• Saturday, 29 June 2024
logo

واقع التنوع الاقتصادي في إقليم كردستان العراق

واقع التنوع الاقتصادي في إقليم كردستان العراق
يتمتع إقـليم كردستان العراق الـذي تبلغ مساحته ما يقارب(39000) كم2 (عدا المناطق المتنازع عليها) و يبلغ عدد سكانه (4.5) مليون نسمة، بمـوارد اقتصاديـة كثيرة ومتنوعة، و من الممكن استخدامها في النشاطات الاقتصادية لتلـبية مقتضيات التنمية الاقتصادية والاجتماعية، غير ان التجارب برهنت ان وفرة الموارد لوحدها لاتلبي مقتضيات التطور والتنمية إلا إذا تم الاستخدام الأمثل لتلك الموارد الطبيعية وفق خطط و برامج مسبقة.
عملت الحكومة العراقية السابقة (قبل التغيير في 2003)، على إبقاء إقليم كردستان متخلفاً في نواحي كثيرة، منها الإقتصادي والإجتماعي والثقافي والسياسي، وذلك من خلال هدم البُنية التحتية والذي يمكن ملاحظة بعض مــن شواهده من خلال التطهير العرقي وعمليات الابادة الجماعية ، واستخدام الأسلحة الكيمياوية وغيرها من العمليات الكثيرة، بالاضافة الى هدم القرى التي وصلت الى مــا يقارب 5000 قرية في جميع مناطق الإقليم، كما مبين في الجدول رقم (1) .
يتبين من خلال الجدول رقم (1)، مدى صعوبة الأعمال والواجبات الملقاة على عاتق حكومــة إقليم كردستان في ظل الإمكانات المادية المتواضعة التي كانت متوفرة في بداية التسعينات ، لقد تم تشكيل حكومة الاقليم بعد انتخابات ايار عام 1992 . لقد تبين من الجدول بان نسبة 92 % من قرى كردستان قد دمرت من قبل الحكومة العراقية في عقدي السبعينات والثمانينات، وذلك تنفيذا لسياسة الأرض المحروقة، لقد مر الأقتصاد في الأقليم بظروف سيئة جدا في فترة التسعينات وذلك للاسباب الاتية:
1 - وجود حصارين على الاقليم ، الاول كان متمثلا بالحصار الدولي على العراق والذي اثر بدوره على الاقليم ، وثانيا حصار الحكومة المركزية على اقليم كردستان .
2 - اندلاع حرب داخلية في الأقليم بين الحزبين الرئيسيين والتي استغرقت اكثر من اربع سنوات .
الا ان بعض التحسن قد طرء على اقتصاديات اقليم كردستان، كما هوالحال في بقية مناطق العراق بعد تنفيذ قرار مجلس الأمن 986 (النفط مقابل الغذاء)، حيث توفرت السلع الغذائية الأساسية ، مع بعض زيادات في الأنفاق على الخدمات الصحة والتعليم والماء والكهرباء ...الخ من الخدمات الأساسية .
اما بعد التغيير النظام السياسي عام 2003 ، فقد تم تخصيص 17% من ايرادات الحكومة المركزية للاقليم، بعد استبعاد الإنفاق على المشاريع المركزية مــن هـــذه الإيرادات للموازنة العمومية، فان حصة الإقليم مـن الإيرادات خلال سنتي 2004 و2005 بلغت ( 3 ) مليارات دولار في السنة ، حيث كانت الإيرادات المركزية بحدود 24 مليار دولار في السنة. وفي السنوات اللاحقة، وبعد سجال كبير بين مندوبي اقليم كردستان والاخرين حول نسبة الاقليم من الموازنة العامة، حيث طالب نواب اخرون بتخفيض هذه النسبة باعتبارها اكبر من ما يستحقه الاقليم وفق التوزيع السكاني للموازنة، في حين يطالب نواب التحالف الكردستاني باجراء عملية الاحصاء السكاني لبيان حقيقة الامر، لهذا بقيت النسبة على حالها، الا ان الحكومة الاتحادية تقوم في كل اعداد للموازنة بزيادة النفقات السيادية والحاكمة الى مستويات قياسية كي تخفض نسبة الاقليم بطريقة اخرى. كما يبينه الجدول رقم (2).


