• Monday, 06 January 2025
logo

قانون الموازنة العامة.. مطبات سياسية وتأخير معتاد

قانون الموازنة العامة.. مطبات سياسية وتأخير معتاد

د.كوفند شيرواني 

 

ورد تعريف الموازنة في قانون الإدارة المالية الاتحادية رقم (6) لسنة 19 بالصيغة التالية: "الموازنة هي خطة مالية تعبر عما تعتزم الدولة القيام به من برامج ومشاريع، ويتضمن جداول تخطيطية لتخمين الإيرادات والنفقات بشقيها النفقات الجارية والنفقات الاستثمارية لسنة مالية واحدة". وتنظم الموازنة العامة للدولة ضمن قانون يشرع عادة كل عام لمنحه قوة التشريع ووجوب التنفيذ. وتعد الموازنة العامة بمثابة المحرك الأساسي للسياسة المالية والاقتصادية والاجتماعية والسياسية، وعليه فجميع الدول تحرص على تشريع قانون الموازنة في أقرب وقت وبدون تأخير وقبل بداية السنة المالية التي تخصها الموازنة.

إعداد الموازنة

وردت في مواد قانون الإدارة المالية (المواد 2-10) الخطوط العامة والمراحل والتوقيتات الزمنية التي يفترض أن يمر بها إعداد الموازنة ويمكن تلخيصها كالآتي:

⦁    تعد وزارة التخطيط ووزارة المالية ابتداءً من شهر آذار للسنة التي تسبق الموازنة تقريرًا عن أولويات السياسة المالية والاستراتيجية والبرنامج الحكومي (المادة 3-أولاً). ويناقش هذا التقرير من قبل اللجنة الاقتصادية في مجلس الوزراء ويرفع إلى المجلس لإقراره ويكون أساسًا لصياغة الموازنة (المادة 3-ثانيًا).

⦁    تبين وزارتا المالية والتخطيط المعالم الاقتصادية الرئيسية لخطة التنمية وأهداف السياسة المالية في ضوء التقرير المقدم وذلك خلال شهر أيار من كل سنة (المادة 4-ثالثًا).

⦁    تتولى وزارة المالية استلام التقديرات المقترحة لموازنة السنة اللاحقة من الوزارات وفق جداول تفصيلية لهذا الغرض خلال شهر تموز من السنة التي تسبق الموازنة (المادة 6-أولاً). ويتم وضع تقديرات المشاريع الاستثمارية والنفقات التشغيلية وتقديمها بصيغتها النهائية بحلول شهر تموز (المادة 6-ثالثًا).

⦁    بعدها يقدم مشروع قانون الموازنة بشكله النهائي إلى مجلس الوزراء للمصادقة في مطلع شهر آب (المادة 8).

إقرار الموازنة

وضح قانون الإدارة المالية الاتحادية مراحل إقرار الموازنة في المادتين (12) و(13) وبالتسلسل التالي:

⦁    يناقش مجلس الوزراء مشروع الموازنة العامة قبل منتصف تشرين الأول من كل عام ثم يرسله إلى مجلس النواب (البرلمان) (المادة 11).

⦁    يناقش مجلس النواب مشروع قانون الموازنة وله صلاحية إجراء المناقلات بين أبواب وفصول المشروع، وكذلك تخفيض سقف الموازنة أو زيادة إجمالي النفقات (المادة 12). على أن يتم إقرار المشروع قبل نهاية السنة السابقة للموازنة.

⦁    في حال تأخر إقرار الموازنة حتى نهاية شهر كانون الأول (ديسمبر)، تقوم وزارة المالية بإصدار أعمام باعتماد الصرف بنسبة 1/12 من النفقات الجارية للسنة السابقة وعلى أساس شهري لحين المصادقة على الموازنة (المادة 13-أولاً).

⦁    يعتبر قانون الموازنة نافذًا ويتم تنفيذه بعد نشر القانون في الجريدة الرسمية، وذلك أسوة بكل القوانين التي يتم تشريعها في البرلمان.

