• Sunday, 25 August 2024
logo

آي.. عَمّو!

آي.. عَمّو!
اكو محمد


"آي.. عَمّو!" كانت استغاثةَ (سارا) ذاتِ السبعةِ أعوام جَرّاء آلام بتر ساقها اليمنى، لكنّ ترامب والعالم لم يسمعوا استغاثتها. فنتيجة القصف التركي على أحد أحياء مدينة قامشلو، فَقَدتْ أمُّهما حياتَها أمام باب دارهم. سارا برفقة أخيها ذي الاثني عشَر عاماً كانا أمام الباب، هناك، حيث امتزجت دماء يوسف وسارا مع بضع حبات من البندورة وأرغفة من الخبز كانا يحملانها وأحذيتهما. والآن لا أحد يعلم أن مقتل الأطفال والنساء، وقصف مدينة قامشلو، خارج تلك الحدود التي حدّدها ترامب لتركيا او لا. قامشلو تلك المدينة التي جعلها أبناؤها بمحبتهم، مركزاً للإقامة الآمنة ومكاناً هادئاً لكلٍّ المحاربين ضد داعش، وإعداد خطَط الأمريكيين والفرنسيين والبريطانيين والتحالف المعادي لداعش.

سارا على سرير بسيط في مشفى بسيط، وبإمكانات طبية شديدة البساطة، تُعالَج جراحُها الشديدةُ الصعوبةِ، استغاثة الألم الناجم عن الساق المبتورة وأوجاع الإسعافات الأولية لها، بين يدي الطبيب وهي تصرخ مستغيثة "آي.. عَمّو!"، تُقطّع نياطَ قلب كلّ إنسانٍ، إلا ترامب. فإن أدرك الشعبُ الأمريكي حقيقة هذه القصة و الدلالة الحقيقية لـ(آي.. عَمّو!) فإنه سيشعر بالخجل أن لهم رئيساً مثل ترامب.

"آي.. عَمّو!" التي أطلقتها سارا، صرخةُ سوف يحملها كلِّ إنسانٍ كوردي في قلبه حسرةً عميقةً، إلى ذلك اليوم الذي يغادر فيه هذا العالم غير العادل. ويدرك أن رئيس أعظمِ دولةٍ تَدّعي كلَّ يومٍ أن سياستها تقوم على المبادئ الأخلاقية وحقوق الإنسان والديمقراطية، يغمض عينيه عن جريمة إنسانية كبرى بهذا الشكل. وبسبب السياسة والتغريدات الخالية من القيم الإنسانية كمن يقود عربة و ينادي لتسويق بضاعته، تداخلت صرخات استغاثة أطفال قامشلو وسَرى كانيى مع صرخات أطفال داقوق، وجميعهم يدخلون معاً مخيلة الإنسان الكوردي. الكورد، ذلك الشعب الوحيد الذي استقبل القوات الأمريكية في المنطقة. بلا شكّ فإنه بعد هذه التجربة، سيبحث عن حلفاء آخرين.

وبشعاره "سنسحب قواتنا من الحرب التي لا نهاية لها"، يريد ترامب، من خلال دماء الكورد، أن يخدع الشعب الأمريكي مرة ثانية ليقيم في البيت الأبيض، لكني واثق من أنَّ أيَّ منافسٍ له، إن استخدم قصة سارا، يستطيع، وإلى الأبد، أن يُبعِدَ ترامب من البيت الأبيض. كما في الدورة السابقة، اتخذ ترامب نفسُه من الاتفاق النووي وانسحاب القوات الأمريكية من العراق، حجةً للهجوم على أوباما والديمقراطيين، كــ "خطأ إستراتيجي" و"سبب ظهور داعش". داعش 2، سيكون أشد خطراً، على النحو الذي يتحدَّث فيه معهد الحرب الأمريكيّ في دراسة مطوّلة عن بقاء داعش وتعزيز قوّته. إن خطوة ترامب في السماح لتركيا، يُسرع في تقوية داعش بصورة أكبر. كما أن المجموعات المسلحة كـ (الجيش الوطني السوري) التابع لتركيا، لا تختلف عن داعش بأي شيء في الفكر والفعل.

في تغريداته العشوائية، ينقد ترامب الكوردَ بأنهم لم يساعدوا أمريكا في الحرب العالمية الثانية وحرب النورماندي. ها هم الكورد قد تعاونوا مع أمريكا في الحرب ضد داعش و أنجحوا إستراتيجية القتال بالقوات المحلية وعدم إرسال الجيش الأمريكي إلى جبهات القتال ضد داعش، وبدماء أكثر من ثلاثةَ عشرَ ألفَ مقاتل وبيشمركه متمرّسين، إلا أنه في النهاية كافأهم بهجمات 16 تشرين الأول 2017 وهجمات تركيا في 9 تشرين الأول 2019.

لم يطلب الكورد من ترامب وأمريكا أن يحاربا الحشدَ الشعبيّ والجيشَ التركي من أجلهم، إنما طلبوا منه ألا يوقّع الاتفاقات السياسية التي تمهّد الطريق لتلك الهجمات على تلك المناطق التي حُرِّرت بدماء الكورد. طلبوا منه أن يكون مساعداً على عقد اتفاقات عادلة سِلْميّة.

يقول ترمب: "سأسحب قواتي من سوريا، وقتال الكورد والترك يعود إلى مئتي عامٍ منصرمة"، لكنه في اليوم ذاته يقول: "سأرسل ثلاثة آلاف جندي إلى السعودية، لأنها تدفع الأموال". الكورد لا يملكون المال، ولكنهم ضحوا بدماء عشرات الآلاف من أبنائهم دفاعاً عن تلك المبادئ التي وضعها لينكولن أمام الكونغرس الأمريكي بصفتها أمجاداً لأمريكا. إن بَيْعَ المواقف من قِبَل ترامب مَثْلبة عظيمة في تاريخ أمريكا.









روداو
Top