فالنتينا يوآرش في مطرها الموعود تهدينا البشرى.................فوزي الاتروشي - وكيل وزارة الثقافة الاتحادية
ولكن لأن لا يأس مع الحياة ولا حياة مع اليأس. أصرت الكاتبة العراقية (فالنتينا يوآرش) ان تبلغنا في كتابها الأول (مطري الموعود) خبراًعاجلاً مفاده ان الفرح ولمسات الحب قد تنمو في ثغور الصخور الجرداء وعلى الأسلاك الشائكة وفوق كتل الاحزان لأن ديمومة الحياة سرها كامن في استمرارية العطاء والحب.
فهي لا تنطفئ ولا تترك جذوتها تتحول الى رماد حين تقول " وانا اترقبوأصغي وأتأمل لعل سماءك تصفو يوماً وذلك العشق يتلألأ نجوماً فيها".
ونمضي معها في إدمانها مع حبيبها الذي يسكن في القلب ولا يغادر وتناديه قائلة " في البدء كانت كلمتك " في قصيدة (أدمنتك سيدي) فما أجمل الادمان على الحب والتواصل والتسامح في زمن رديء أصبحت حتى كلمة "الحب" ممنوعة في شوارعنا أو مشوهة أو غائمة أو واقعة تحت سطوة رفض الرجل من جهة وتحت ضربات مفخخات الأرهابيين الذين يزرعون يومياً في مدننا خرائب وحرائق وحقد وكره كل ماهو جميل في الإنسان .
الكاتبة تنتمي الى المكون المسيحي الذي يعاني من ظلم مركب ومن تهجير ونزوح والآم واحتمال الإغتراب عن الوطن بفعل الارهاب الظلامي الذي هدم الكنائس والأديرة والتراث الأنساني المفعم بعراقة التأريخ في وادي الرافدين كجذر أساسي لبروز هذا الوطن، ورغم كل ذلك فانها تلتجئ الى عالم الحلم المخملي والرومانسية الندية لتوصل رسالة محبة ونور الى " الرجل الأستثنائي" في حياتها قائلة:
أريد ان اكون طعماً خاصاً في العشق
طعماً يشبه النبيذ
كلما تعتق .. صار الذ واشهى.
ان الرسالة واضحة وهي ان القوة الناعمة والحريرية للحب تقهر كل قوة الحزن وتجعل الاخر يخسر معركته لان سلاح القتل والتدمير اقل قدرة من ان يواجه سلاح الحب والعشق والذوبان في الآخر.
في بغداد التي حفلت ذات يوم بالكنائس واجراسها العامرة بدقات الحياة والتي عانت فيها الكاتبة وبني جلدتها الآمرين على ايدي الأرهابيين الظلاميين الذين هاجموا المصلين الواقفين بين ايدي الله ذات يوم في كنيسة "سيدة النجاة" نقول في بغداد هذه تغني الكاتبة بصوت عالٍ:
بغداد ياعطر القرنفل والأقحوان
لك وحدك تحلو الكلمات
ويستفيق على صوتك الشعر والوجدان.
انها اذن قوة الآصرة الخضراء التي تربط الإنسان الى وطنه ومدينته ومرتع ذكرياته وملتقى احبابه واهله، وهذا هو المنطق الذي لا يستوعبه الظلاميون لانهم اصلاً قادمون من العدم وذاهبون الى العدم.
الكاتبة (فالنتينا يوارش) تبدو في كتابها مغنية بصوت هادئ ولكن واثق ومقنع، فهي تهدي اغنية الى الوالد وأخرى الى الأم قائلة في النهاية:
أعذريني على كل شيء
واغفري لي يا حبيبة عمري كل زلاتي واقبلي مني هذه الكلمات.
فواحدة من اهم الوصايا ان تعتذر وتعترف بالخطأ وتهدي كلمة حب لمن لم تستطع ان توفيه مايستحق من عطاء وتقدير.
نستمر في القراءة فتقع اعيننا على كلمات ذات رمزية جميلة تنطبق على واقع هذا المكون العريق الذي يعاني اليوم تمزقاً كبيراً في وطن هم بناته الأصليون.
تقول الكاتبة :
يرحلون دون عناق
حاملين معهم جواز فراق
ورغم ذلك تنتهي الى الأمل كما قلنا في بداية المقال فهي تنتفض على يأسها صارخة :
غداً لن تفصل ارواحنا حدود ستختفي الأنات خلف الباب الموصود
غداً سيكون اجمل واروع
غداً سيكون لنا وطن موعود
شكراً للكاتبة والموظفة في وزارة الثقافة التي خرجت من ارهاق العمل الروتيني ومشاغل الحياة اليومية لتمنح لاحلامها البنفسجية بعداً اخر يعبر بكل اناقة وذكاء كتل الاسلاك الشائكة التي تطوق ليس جسمها وبيتها ومدينتها وحاجاتها المادية فحسب وانما تحاول حتى مصادرة احلامها... ولكن هيهات.