خصائص اقتصاد إقليم كردستان


اختلافا مع اقتصاد العراق قبل ٢٠٠٣، تبنى الاقليم نظام اقتصاد السوق، حيث تحدد فية قوى الطلب والعرض المعطيات الاقتصادية الاساسية، والتي تتمثل بالاسعار والاستثمار في القطاعات الاقتصادية، الخدمية والانتاجية، دون تدخل مباشر من قبل الحكومة. فقد تم تبني سياسة اقتصادية منفتحة تعتمد على حرية الاستثمار والتجارة في جميع المجالات، الا ان هذه السياسة لم تتبلور بالشكل الذي هي عليه في الاقتصاديات الاخرى، حيث لم تواكب هذه السياسة الاقتصادية رؤية حكومية واضحة تحدد من خلالها الدور الذي ينبغي على القطاع الخاص من ادائة، وزيادة دوره في العملية الاقتصادية والحد من التدخل الحكومي في الاقتصاد، اي ان الحكومة بالرغم من ادعائها باتباع نظام اقتصاد السوق، الا انها في الواقع لم تقم باتخاذ الاجراءات اللازمة بذلك.
اولا: يمتاز اقليم كردستان، مثل بقية الدول النفطية، باعتباره جزءا من العراق، بالاعتماد الكبير علي الريع النفطي، حيث يشكل النفط العنصر الرئيس في ايرادات الدولة العراقية اللازمة لتغطية الانفاق العام، (١٧% من هذه الايرادات تخصص للاقليم)، حيث ان هذة النسبة المخصصة تشكل اكثر من (٩٨%) من ايرادات الاقليم)، كما مبين في الجدول رقم (3).
لكن يجب الاشارة في هذا السياق الى ان الاعتماد على النفط له سلبيات تتمثل بأن النفط مورد ناضب وغير متجدد، الامر الذي يحتم ايجاد مصادر بديلة للدخل للاعتماد عليها مستقبلا عند نفاذ هذا المورد. وكذلك فأن ايرادات النفط تعتمد على الطلب في اسواق النفط العالمية وتقلبات الاسعار فيها مما يؤدي الى عدم الاستقرار في تدفق هذه الايرادات لينعكس سلبا على الانفاق الحكومي الكلي وبالتالي تتأثر الانشطة الاقتصادية في قطاعي العام والخاص.
ثانيا: اقتصاد خدمي ضعيف الانتاج يعاني من اختلالات هيكلية واضحة، اي سيادة واضحة لقطاع الخدمات دون توفر جهاز انتاجي (زراعي وصناعي) متطور ومرن، مما يعني وجود سيولة نقدية تمثل في قدرات شرائية تزيد من ضغوط الطلب لذا فأن عجز الانتاج المحلي لمواجهة الطلب الداخلي يعني الطلب على السلع المستوردة للتعويض، مما يضع ضغوط قوية على ميزان المدفوعات ويرفع من درجة تزايد الاعتماد على الخارج.
ثالثا: ارتفاع سريع في الانفاق الحكومي دون استجابة مناسبة من الجهاز الانتاجي المحلي، انتج نموا واضحا للضغوط التضخمية التي تركت اثارا واضحا على حركة الانتاج المحلي. وان الانفاق الحكومي استمر بالتزايد وخاصة الانفاق العام الجاري، ويظهر ذلك بشكل واضح في موازنات (2005 الى 2011) حيث تتراوح بين (٦٤% الى ٨١%)، لذا قد يكون هذه النسبة من الانفاق العام من النسب العالية على مستوى دول العالم.
قوانين الموازنة العامة الصادرة من قبل برلمان كردستان العراق للسنوات ( 2007و2008و2009و2010و2011).
ان الحاجة الى اعادة الاعمار سوف تؤدي الى ارتفاع نسب الانفاق الحكومي الى الناتج المحلي الاجمالي. لهذا الاستنتاج نتائج سياسية واقتصادية لا تصب في مصلحة التحولات والاصلاح المنشود في النظام الاقتصادي بشكل متسارع.
ان هذا الاتجاه لا يوفر البيئة الاقتصادية المناسبة لنموالقطاع الخاص الذي هوالامل الرئيس في النهوض بالناتج المحلي غيرِ النفطي وكسر المعادلة النفطية التي تحكم المسار الاقتصادي والسياسي.
