• Sunday, 25 August 2024
logo

ممكنات وحدة الصفّ في غرب كوردستان

ممكنات وحدة الصفّ في غرب كوردستان
حسين عمر




طيلة سنوات الحرب السورية، ظلّت الحركة الكوردية في غرب كوردستان تعاني من انقسامٍ حادّ على محورين رئيسيين. وقد كلّف هذا الانقسام أثماناً باهظة دفعها الشعب الكوردي من احتلالٍ وتهجيرٍ وهجرةً وتسميمٍ لأجواء المجتمع الكردي الواحد، وتفويتٍ لفرصٍ ثمنية لصالح القضية الكوردية في سوريا، والتي عانت لعقودٍ طويلة من التهميش والطمس والانكار.

تأثير الاحتلال التركي

قبل الاحتلال التركي، برفقة المجموعات المسلحّة المتطرّفة والإرهابية التي يؤمّن الائتلاف التابع لتركيا الغطاء السياسي لها، لمنطقة عفرين الكوردية، كانت هناك جهود كردستانية، قادها الرئيس مسعود بارزاني، لتحقيق وحدة الصفّ الكوردي في سوريا، لتكون هناك واجهة سياسية موحّدة تتبنّى مشروعاً موحّداً للتعاطي مع حلّ المسألة السورية عموماً والقضية الكوردية في سوريا خصوصاً. لكنّ تلك الجهود التي نجحت في توصيل طرفي الانقسام الكوردي إلى توقيع اتفاقيات مشتركة، سرعان ما أُجهِضَت بسبب افتقار طرفي الانقسام إلى الأحساس بالمسؤولية الملقاة على عاتقهما، وخطأ قراءاتهما السياسية للتطوّرات في سوريا ومواقف القوى الدولية والإقليمية حيالها، وكذلك افتقار طرفي الانقسام لاستقلاليتها في اتّخاذ القرار.

في مرحلة ما قبل الاحتلال التركي لمنطقتي سري كانيه وگري سپي الكورديتين، كانت هناك مساعٍ أمريكية، ولاحقاً فرنسية، لتحقيق التقارب والتفاهم بين الأطراف المنقسمة في غرب كوردستان، وقُدِّمَت مبادرة فرنسية، منسّقة مع الجانب الأمريكي، لكنّها للأسف لم تلقَ النجاح بسبب تراخي الأطراف الكوردية في التعامل معها، وذلك بسبب الأوهام التي حملها كلّ طرف من أطراف الانقسام الكوردي ؛ فقد توهّم القائمون على الإدارة الذاتية بأنّ أمريكا ستقبل بتفرّدهم في السلطة من جهة، وستردع تركيا عن أيّ تدخّل في منطقة شرق الفرات، على الرغم من أنّ أمريكا قد هدّدتهم في مرحلة من المراحل بـ (اطلاق يد تركيا) ضدّهم، ما لم يستجيبوا لبعض المطالب التي تحسّن الموقف الأمريكي في مواجهة الضغوط والذرائع التركية ؛ في حين توهّم المجلس الوطني أنّ أمريكا ستشدّد ضغوطها على الإدارة الذاتية لفرض المجلس عليها شريكاً، مراهناً على كونه جزءاً من الائتلاف المقبول تركياً.

غيّر الاحتلال التركي الأخير لمنطقتي سري كانيه وگري سپي المعادلة في غرب كوردستان وشرق الفرات. فعدا الاحتلال التركي المباشر، فتح هذا التدخّل التركي الباب واسعاً أمام روسيا للدخول إلى شرق الفرات وغرب كوردستان، ومعها قوات الحكومة السورية، وضيّق الخيارات أمام الإدارة الذاتية وقواتها العسكرية على نحوٍ خاصّ وأمام الأطراف الكوردية كلّها على نحوٍ عامّ، ووضعها تحت التهديد الوجودي وأيقظها من أوهامها، فأصبحت أكثر مرونة للاستجابة إلى الضغوط الدولية (التحالف الدولي) والمساعي الكردستانية (اقليم كوردستان) الرامية إلى التقريب بينها.

حراك كوردستاني ودولي

بٌعيد بدء الهجوم التركي على غرب كوردستان، جرت اتصالات رفيعة المستوى بين قيادة إقليم كوردستان وقيادة قوات سوريا الديمقراطية وتكثّفت، أدّت إلى تدوير الزوايا الحادّة بين الأطراف الكوردية وتهدئة اللهجة ومرونتها بين الأطراف وصولاً إلى إطلاق السيّد مظلوم عبدي لمبادرة تهدف إلى توحيد الصفّ الكوردي سياسيّاً. واستُكمِل الجهد الكوردستاني بحراكٍ من التحالف الدولي. ففي غضون الأيام الأخيرة، زارت وفودٌ من التحالف الدولي جنوب كوردستان وغربها. والتقى وفد التحالف بقيادة جيمس جيفري، مبعوث الرئيس الأمريكي إلى سوريا والتحالف الدولي المناهض لداعش، في هولير مع كبار قادة الإقليم، في حين التقى وفدٌ من التحالف الدولي بقيادة مديرة مكتب جيفري، وضمّ ممثّلين لدول رئيسية في التحالف، في غرب كوردستان، مع المجلس الوطني الكوردي، والتحالف الوطني الكوردي، وحزب يكيتي الكوردستاني (جناح حسن صالح)، في حين تتواصل الاتصالات مع القيادة السياسية والعسكرية للإدارة الذاتية. يوم الإثنين المنصرم، أدلى السيد مظلوم عبدي بتصريحٍ، باللغة الكوردية، على حسابه في تويتر، أكّد فيه على مواصلة جهود قوات سوريا الديمقراطية من أجل تحقيق وحدة الصفّ الكوردي في غرب كوردستان وأثنى على الموقف الإيجابي لقيادة إقليم كوردستان بهذا الصدد، وكشف عن خطوات لبناء الثقة سوف تُتّخذ في الأيام المقبلة. في اليوم التالي، لتصريح السيّد عبدي، أصدرت هيئة الداخلية للإدارة الذاتية بياناً تضمّن الاعلان عن الخطوات التي أشار إليها عبدي، من إزالة العوائق أمام المجلس الوطني لمزاولة نشاطاته وفتح مكاتبه، واسقاط القضايا المرفوعة ضدّ قيادات وكوادر المجلس، وتشكيل لجنة للبتّ في قائمة المعتقلين والمغيّبين.

يُشكّل هذا البيان خطوة إيجابية ومدخلاً معقولاً لتلبية المطالب المشروعة للمجلس الوطني في ضرورة اتّخاذ اجراءات بناء الثقة، ويتطلّب من جميع الأطراف التعامل الإيجابي معها، والعمل بصرٍ وأناة للبناء عليها. فالمساعي الدولية والكوردستانية والاستجابة الإيجابية من قبل قوات سوريا الديمقراطية توحي بوجود جهود مشتركة جدّية لإعادة صياغة العملية السياسية في غرب كوردستان، ستكون لصالح شعبنا وقضيتنا، وينبغي عدم التفريط بها أو إجهاضها، واهدار الفرصة من جديد، خاصّة وأنّ المنطقة قد تشهد تحوّلاً في المشهد القائم الآن وتغيّراً في خاطة توزّع القوى العسكرية في غرب كوردستان وشرق الفرات والتي أصبحت متشابة ومعقّدة للغاية.











روداو
Top