أن بعض رفاقه لايُتقن السّباحة كان يقوم بمُساعدتهم للإنتقال إلى الطرف الآخر للنّهر وإنتظر حَتى كان آخر مَن عَبر النّهر.

كانَ القائد الخالد الذّكر يَعتبر نَفسَه مَسؤولا عن حياة وحرية وكرامة جميع شَعب كوردستان، وَلم يكُن في أحاديثه وَمساعيه ونضاله إلا كوردستانيا، وَعلى سبيل الذكر تَروي وَثائق مَحفوظات الدّولة السوفييتية بأنّه عندما تُوفي الرئيس جوزيف ستالين في عام 1952- الذي كان قد أهمَل الرّد على عَشَرات الرسائل التي كان قد أرسلها إليه مصطفى البارزاني- سافر مصطفى البارزاني خلسة من مَقر إقامته الجّبرية في طَشقند إلى موسكو وَقصد قَصر الكرملين ونجح في الوصول إلى بابه الرئيسي بدأ يخبط بقَبضة يَدَيه بقُوة على بابه مُناديا باللّغة الروسية:

إفتحوا الباب .. إفتحوا الباب .. إفتحوا الباب. وَلكن ماكان من حُرّاس القَصر إلا أن سارعوا باعتقال هذا الشّخص الغَريب الذي تَجرأ على هذا العَمَل.

وَعندما سَألوه: لماذا تَطرق الباب؟

مَن أنت؟

أجابَهم: أنا لَستُ شَخصا، الشّعب الكوردي هُو الذي يَطرق باب الكرملين. وَبعد أن تَعرّفوا على شَخصيته وَعلموا أنه مصطفى البارزاني تَم إطلاق سراحه وَتَحقق طَلبه بمُقابلة خلف ستالين السيد نيكيتا خروتشوف وَليُحقق بذلك إنعطافا إيجابيا في مُعاملة الحكومة السوفييتية للقائد مصطفى البارزاني وَرفاقه وَيفتح مُجدّدا باب الحوار مَع قادة الإتحاد السوفييتي لصالح الكورد وَكوردستان.

لَنا جَميعا في كوردستان أن نَفخَر بالقائد مصطفى البارزاني وَعلينا جَميعا أن نَستعيد ذكراه بقراءة وَدراسة حياة هذا القائد البَطل الواسع الصّدر وَالمقاتل العنيد وَالمخلص بلا حُدود لشَعبه الذي رضع النضال من ثدي أمّه وَنشأ على حُبّه لَه منه الروح الوطنية الحقيقية الصادقة وَنعتبر بشَجاعته وَتواضعه وَشهامته.

وإذا سَألَنا العَدّو الغاشم:

أينَ البارزاني؟

سَنرد عَليه:

إنّه هُنا ، إنّه فينا روحه تَنبض، كَلماته على شفاه شُيوخنا وَشاباتنا وَنسائنا وَشبابنا وَطلابنا وَعُمّالنا وَفلاّحينا وَنسمع كُل يَوم وَمع كُل نبضة من قلوب سبعين مليون كوردي صَرخَته تُدوّي:

يان كوردستان يان نَه مان!

إنّه في السُليمانية وَخانقين وَحَلَبجه وَهندرين وَكلاله وَجومان وَحرير وشيخان. إنّه في الجبال وفي كركوك وعاموده ودهوك وأربيل وخانقين ، إنّه في قلوبنا وَيسطع مع نور الشّمس كل فجر وفي كل صباح فوق سفوح جبالنا. إنه على قمم سفين وَجبل الكورد وَليلون وَبنجوين وَأرارت وَمتينا وَزاغروس وجبال حَمرين إنه بَيننا في غناء رياض أطفالنا وَأناشيد مدارس تلامذتنا وَأبحاث طلاب جامعاتنا، إنّه على معول فلاحينا وَإسمه مَكتوب بالعرق على جَبين عُمالنا وَمنحوت على قبضة بندقية مناضلينا، بَل هُو في خيالنا وَعقلنا وَمع كُل نَبضة في قُلوبنا. إنّه يعيش مَع أفراحنا وَأتراحنا. إنّه مَعنا في بيوتنا وفي كُلّ مَكان وَحَيثُما كُنّا وَذَهَبنا، إنّ زَخم روحه الطاهرة يرافقنا في وَطننا وَمَهجرنا وَحَيثُ كُنّا فَهُو أيضا يَكون.

إنّ الذّكرى الواحدة والأربعين لوَفاة القائد مصطفى البارزاني لَحظة إستذكار مُصاب جَلَل وَلكن تَعاليمه لَنا تَدعونا جَميعا إلى تجديد العَهد لروحه الطّاهرة بالإلتزام بتَواضعه في تَعامله مَع شَعبه وَإخلاصه لوطنه كوردستان وافتخاره في الإنتماء إلى الأمّة التي قضى حَياته بأكملها مُكافحا في سَبيل كَرامتها.

أسألُ الله تعالى الرّحمة لروحه وَالخُلود لذكراه وَالعزاء لنا الكورد جَميعا في وَطن البارزاني كوردستان وَنَحن على عَهده وَدربه سائرون.







pdk
Top