تأخر إقرار الموازنة

توصف الموازنة العامة للدولة بأنها المحرك الأساسي للسياسة المالية والاقتصادية في البلاد، وبناءً على ذلك تعمل الحكومات على تمرير هذا القانون وتشريعه قبيل حلول السنة المالية التي تخصها الموازنة، تلافياً للتبعات والنتائج السلبية للتأخير على عمل وأداء المؤسسات العامة والحركة الاقتصادية والمالية في البلاد. إلا أن مشاريع قوانين الموازنة العامة في العراق ولجميع السنوات السابقة كانت تتأخر دائمًا في التشريع. فعلى سبيل المثال، القانون الحالي (قانون رقم 13 لسنة 2023، قانون الموازنة العامة الاتحادية لجمهورية العراق للسنوات المالية 2023-2024-2025) نشر في الجريدة الرسمية يوم 26-6-2026، أي بدأ تنفيذه في النصف الثاني من العام 2023!

ومن الأسباب التي سجلت (ولا تزال) لتأخير إقرار الموازنة في مجلس النواب، المناقشات والمجادلات المطولة التي تجرى بشأن المواد المختلفة، وهذه المناقشات أغلبها تكمن وراءها مصالح وأجندات سياسية أو منافع حزبية ومناطقية أو فئوية لا تراعي الصالح العام، بل وتعمل على الإضرار به وإيثار مصالح ضيقة لجهات أو أطراف محددة. ومن الأسباب الأخرى في التأخير، هو المبالغة في تمويل بعض المشاريع الواردة في مشروع الموازنة والدفع في تعجيل صرف المبالغ لها، وفي أحيان أخرى، تكون هناك عراقيل غير مبررة لمشاريع استثمارية أخرى لها أهميتها ووزنها.

موازنة العام القادم

تعتبر موازنة العام القادم 2025 متأخرة منذ الآن، رغم أن قانونها صادر منذ العام 2023 (قانون الموازنة الثلاثية للأعوام 2023-2024-2025)، حيث يفترض أن تكون معظم مواد الموازنة محل اتفاق والتغيير المطلوب يكون فقط في جداول الموازنة لعام 2025، والتي لم ترسل بعد (وإلى وقت كتابة هذه المقالة) من الحكومة إلى البرلمان.

وقد أرسلت رئاسة الوزراء تعديلاً مقترحاً لمادة في قانون الموازنة لتتم مناقشتها، وهي المادة (12) وتتعلق باحتساب كلف إنتاج ونقل النفط في إقليم كردستان. ومن الواضح أن رئاسة الوزراء أرسلت هذا التعديل لأهميته في معالجة عقبة كبيرة أدت إلى توقف تصدير نفط الإقليم وجزء من نفط كركوك لمدة (21) شهراً، وألحق جراء ذلك خسائر بالاقتصاد العراقي تجاوزت (18) مليار دولار. ورغم أهمية هذا التعديل المقترح، إلا أن البرلمان أرجأ قراءته والتصويت عليه لحين عرضه على اللجنة المالية، وهذا يعني تأجيل مناقشته إلى الشهر الأول أو الثاني من العام 2025. والذريعة الأخرى لهذا التأجيل كانت انتظار وصول جداول الموازنة من الحكومة.

الآثار السلبية لتأخير الموازنة

أياً كانت الأسباب والدوافع والمبررات وراء تأخير الموازنة، فإن ذلك سيلحق أضراراً بالاقتصاد العراقي ويعطل تنفيذ البرامج الحكومية، وبصدارتها إنجاز الخدمات الأساسية وتنفيذ المشاريع الاستثمارية التي يعول عليها كوسيلة مهمة لزيادة الإيرادات العامة وتوفير فرص عمل جديدة لمئات الآلاف من العاطلين الذين ينتظرون الموازنة كل عام لعلها تؤمن لهم فرصة الحصول على عمل يوفر لهم قوتهم ومعيشتهم. كما ينظر المواطن إلى الموازنة باعتبارها الطريق الذي يؤدي إلى تحسين الخدمات العامة التي تراجعت منذ عقود في أمور لا تشتكي منها بلدان أخرى فقيرة مثل الكهرباء والماء والصحة والتعليم، والقائمة لا نهاية لها.

 

 

 

كوردستان24

Top