• Saturday, 29 June 2024
logo

يخدم مصالح أنقرة في سوريا السلام مع الأكراد... يعزز نفوذ تركيا الإقليمي

يخدم مصالح أنقرة في سوريا  السلام مع الأكراد... يعزز نفوذ تركيا الإقليمي
ألكسندر بروك
باحث في قسم الشرق الأوسط بـ«مجلس العلاقات الخارجية» الأميركي

-الاتحاد

في الوقت الذي يجب أن تتلقى فيها تركيا كل الثناء على اتفاق السلام الأخير مع الانفصاليين الأكراد، تأتي ردود الفعل العنيفة والقاسية التي تعاملت بها الحكومة التركية خلال الأسبوع الماضي مع الاحتجاجات لترخي بظلالها على مجمل عملية السلام مع الأكراد. فقد بدأت المظاهرات سلمية في إسطنبول احتجاجاً على خطط تحويل متنزه إلى مجمع تجاري.

وعندما تحركت الشرطة لإخماد الاحتجاجات امتدت المظاهرات إلى مناطق تركية أخرى على خلفية مخاوف بعض القطاعات من التراجع الديمقراطي للحكومة التركية، وانخراطها الدؤوب في أسلمة المجتمع بقيادة رئيس الوزراء، رجب طيب أردوغان، وحزبه ذي الميول الإسلامية. فرغم أن تركيا تقطنها أغلبية مسلمة، فإن نظام الدولة ظل علمانياً لفترة طويلة، وفيما تصاعدت الهواجس من ميل سلطوي للحكومة التركية، يتعين عليها المسارعة إلى طمأنة الرأي العام بالمزيد من الخطوات الديمقراطية وليس مواجهة المظاهرات بخراطيم المياه والقنابل المسيلة للدموع.

لكن وبصرف النظر عن هذه المشاكل، حققت تركيا تقدماً مهماً في علاقتها مع الانفصاليين الأكراد، وهو التقدم الذي يخدم مصالح تركيا كما المنطقة، فالأمر هنا لا يقتصر على تركيا، إذ أن أي محاولة للتفاوض تقوم بها دولة ما مع حركة انفصالية تحقق من خلالها السلام وتنهي مواجهة عسكرية دامت لعقود تمثل خطوة في الاتجاه الصحيح، فما بالك ببلد مثل تركيا تعيش ديمقراطية مزدهرة وتقتسم حدوداً مع ثلاثة بلدان مضطربة هي سوريا وإيران والعراق.

فبعد ثلاثين سنة من الصراع بين القوات التركية ومسلحي «حزب العمال الكردستاني»، تمكن أردوغان من التفاوض على خطة للسلام مع زعيم الحزب المسجون، عبد الله أوجلان، هذا الاتفاق لن تقتصر فوائده على علاقة تركيا بالأقلية الكردية، بل سيؤثر إيجاباً على علاقتها بأكراد سوريا وإيران والعراق.

فتأييد أكراد المنطقة للخطوة التركية يعطي لأنقرة درجة كبيرة من النفوذ السياسي لتمارسه داخل البلاد التي يعيشون فيها، وهو ما من شأنه إعادة تركيا إلى صدارة المنطقة لتلعب دوراً مهماً وتزيد مكانتها في الشرق الأوسط.

وبالطبع يمكن للقلاقل الجارية حالياً في تركيا ومخاوف التراجع الديمقراطي أن يؤثر سلباً على مستقبل تركيا، لكن بالنظر إلى الاستقرار السياسي والاقتصادي الذي تتمتع به يبقى النفوذ التركي في المنطقة أفضل أمل لشرق أوسط مضطرب يعيش على وقع العنف والفوضى.

