الكورد … والمنطق الإقصائي في الإعلام العربي.!
عنايات ديكو
في ظل هذا التداخل المعرفي والرقمي الكبير في نقل وصياغة الأخبار ونشر المعلومات بدقة وأمانة، ومع وجود أحدث التقنيات في مجال الإعلام التي تتيح نقل الأحداث بمهنية وحرفية عالية، إلى جانب الترجمات الفورية الدقيقة والمباشرة، نجد أن بعض القنوات الإعلامية العربية ما زالت تتصرف وكأننا في معركة القادسية لـ"صدام حسين". تفتقر هذه القنوات إلى المنهجية في نقل الأخبار وصياغتها، وتتعمد بتر المعلومات، واقتطاع الجمل من سياقها، وإلقاءها خلف جدران الحقيقة. وكأن المشاهد يعيش في فترة السوفييتية.
لا... لا يا سادة! لن تنطلي علينا هذه الممارسات الرخيصة في صناعة الخبر ونقل المعلومات المبتورة التي تفتقر للحقيقة والاستقلالية!
في الفترة الأخيرة، اعتدنا الجلوس يوميًا أمام الشاشات لمتابعة الأخبار من كل حدب وصوب، وبالعديد من اللغات. ومع ذلك، اصطدمنا بوجود أيديولوجيين قوميين عروبويين يتربعون على رأس هرم الإعلام العربي، من كتّاب ومحرري الأخبار، ورؤساء تحرير الصحف والمجلات، وحتى كاتبي التقارير الصحفية. هؤلاء الناس يتفننون في إضافة البهارات إلى الأخبار، وفبركتها عمداً لتتناسب مع أفكارهم وأيديولوجياتهم. يتلاعبون بمضمون الخبر أو الموقف، ويختلقون مفردات لا تمت إلى الحقيقة بصلة، محاولين تحوير التصريحات والمواقف التي يُفترض نقلها بأمانة إلى المشاهدين والجمهور.
على سبيل المثال، بعد سقوط نظام بشار الأسد وهروبه إلى موسكو، زارت شخصيات سياسية ودبلوماسية عربية وغربية دمشق للتعرف على القيادة الجديدة. وأعربوا عن رؤاهم لمستقبل سوريا السياسي والإنساني، مقدمين تصريحات واضحة المعالم والزوايا دون الغموض المعتاد في السياسة.
فبعد اجتماع أعضاء السفارة الأمريكية مع الحكومة الجديدة في دمشق، نشرت السفارة بيانًا على موقعها الإلكتروني يؤكد أهمية مشاركة الكورد بـ " الاسم " في رسم مستقبل سوريا السياسي.
كذلك، شهدنا زيارة وفد أوروبي رفيع المستوى برئاسة وزيرة الخارجية الألمانية أنالينا بيربوك، ووزير الخارجية الفرنسي جان نويل بارو. أكدا بوضوح على ضرورة مشاركة الكورد وبـ " الاسم " في صياغة الدستور ومستقبل سوريا السياسي، مشددين على أن "بدون الكورد لا مستقبل لسوريا". وطالب الوزير الفرنسي صراحةً بتقديم ضمانات أمنية للكورد، مذكرًا بأنهم شركاء لهم وللتحالف الدولي في محاربة داعش والتنظيمات الإرهابية.
وأعقب ذلك تصريح وزير الخارجية الهولندي كاسبر فيلدكامب، الذي أكد على ضرورة مشاركة الكورد والمسيحيين في الانتقال السلمي للسلطة في سوريا. لم يكتفِ بالإشارة إليهم بل نطق كلمة "الكورد" بوضوح ودقة.
اليوم، جاءت الضربة الكبرى لهذه العقلية الإقصائية، على لسان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، الذي صرح بأن "الكورد شركاء ويناضلون من أجل الحرية... نعم، الحرية!".
أما الإعلام العروبوي، فيصرّ كل الاصرار على تجاهل هذه التصريحات ومحتوياتها السياسية، واستبدال كلمة "الكورد" بعبارات عامة مثل "كافة الأطياف". نعم، الضيوف تحدثوا عن جميع الطوائف، لكنهم ذكروا الكورد بـ " الاسم "، وشدّدوا على تأمين الضمانات الأمنية لهم.
يا جماعة الخير، هذه العقلية الإقصائية لن تفيدكم ولن تفيد السوريين. العالم بأسره، شرقًا وغربًا، يؤكد حقوق الكورد السياسية في سوريا المستقبل، وعلى السوريين إدراك أهمية حمايتهم كشعب يعيش على أرضه.
أما الباقي... فكله تفاصيل.