• Sunday, 25 August 2024
logo

مقتدى الصدر وإيران… فهم العلاقة الملتبسة

مقتدى الصدر وإيران… فهم العلاقة الملتبسة
صادق الطائي



قد يكون تواجد التيار الصدري في انتفاضة تشرين غير معلن بصفته وهويته السياسية حتى الآن، إلا أن تواجده (الخفي/ المعلن) يعلم به القاصي والداني، ممن يتابع حراك ساحات الاحتجاج، والمثال الأبرز هو جماعة القبعات الزرق، المعروفين بأنهم جزء من التيار الصدري، وهم يلعبون اليوم دورا محوريا في حفظ الأمن داخل ساحة الاحتجاج، على الرغم من عدم حملهم أي نوع من الأسلحة، إلا أن لوجودهم سطوة يهابها المتواجدون في الساحات، ما يجعلهم يخضعون لتعليماتهم.
كما أن هنالك بعض التسريبات التي تشير إلى أن سرايا السلام، الجناح العسكري للتيار الصدري والقبعات الزرق خزنوا أسلحتهم في بنايات في شارع السعدون في أماكن قريبة من ساحة التحرير، تحسبا لأي هجوم قد تقوم به الميليشيات المنافسة على ساحة التحرير، وإن بناية المطعم التركي باتت حكرا على نفوذ التيار الصدري، ولا يستطيع المتظاهرون العاديون الصعود، خصوصا لطوابقها العليا إلا بعد استحصال موافقة جماعة القبعات الزرق، والخضوع لعمليات تفتيش دقيقة.
التوتر الذي يغطي ساحات الاحتجاج والنفس المعادي لإيران، بات أمرا معروفا وغير خفي على كل مراقب، ويقف خلف هذا التوجه اتهام الايرانيين بأنهم المحرك والداعم الأساس للحكومة والطبقة السياسية الفاسدة، لذلك كان الشعار الأبرز الذي يتردد في ساحات الاحتجاج بين الحين والاخر هو «إيران بره بره، بغداد تبقى حرة»، وهو أحد شعارات الصدريين الأثيرة إلى نفوسهم، على خلفية العداء التاريخي بين السيد محمد الصدر ومؤسسة الولي الفقيه في إيران، في تسعينيات القرن الماضي، وما تبعها من صفحات الصراع بين الصدريين والحركات المقربة من إيران.
ومع السيطرة الخفية والمعلنة للتيار الصدري على مفاصل مهمة في ساحات الاحتجاج، ومع توجه الانتفاضة الرافض للدور والنفوذ الإيراني في العراق، إلا أن المفارقة غير القابلة للتفسير تكمن في سفر زعيم التيار الصدري وإقامته في قم منذ بداية الانتفاضة، ولا يستطيع أحد أن يحدد موعدا لعودة الصدر إلى العراق. كما أن المفارقة الأكبر هي، سبب سفر الصدر إلى إيران هذه المرة، إذ لم يكن الغرض سياسيا، أو عقد مشاورات أو اتفاقات، بل إن المعلن إنه هناك لاتمام دراسته الحوزوية، ولا أحد من أتباعه أو مريديه يمكن أن يطرح تساؤلا حتى مع نفسه مفاده؛ لماذا لا يدرس السيد مقتدى الصدر في حوزة النجف، وفيها العديد من الفقهاء الكبار الذين يمكنه أن يتم دراسته على يدهم؟
ومن التباس الحالة التي تبعث على التساؤل، بدون احتمالية العثور على الإجابة، تسريبات مفادها تعرض مقتدى الصدر إلى أزمة صحية خطيرة، نقل على أثرها إلى أحد مستشفيات قم، فقد علّق صالح محمد العراقي، الذي يعتقد انه شخصية مقربة من الصدر، أو إنه شخصية وهمية يتخفى خلفها مقتدى الصدر نفسه، فقد علق في صفحته في الفيسبوك وقال «كنا نتصور أن (الطفكة) و(العاصفة الهوجاء) فقط في النجف الأشرف، فذهب لاكمال دراسته المأمور بها من والده (قدس سره)، لكن (الطفكة) يعرضونه للأذى والخطر حتى في قم، يتصورون أن ما يفعلونه (حبا) لكن الغباء موهبة». ما أشعل منصات التواصل الاجتماعي بحملة مفادها أن إيران تريد أن تغتال السيد الصدر، وإن اتباع التيار الصدري اعلنوا عزمهم على إحراق إيران والمنطقة الخضراء في بغداد إن أصاب زعيمهم مكروه.