ومن المفترض أن يقود الاتفاق مع الأكراد الذي بدأ في شهر مارس الماضي بالتوقيع على وقف إطلاق النار، وانسحاب قوات حزب العمال الكردستاني إلى شمال العراق إلى تمتيع الأقلية الكردية بحريات أكبر وضمان احترام حقوقهم، لا سيما وأنهم يشكلون 20 في المئة من سكان تركيا، وهو أمر يتجاوز في مكسبه تطوير الديمقراطية التركية إلى السماح لأنقرة بتثبت نفسها كقوة في عموم الشرق الأوسط.

فبعد تدفق أكثر من 35 ألف لاجئ سوري إلى تركيا بسبب الحرب الأهلية الدائرة هناك، وانفجار 11 مايو الماضي الذي هز مدينة الريحانية على الحدود مع سوريا، وتوجيه أصابع الاتهام إلى النظام السوري، تولدت قناعة لدى رئيس الوزراء التركي بضرورة الاضطلاع بدور أكثر فاعلية في الصراع الدائر بسوريا.

لكن بدلاً من التدخل العسكري، تستخدم تركيا عملية السلام الجارية مع أكرادها للتأثير في أكراد سوريا ودفعهم إلى دعم المعارضة السورية، فلحد الآن اكتفى أكراد سوريا بالانشغال بأمورهم والرد على الهجمات التي تستهدفهم سواء كانت من النظام، أو من بعض عناصر المعارضة.

كما أنه بالنظر إلى الفراغ المتولد في المناطق الكردية بسوريا بعد انسحاب قوات الأسد، تقدم حزب «الوحدة الديمقراطي»، وهو الفرع السوري لحزب «العمال الكردستاني»، لملء الفراغ في المناطق الشمالية الشرقية لسوريا.

وقد كان لافتاً تصريح زعيم الحزب الكردي في سوريا، صالح سليم، حتى قبل تبلور ملامح الاتفاق التركي مع أكرادها، أن أكراد سوريا يدعمون الخطوة التركية، وبأنهم في سوريا سيسعون أيضاً إلى التقارب مع أنقرة، وبالطبع ستستفيد تركيا كثيراً من دعم حزب «الوحدة الديمقراطي» في سوريا ما بعد الأسد لما سيتيحه ذلك من نفوذ تركي في سوريا المستقبل من خلال تحالفها مع الأكراد، والأكثر من ذلك من شأن تحقيق تركيا سلاماً مع أكرادها أن يوفر لها أفضلية واضحة في التنافس المحموم مع إيران على النفوذ الإقليمي، فليس خافياً معارضة إيران لاتفاق السلام بين تركيا وأكرادها، بل عرض الحرس الثوري الإيراني في شهر أبريل الماضي على حزب «العمال الكردستاني» تقديم مساعدة عسكرية ولوجستية إن هو بقي داخل تركيا، لكن الحزب رفض العرض الإيراني، وهو ما يؤكد مخاوف الجمهورية الإسلامية من خسارة نفوذها داخل حدود منافستها تركيا، وأيضاً تخشى إيران من أن عودة عناصر حزب «العمال الكردستاني» إلى شمال العراق قد تدفعهم إلى حمل السلاح ضد نظام بشار في سوريا الذي تدعمه طهران بقوة.

أما بالنسبة للعراق، فمن المفترض أن يؤدي السلام التركي مع أكرادها إلى جني مكاسب اقتصادية كبرى مع منطقة الحكم الذاتي الكردية في شمال العراق، وهو ما تسعى إليه أنقرة من خلال تعميق تعاونها مع الحكومة الكردية وتفاوضها مع رموزها لمد أنبوب ينقل نفط الإقليم عبر الأراضي التركية، وهو الأمر الذي أثار حفيظة بغداد، ووتر العلاقة بين الحكومة المركزية وإقليم كردستان في شمال العراق، وهكذا يظل أردوغان المستفيد الأول من عملية السلام الجارية مع الأكراد سواء داخلياً بوضع حد لصراع دامي ومكلف مع أقلية كبيرة داخل الوطن، أو خارجياً بتأمين مصالح تركيا في المنطقة.

ينشر بترتيب خاص مع خدمة

«كريستيان سيانس مونيتور»
Top