رابعا: انهيار البنية التحتية المادية التي تعد من اساسيات التكوين الرأسمالي الثابت بسبب سياسات الحكومة المركزية السابقة، وكذلك بسبب سوء ادارة هذه المرافق بالرغم من تخصيص جزء غير قليل من الموازنة العامة لصيانة وتوسيع المرافق العامة وتوسيع طاقاتهما لتتناسب مع الطلب المتنامي الناتج عن النموالسكاني (٣%) في الاقليم. الا ان الحكومة من خلال النفقات الاستثمارية الكبيرة لديها لم تتمكن من تنفيذ المشاريع المقررة في الموازنة بالشكل المطلوب.
خامسا: يمتاز الاقليم بصغر حجم سوقه المحلي الذي يمثله عدد السكان والبالغ حوالي (4.5) مليون نسمة، الامر الذي يحد من مدى تطور قطاعاته الاقتصادية. الا ان السياسة التجارية المتبعة في الاقليم ترك السوق المحلي مفتوحا امام سيل السلع والبضائع الاجنبية لتغرقه الى الحد الذي لايستطيع الانتاج المحلي من ان ينهض من جديد، لانه غير قادر على منافسة الصادرات الاجنبية من حيث السعر والشكل.
سادسا: ارتفاع معدلات البطالة والبطالة المقنعة: يقدر حجم البطالة وفق بيانات وزارة التخطيط في كردستان (١٧.٨٦%). اما نسبة البطالة المقنعة في المؤسسات العامة للدولة وفق تصريح صحفي لوزير التخطيط السابق، تصل الى (٤٥%). وفق التصريحات الصحفية لوزير التخطيط في 2011، انخفضت نسبة البطالة الى (14%)، وكذلك في مقابلة مع مدير احصاء السليمانية يؤكد على ان هذه النسبة قد انخفضت ايضا الى (12%) وفقا لمقاييس الامم المتحدة.
لابد ان نشير هنا الى مسألتين هامتين هما:
1- تركز البطالة في الاعمار الشابة بسبب التركيبة السكانية في اقليم كردستان العراق، حيث يصنف الاقليم ضمن التركيبة الفتية التي تتميز باتساع قاعدة الهرم السكاني فيها، وينتج عن تركز البطالة في هذة الفئة العمرية تبعات اقتصادية واجتماعية وسياسية واضحة.
2- ان انماط النموالاقتصادي المتأتية من نموالقطاع النفطي الريعي على حساب معدلات نموبسيطة في القطاعات الانتاجية، هي احد اسباب تفاقم مشكلة البطالة.
سابعا: التشوهات الهيكلية: ظهرت تشوهات هيكلية وادارية بسبب هيمنة الدولة والقطاع العام على جميع العمليات الاقتصادية، وهذا يرجع الى استقرار التقليد على تملك القطاع العام لوسائل الانتاج بصفته قوة موجهة رئيسة في الاقتصاد الوطني، ونشأت هذه الحالة مباشرة من اعتماد الدول المنتجة للنفط في منطقة شرق الاوسط على ايرادات النفط، مقترنا بملكية الحكومة لجميع الموارد الهيدروكربونية.
ثامنا: الفساد الاداري والمالي وانعدام الشفافية والمساءلة: تفشت مظاهر الفساد الاداري والمالي متمثلة في غياب الشفافية والمسائلة في السياسات المتبعة وخاصة سياسات الانفاق العام. من مظاهر انعدام الافصاح والمساءلة التي دأبت الكثير من مؤسسات الدولة على حجب البيانات عن المواطنون، فمثلا لم يطلع المواطنين الا في السنتين الاخيرتين علي موازنة الدولة بشقيها الجاري والاستثماري. لذا فأن الفساد المالي والاداري يشكل تحديا كبيرا يواجة الحكومة ويعتبر افة اقتصادية تواجة الدول وخاصة المتحولة منها، لذا فأن انهاء اوالحد من عمليات الفساد المالي والاداري في المؤسسات الحكومية من خلال رقابة شديدة وانهاء حالة الارتزاق الوظيفي التي تعد من المظاهر الواضحة في مشاريع القطاع العام.

تقييم السياسات المتبعة في إقليم كردستان


تتبنى الدول المنتجة للنفط سياسة التنويع الاقتصادي ليس فقط بسبب نضوب النفط، انما لتتفادي تقلبات اسعار النفط في اسواق النفط العالمية. اي ان الغاية الاساسية للتنويع الاقتصادي هي التخفيف من الاعتماد على النفط قبل ان تنضب مواردة بمدة طويلة، بغية الحد من اثر تقلبات اسعاره على مداخيل الصادرات والحسابات الجارية والايرادات الحكومية.


فيصل علي
رئيس منتدى كردستان الاقتصادي

‌puk
Top