لتتبع ذلك إشاعات وتسريبات مفادها تحرك السفير العراقي الجديد في لندن السيد جعفر الصدر، وهو ابن محمد باقر الصدر، ونسيب السيد مقتدى الصدر،‏ للحصول على تسهيلات نقل مقتدى الصدر إلى لندن للعلاج. ولم تؤكد أو تنفي الخبر اي جهة سياسية حتى الآن، لنعود للتساؤل نفسه؛ إذا كان موقف مقتدى الصدر من إيران محمل بكل هذا التوتر والصراع التاريخي، الخفي تارة والمعلن تارة اخرى، إذن لماذا يبقى هناك؟ وتأتي الإجابة المحتملة، عبر تسريبات جديدة تصور حال مقتدى الصدر وكأنه مختطف من جهات إيرانية يقف في مقدمتها فيلق القدس وقائده الجنرال قاسم سليماني، الذي يسعى لابقاء الصدر في قم إلى حين مرور عاصفة انتفاضة تشرين. وفي شأن متصل، أعلنت وسائل صحافية يوم الجمعة 13 ديسمبر/كانون الأول الجاري، قرار إغلاق مؤسسات ومكاتب التيار الصدري، وفقا لأوامر مقتدى الصدر، التي أصدرها من مقره في مدينة قم، والتي جاءت بصيغة؛ «حسب توجيهات سماحة القائد السيد مقتدى الصدر (أعزه الله)؛ غلق جميع المؤسسات التابعة للخط الصدري الشريف كافة، ولمدة سنة باستثناء مؤسسة مرقد الشهيد السعيد السيد محمد الصدر ونجليه (قدست أسرارهم) والمكتب الخاص وتشكيلات سرايا السلام، ويلحق الإشراف العام لصلاة الجمعة بالمكتب الخاص». مع إعلان هذا البيان، تذكّر المتابعون المرات العديدة التي أعلن فيها مقتدى الصدر تجميد، أو حل، أو إغلاق، أو إيقاف نشاطات تياره السياسية والعسكرية، واعتكافه وتركه هو شخصيا للعمل السياسي، ومن ثم تراجعه وعودته للعمل السياسي مرة أخرى، بدون تبيان توضيحات أو تفسيرات، وربما كان الأبرز في هذا السياق عندما أعلن الصدر في ‏16 فبراير/ شباط 2014‏ قرارا مفاجئا بانسحابه من العمل السياسي في العراق، وإغلاق جميع مكاتبه السياسية وحل تياره، من دون أن يتضح ما إذا كان هذا القرار مؤقتا أو دائما. وقال الصدر حينها في بيان تلقت وكالة فرانس برس نسخة منه مفاده، «أعلن عدم تدخلي بالأمور السياسية كافة، وأن لا كتلة تمثلنا بعد الآن، ولا يوجد لنا منصب داخل الحكومة أو خارجها، ولا في البرلمان»، في إشارة إلى قطع علاقته بممثلي تياره في البرلمان والحكومة. لكنه سرعان ما عاد وبقوة للساحة السياسية، وسيطر على حراك يوليو/تموز 2015.
عندما اندلعت انتفاضة تشرين كانت الآراء تتجه إلى احتمالية ركوب التيار الصدري موجة الاحتجاج، اعتمادا على تصريحات الصدر وقيادات تياره السياسية، وكان التوقع السائد أن يتحرك التيار كما تحرك في الحالات السابقة، التي تبدأ باحتجاجات مطلبية، وسرعان ما يدعو مقتدى الصدر أنصاره إلى تظاهرات مليونية، ليطغى وجودهم على الحراك، والكل يتذكر حادثتي اقتحام المنطقة الخضراء، واعتصام مقتدى الصدر نفسه على بوابتها كمؤشرات على تاثير التيار الصدري في الحراك الجماهيري التي لا يمكن أن تنسى.
لذلك كان تخوف الشارع العراقي منصبا بشكل مكثف تجاه احتمالية اشتعال موجة صراع مسلح على خلفية التنافس بين القوى المسلحة الشيعية، والتخوف الاكبر كان من قتال الفصائل القريبة من إيران مثل، عصائب اهل الحق وسرايا الخراساني وكتائب حزب الله من جهة، وسرايا السلام الجناح العسكري للتيار الصدري من جهة اخرى، والتخوف كان مصدره أن سرايا السلام ستأخذ على عاتقها حماية ساحات الاحتجاج، كما حصل في المرات السابقة، بينما ستهاجم الفصائل الاخرى المحتجين بغية تفريق المظاهرات، فيحدث حينها الصدام ويجر إلى الاقتتال المخيف. الاقتتال الشيعي – الشيعي لم يحصل حتى الآن، وإن شعر عدد من المراقبين بقربه، إبان حادثة الهجوم المسلح على مرآب جسر السنك وساحة الخلاني، التي شنتها ميليشيا مسلحة على جماعة القبعات الزرق في ساحة الاعتصام، ولم يكشف عن تفاصيل ما جرى ليلتها حتى الآن، وقد توقع المراقبون أنها الشرارة التي ستشعل الحرب الأهلية، لكن لا أحد يعلم كيف تم ضبط الأطراف المتناحرة في اللحظة الاخيرة، بعد وقوع عدد من القتلى والجرحى من الطرفين، بالإضافة إلى خسائر المتظاهرين السلميين الذين وقعوا بين نيران المتصارعين.
فهل سيبلور التيار الصدري وزعيمه في غضون الأيام العصيبة المقبلة، موقفا واضحا يبعدهم عن إيران وحلفائها، ليكونوا منحازين بشكل كامل للشارع الصدري وانتفاضته؟ أم سيستمر سياسيو التيار بلعب اللعبة الاثيرة لديهم، عبر وضع قدم في الحكومة واخرى في ساحات الاحتجاج؟ هذا ما ستظهره الايام المقبلة.









باسنيوز
Top