• Sunday, 25 August 2024
logo

لا وعي لنا بلا مسؤولية

لا وعي لنا بلا مسؤولية
علاء الدين الا رشي



المبدأ:

"تزويد المجتمع برسالة إنسانية تفسر مشكلات الواقع القائم وأسبابه، وتقدم تصوراً لكيفية الخلاص منه والتحول إلى واقع جديد ناهض، وخلق تضامنات داخلية تسمح بتعاون الأفراد للوصول إلى الواقع الجديد" (د. لؤي صافي وتحدي النهوض، موقع مركز ابن غازي للدراسات والأبحاث الاستراتيجية، 8 أكتوبر، 2019).

المغزى:

يحفظ الإنسان وجوده ويرسخ قيمه ويؤدي دوره من خلال "المعرفة" و"الوعي" وفق عناصر الأسباب وتكافلها وهو ما يسميه د. علي بالقراءة الشاملة التي تحلق بجناحي اسم الله "القيم" و"نفع الإنسان وكرامته" (فقه الميزان، د. علي القره داغي) ثم يثمر العلم العمراني وإصلاح العالم الجواني للإنسان وما يعكسه من عمل صالح، إن اقتران الربط بين "العلم النافع والعمل الصالح" ليعبر عن حركة حياتية مستمرة قائمة على التواؤم والتفاعل (مدخل القيم: إطار مرجع لدراسة العلاقات الدولية في الإسلام، سيف الدين عبدالفتاح إسماعيل، ط١ ١٩٩٩، ص ٤٥٥)، وهذا لن يتحقق دون "وعي الإنسان بذاته" وفهمه لحقيقته ولدوره.

لا مسؤولية بلا وعي:

وحسب د. لؤي فإن "لحظة الوعي لحظة أساسية، يستشعر الإنسان خلالها وجوده، يدرك أنه جزء من وجود أعظم وأكبر وأشمل، وأن الوجود الذي يضمّه ويحيط به يتصف بالتنوع المذهل، يرتبط بهذا التنوع بجملة من المشاعر والأحاسيس؛ التي تدفعه لاتخاذ مواقف متباينة من الأشياء المتعددة والمتغيرة من حوله" ( د. لؤي صافي، الإنسان وجدلية الوجود والوجدان تأملات في صيرورة الوعي وفاعلية الإنسان بين الغياب والحضور، ص٣٦، دار الفكر المعاصر، بيروت ٢٠١٦م).

إن الوعي هو أب العلم النافع والعمل المثمر وإن الوليد الشرعي للعلم الواعي هو (حركة إصلاحية داخلية للذات الإنسانية) و(حركة إصلاحية خارجية للمجتمع).

وإن العلم بلا عمل ليس إلا عطالة حضارية، تكتفي بشقشقة الكلام لا عمق الأفعال الحضارية وإن العمل بلا علم يسبقه، هو حركة محفوفة بالمخاطر، وغالباً بكل عناصر الضرر الحضاري لأن العمل وفق هذه القواعد غير مأمون يقوم على عناصر التقليد القاتل أو العمل الأجوف أو "من يحسبون أنهم يحسنون صنعاً"، أو "هؤلاء الذين غرتهم الأماني".

وغير ذلك من عناصر هي في النهاية لا تضيع عناصر العلم بإهماله فحسب، ولكنها أيضاً تفرط في كل عناصر العمل بالتوجه إليه من دون تدبر العلم والعالم، وفق آليات تحقق مستلزمات العمل الصالح من قول ثابت وعلم نافع، البينات الحضارية والبصائر الحضارية، وعناصر الميزان الحضارى تعبر عن حقيقة التعامل المعرفي الواعي، الرابط بين العلم والعمل في وحدة كيانية . تحقق استدراك العلم على العمل، وتؤكد فتح العمل لعناصر علم جديدة ومتجددة، تجعل من عناصر الإحسان الحضاري حركة إنسانية اجتهادية مفتوحة، تحرك كل عناصر الإحسان، بل واستثمار الأصول والفضول الحضارية في تكريس عناصر الصراط الحضاري المستقيم (مدخل القيم: إطار مرجع لدراسة العلاقات الدولية في الإسلام، سيف الدين عبدالفتاح إسماعيل، ط١ ١٩٩٩، ص ٤٥٥)، الأساس في المعرفة هو (الوعي) الذي هو في جوهوه كما يعرفه د. لؤي صافي "استشعار الوجود داخل الذات".

و"لأن الذات الإنسية تشعر بتفردها عما يحيط بها، فإن الوعي يولد في الذات شعوراً بمركزيتها داخل دائرة الوجود، ويجعل أشياء الكون تحيط بالذات، وترتبط بها ارتباطاً حميماً، كما يجعل الذات تلتحم بموضوعها، وتتماهى مع محيطها المباشر، خاصة خلال لحظات الانجذاب إلى المحيط والتفاعل الإيجابي مع مكوناته.

ويظهر د. لؤي أن الوعي يبدأ "بالإدراك الحسي ولكنه لا يقتصر عليه، بل يشمل أيضاً المشاعر التي تختلج في النفس وهي ترقب وتتفاعل مع الأشخاص والأشياء المحيطة بها".

