• Sunday, 25 August 2024
logo

الأسد إلى الأبد !

الأسد إلى الأبد !
مسعود كاسو



بعد أكثر من ثماني سنوات من الحرب في سوريا بات واضحاً أن الأسد سيبقى، وإن لم يكن إلى الأبد، فسيكون لوقت غير قصير، بعكس كل التوقعات والتحليلات التي قالت في بداية الحراك السوري إنّ الأسد أيامه باتت معدودة، وأنه لا مكان له في مستقبل سوريا، ذلك لأسباب عديدة أهمها الأسس المتينة والارتباطات الوثيقة التي وضعها الأسد الأب، ولأنه كان لديه الوقت الكافي ليتحضر لأي حراك مشابه لتونس ومصر وليبيا واليمن، وأيضاً لقدرته على التفاوض "التنازل" والخوض في البازارت مع الدول كإيران وروسيا.

يضاف إلى ما سبق أن الأسد هو الممثل الوحيد للعلويين، وذلك بعد قضائه على المعارضين والمنافسين المحتملين منهم، وأيضاً ساعدته في ذلك التيارات الإسلامية التي لم توفر جهداً في إظهار العداء للعلوين وتوعدتهم بالفناء إذا ما تم لهم الأمر، ما جعل العلويين يلتفون حول النظام ويدعمونه بدلاً من الانخراط بالثورة، وبما أنه لا حل بدون العلويين في سوريا وباعتبار الأسد يمثلهم، فإنه سيكون جزءاً من المرحلة القادمة، بالإضافة إلى أن الأسد لم يعد مصدر قلق لأحد، فبعد خروجه من لبنان، ومن ثم وقوعه تحت رحمة روسيا لإبقائه على سدة الحكم أطول مدة ممكنة، فلم يعد يشكل خطراً إلا على سوريا والسوريين.

أما أردوغان المتخبط في سياساته الساعية إلى قيادة الحلف السني في المنطقة من جهة -فتركيا باتت دولة دينية بغطاء علماني-، واستعادة أمجاد أجداده القومية، وبالتالي استعادة تركتهم، فنراه يحاول جاهداً لاحتلال أكبر مساحة ممكنة من سوريا، والتي يعتبرها إرثه التاريخي كما الموصل وكركوك في العراق، ومحاربته لأي محاولة لعرقلة أحلامه هذه، كمحاولة الكورد الحصول على إقليم كوردي مشابه لإقليم أقرانهم في العراق، مما يشكل عائقاً أمام تمدده، بل وخطر تمزيق ما يحتله أيضاً، إذا ما فكر الكورد في تركيا بحقوقهم كإخوتهم في العراق وسوريا، وانتفضوا لنيلها.

هذا الأمر شكَّل مصدر قلق لمحيطه وخلق له مشاكل مع الجميع، خاصة إيران ومصر والسعودية، بالإضافة لتدخلاته المباشرة في الشأن السوري والعراقي، ومشاكله القديمة الجديدة حول قبرص، وجبهة داخلية معادية لا يستهان بها، كل هذا العداء بينما كانت سياسته المعلنة هي تصفير المشاكل.

تركيا الدولة العضو في حلف الناتو، ذات الموقع الاستراتيجي الهام، والسد المنيع في وجه المهاجرين لأوربا -الذين تهدد بهم أوروبا بشكل مستمر-، هل ستحقق مبتغاها، أم أن لأمريكا وروسيا وإيران ودول أوروبا رأي آخر؟.

إذا قبلنا فرضية أن كل هذه الدول ستسكت عن أفعال تركيا، وتجبر الكورد والمعارضة والدول العربية على الرضوخ والقبول بالواقع الجديد، إلى جانب القبول بالأسد وإنهاء المقتلة السورية بوضع دستور شكلي، مع خسارة سوريا لحدودها الشمالية لصالح تركيا وخسارة الكورد لكل ما كسبوه عبر التضحية بأحد عشر ألف قتيل، وأكثر من خمسة وعشرين ألف جريح، بالإضافة إلى التهديد الذي سيحيق بالإقليم الكوردي في العراق والحليف لدول التحالف في المنطقة، سنكون أمام تساؤل مفاده: لما كل هذا الدمار وهذه الخسائر المادية والبشرية التي تكبدتها كل هذه الدول، وما الذي جنته بالمقابل لترضخ لرغبات تركيا؟.