كما أن الأحداث والأفعال المرتبطة بالذوات الأخرى التي تشترك مع الذات الواعية، في دائرة الوجود المشترك، تولد مشاعر مختلفة ومتناقضة؛ من حب وكره، وغضب ورضا، وفخر وخزي؛ هذه المشاعر ذات طبيعة نفسية غريزية متعالية تشكل أساس السلوك الإنساني عموماً وإحساس الذات الواعية بتفردها.

إضافة إلى المشاعر ذات الطبيعة النفسية، يتميز الوعي البشري بجملة من القيم والتصورات ذات الصفة الروحية، نظراً لتعاليها عن الخصائص المادية والنفسية للإنسان؛ مثل قيم العدل، والرحمة، والواجب؛ التي تميز الإنسان عن جميع الموجودات المحيطة به.

وتشمل الصفات الروحية قدرات الإنسان الفكرية التي تميزه عن بقية الكائنات الحية المحيطة به، والتي تمكنه من تجريد المعاني من الخبرة والمشاهدة، وتوليد تصورات منفكة عن الخبرة الحسية ومتعالية عليها ( د. لؤي صافي الإنسان وجدلية الوجود والوجدان تأملات في... ص ٣٦، دار الفكر المعاصر، بيروت ٢٠١٦م).

ومن هنا تبرز جهود المفكرين والمصلحين في الاهتمام بالإنسان وذائقته المعرفية ومكونات وعيه ووضع قواعد الانضباط الفكري والأخلاقي بغية بناء (مجتمع تحكمه شرائع العدل والحق والخير).

وهي ثلاثية العالم المتحضر والتربة التي تنمو فيها السلطة الشعبية الديمقراطية.
لقد ذهب الفيلسوف الليبرالي جون ستيورات مل في القرن التاسع عشر إلى أن تأسيس السلطة الشعبية الديمقراطية يتطلب مستوى متقدماً من الحضارة، ومن هنا ذهب إلى أن دول الشرق - والدول المتخلّفة عموماً - ليست مؤهلة للحكم الذاتي - فهي تدخل في نطاق "القصّر" حيث "يمكن اعتبار الشعب نفسه قاصراً" ويحتاج إلى سلطة رشيدة مستنيرة لكي يُحكم، وهو يفضّل أن تكون هذه السلطة بيد الدول الغربية، كما قال بهذه العنصرية معظم مفكري عصر التنوير.

ويعلق د. إمام عبدالفتاح بقوله: "على الرغم من أن وجود الشعب المثقف مفيد بالتأكيد للديمقراطية لأنه يعمل على تضييق الهوة بين الحاكم والمحكوم، فليس هناك من دليل على أن الافتقار إلى الثقافة تجعل الشعب عاجزاً عن فهم ومناقشة المسائل التي تهمه أو الاضطلاع بمسؤولية شؤونه الخاصة، ومن دراستنا لتاريخ الحكم المطلق نتبين أن السلطة الاستبدادية يمكن أن تكون أي شيء إلا أن تكون رشيدة (د. إمام عبد الفتاح، الأخلاق والسياسة، ص٤٥).

في المقابل ينطلق د. لؤي من فكرة أن الرشد حق لكل الإنسان إذا أدى الواجب الذي عليه ويمكن نحت مصطلح "الفرد المصلح" و"صاحب المسؤولية" ( د. لؤي صافي، تحدي النهوض، موقع مركز ابن غازي للدراسات والأبحاث الاستراتيجية، 8 أكتوبر، 2019).

من خلال نظرية صافي في النهوض فالإنسان أولاً، ولا يحق لأي جهة أن تدعي الوصاية عليه لا باسم السياسة ولا باسم الدين.

وهي الرسالة التي حاربتها الأنظمة السياسية فقامت بنقيضها تماماً من خلال تعميق سحق الفرد وغياب المساءلة. فالسلطة تنتج الفساد، ورأس مال الفساد هو السلطة المفسدة، ولهذا يصعب على السلطة مكافحة الفساد فقد صار جزءاً منها وتترسخ فكرة اللامبالاة وبالتالي يتم سحق الإنسان.

التكفير عقدة أخلاقية وليست حقيقة دينية عند لؤي صافي:

وفي إطار معرفي كلي مهم يبين د. صافي أن التكفير عقدة أخلاقية وليس حقيقة دينية حيث يوضح أن "خطاب التكفير يتعارض مع المبادئ القرآنية في التعاطي مع الخلافات في الفهم والاجتهاد، لأن القرآن يعول في الخلافات التي تتعلق بظلم وعدوان على الحوار المفتوح الذي يسعى إلى توضيح الآراء والمواقف، والبحث عن القواسم المشتركة للتعايش السلمي، خاصة أن الخلافات الكلامية والمذهبية خلافات تاريخية لا يمكن أن تحل بالدماء، بل بالبيان والمحاججة والتعليم والمناظرة وحسن الأسوة، وتفويض الحكم في مسائل القلب والنية والإيمان لمن يعلم السر وأخفى".

الدعوة القرآنية إلى الحوار الذي يحترم الاختلافات مبثوثة في آيات الكتاب، نراها مثلاً في الدعوة إلى الجدل بأفضل الطرق وأحسنها : "وَلاتجادلوا أَهلَ الْكتب إلا بالتي هي أحسن إلا الذين ظلموا منهم" (سورة العنكبوت) . الاستثناء الوحيد فيمن تلبس بظلم في الفعل والتعامل.








روداو
Top