هنا نحن أمام احتمالين:
الأول: أن ما حدث مما سمي بالربيع العربي كان خارج نطاق وسيطرة هذه الدول، وهي تحاول إيقافه مهما كلفت التضحيات، وشخصياً لا أرى هذا الاحتمال منطقياً، فقد ساهمت هذه الدول بشكل كبير في دعم المعارضة في جميع هذه الدول، وساهمت في إسقاط أنظمتها، ولكل محور حلفاؤه من ورثة مفترضين للأنظمة السابقة، حيث ما زالت تتحارب على تركة تلك الأنظمة للبدء بجني ثمار ما قامت به ودفع مستحقات الدول الداعمة.

الثاني: وهو ما أميل إليه، أن هذه الدول لديها مخططات ما بعد تغيير الأنظمة وليس في نيتها أن تكون سوريا آخر دولة تتعرض لرياح التغيير، ولا في نيتها إبقاء الخرائط القديمة، بل ستتبعها دول أخرى، وهنا علينا أن نبحث عن الدولة أو الدول التالية المرجحة.

تركيا وإيران هما دولتان مرجحتان بقوة لذلك، وإذا ما قارننا بين ما تستفيده أمريكا والغرب من بقاء كل دولة منهما، وماذا تستفيد في تفكيك كل منهما، سنرى أن تركيا هي الأكثر حظوظاً.

لماذا تركيا الأكثر حظوظاً؟
تركيا دولة تتدخل في شؤون الشرق الأوسط كقوة عظمى، فهي ترى نفسها أوروبية بحكم عضويتها في الناتو وكونها ثاني أقوى جيش فيه، وكذلك هي دولة إقليمية تتأثر سلباً وإيجاباً بما يحدث من حولها، وكممثل للسنة أيضاً، حيث أنها تستضيف وتسيطرعلى معظم التنظيمات العسكرية السنية السورية، وتدعم التنظيمات السنية في العراق كما تدعم وتسلح التركمان في كلتا الدولتين، وتدعم حماس في فلسطين وأينما وجد تنظيم إخواني في أي دولة كان فإنها تدعمه، لهذا كله فإنها تطالب بحصتها كبقية الدول، في الإعمار والاستثمار والثروات وكل شيء.

هذا الأمر فيه من الكفاية ما يزعج الأوروبيين والأمريكيين الذين يريدون دول شرق أوسطية ضعيفة وإسلامية أضعف، فهم يبحثون عن و كلاء لهم لا أنداد، الأمر الآخر أن الصراع في الشرق الأوسط الآن هو صراع طائفي "سني-شيعي" أكثر من كونه صراعاً قومياً، فنرى دول عربية كسوريا وتنظيمات كالحوثيين وحزب الله وحماس تدعم إيران في وجه دول عربية، ولا يكاد يختلف اثنان على أن استمرار هذا الصراع يقع ضمن أولويات الدول المستفيدة من صراعات الشرق المسكين.

لذلك إذا تمت إزاحة إيران، رأس القطب الشيعي، فلن يبقى من يقوم بدور القيادة، وسيكون الصراع قد تم حسمه لصالح السنة، وبالتالي أقوى دولها، تركيا، والساعية لقيادتهم، بينما بإسقاط تركيا يمكن إيجاد دور للسعودية أو مصر، الدولتان السنيتان القويتان، والمختلفتين أصلاً مع ايران، ويبقى الصراع مستمراً.

من جهة أخرى، فإن إسقاط إيران يعني وقف الأموال التي يتم استخلاصها من دول الخليج، وخاصة السعودية، بحجة الخطر الإيراني، لذلك سيكون هناك تقليم أظافر لإيران في الوقت الحالي لحين التخلص من تركيا، هذا كله إذا استثنينا الثأر الأوروبي القديم لدى تركيا، لكونها كانت تحتل نصف دول أوروبا لمئات السنين وأخذت القسطنطينية وقبرص عنوة، ووقوفها في وجه قوات التحالف قبل سنوات في حرب الخليج، ومنعهم من استخدام قاعدة إنجرلك أو انطلاق عملياتهم العسكرية لإسقاط النظام العراقي من أراضيها.

ربما إسقاط دولة كتركيا لن يكون سهلاً كالحكومات العربية التي سقطت، ولكن دعم إردوغان ليتحول لديكتاتور، وتقويض الديمقراطية الضحلة أصلاً في تركيا، هي أولى الخطوات، ويليها ضرب الاقتصاد الهش الذي تم إنهاكه في دفع الإتاوات بين روسيا وأمريكا لإرضائهما، وشراء المزيد من الأسلحة من الدولتين، والعقوبات التي ستأتي بسبب شراء منظومة الصواريخ الروسية وغزوها غير الشرعي لدولة جارة، ناهيكم عن التكلفة الناتجة عن تدخلها في الحرب السورية بشكل مباشر.













روداو
Top