يؤكد سياسيون أن رئيس إقليم كوردستان مسعود بارزاني بات شخصية جامعة للكورد داخل كوردستان العراق وخارجها وأنه الزعيم الكوردي الوحيد الذي يمكن التباحث معه بشأن القضايا المتعلقة بالكورد في المنطقة.

ويحفل التاريخ بالتضحيات التي قدمتها عائلة بارزاني منذ بدايات القرن الماضي في كل كوردستان العراق وإيران في سبيل نيل الحقوق القومية للشعب الكوردي الذي قسمته اتفاقية سايكس بيكو على اربع دول هي تركيا والعراق وايران وسوريا.

وأدى التقسيم إلى تشابك قضية الكورد إلى درجة كبيرة في ظل منطقة إقليمية كانت محور العديد من النزاعات في القرن الماضي.

ويشكو الكورد من الاضطهاد والقمع على يد الأنظمة التي تحكمهم في الدول الأربع وحرموا من حقوقهم القومية على درجات متفاوتة بين الدول الاربع.

وقتل مئات آلاف الكورد على مدى العقود الماضية في الثورات التي خاضوها لنيل حقوقهم القومية وكان نصيب الكورد في العراق الأكبر وخاصة في حقبة حكم حزب البعث الذي قاده صدام حسين.

وحقق إقليم كوردستان العراق طفرة في الاقتصاد والتقدم بعد اسقاط نظام صدام مستفيداً من حصته من مبالغ ميزانية العراق المالية وتدفق الاستثمارات بعد أن كان أشد المناطق فقرا في العراق.

ويقول ممثل الحزب الديمقراطي الكوردستاني في روسيا خوشوي بابكر إن "بارزاني لعب دورا مهما في إدخال مفاهيم ديمقراطية إلى الدستور العراقي الذي أقر بمبدأ الفدرالية، وهي تجربة جديدة في العالم العربي والشرق الأوسط بات كوردستان العراق على أثرها إقليما ضمن دولة فدرالية تحترم فيها حقوق الأقليات القومية والعرقية والديني".

ورأى بابكر في جلسة طاولة مستديرة نظمتها وكالة ريا نوفوستي الروسية حول الوضع السياسي والاقتصادي لكوردستان العراق أن كوردستان العراق "يمتلك اليوم ثقلاً سياسياً دولياً يكاد يكون مستقلاً عن العراق رغمه دخوله قانونيا في نطاق الدولة العراقية".

وأشار إلى أن بارزاني "لعب دورا فعالا، لم يكن معلنا ربما، في قضايا الكورد في سوريا وتركيا رغم صعوبة القضية الكوردية بشكل عام ووجود الكثير من الأحزاب الداخلية التي تتحكم بمسار النهج الداخلي للكورد في كل منطقة، كما ساهم في دفع حزب العمال الكوردستاني للقبول بالعملية السلمية مع الأتراك".

وكانت الصحافة الأمريكية قد أكدت في أيار الماضي نقلا عن صناع قرار في البيت الابيض أن بارزاني أدى دوراً "متميزاً" في عملية السلام الجارية بين حكومة انقرة وحزب العمال الكوردستاني لنزع فتيل حرب تدور منذ ثلاثة عقود وخلف نحو 40 الف قتيل.

وقالت إن "بارزاني بذل مساعي كبرى لدفع الجانبين الى الأقتناع بأن طاولة الحوار هي الحل وعودة پ.ك.ك الى الواقع السياسي لتركيا".

وتقدمت علاقات تركيا وكوردستان العراق على نحو واسع خلال السنوات القليلة الماضية، وأبدت رئاسة كوردستان أكثر من مرة على استعدادها للعب دور الوسط لحل القضية الكوردية في تركيا ونزع فتيل الحرب.

ولم تقتصر علاقات كوردستان الاقتصادية والسياسية على تركيا فحسب بل تحركت القيادات الكوردية على محاور اقليمية ودولية لإعادة اعمار الاقليم الذي كان مسرحا لعمليات عسكرية على مدى عقود.

وباتت كوردستان من المناطق الرائدة في مجال الاستثمار في الشرق الأوسط وفاق حجم الاستثمارات 22 مليار دولار منذ سن قانون الاستثمار في 2006 توزعت على مشاريع سكنية وصناعية وسياحية وزراعية وتجارية.

وتدفقت الاستثمارات على كوردستان للاستفادة من الفرص المتوفرة والامتيازات التي يمنحها قانون الاستثمار واستتباب الأمن بخلاف مناطق العراق الأخرى.

ويرى المحلل السياسي الروسي من أصول كوردية موزار آدجويف أن نجاحات كوردستان العراق السياسية والاقتصادية "تثير اليوم الدهشة، وهي نجاحات كبيرة لم يتوقعها لا الأصدقاء ولا الأعداء".

وأضاف أن "الدور الأكبر في ذلك يعود لمسعود بارزاني الذي يُعترف به على المستويات العربية والإقليمية والدولية كزعيم قومي وحيد للكورد يمكن التحاور معه ليس فقط فيما يخص العلاقة بين بغداد وإربيل بل والقضية الكوردية بشكل عام بجميع مكوناتها السياسية والجغرافية".

واتخذت كوردستان خطوات واسعة لتحقيق الاستقلال الاقتصادي عن بغداد بعد تفاقم الخلافات المتعلقة بمناطق النزاع وإدارة ثروة البلاد وخاصة الثروة النفطية.

ولوح بارزاني أكثر من مرة باللجوء لخيار انفصال الاقليم عن العراق بعد ان اتهم شركاءه في الحكومة العراقية بعد الايفاء بوعودهم بشأن ملفات عالقة.

ويعتقد آدجويف أن العلاقة اليوم بين كوردستان العراق والحكومة المركزية في بغداد ما زالت معقدة وربما تنقطع في المستقبل المنظور.

ويرجع ذلك إلى أن "بغداد لا تنوي تنفيذ مطالب الإقليم، إنطلاقاً من إيديولوجية راديكالية لا تسمح لمتبنيها من القادة في بغداد بمختلف مذاهبهم، سنة أكانوا أم شيعة بالتوصل إلى توافق".

وأضاف "إنهم ينتهكون جهارة دستورهم القومي، لهذا فإن الحكومة العراقية من وجهة نظري غير شرعية، لذا لا يمكن أن يكون هناك استمرار إيجابي للحوار بين بغداد وإربيل، والجميع يعمل ذلك والعالم كله يعرف ذلك".

ويقول آدجويف إن "الدليل على ذلك افتتاح العشرات من الممثليات الدبلوماسية لعواصم العالم في أربيل وعشرات الممثليات التجارية ومئات الشركات العالمية في المجلات المختلفة وخاصة النفطية، وهذا لم يأت من فراغ، فالجميع يدرك إلى أين تسير الأمور".

وتابع بالقول "بارزاني حذر عمليا بغداد حينما قال (سئمت من جميع الوعود). وهناك لقاء قادم بين بارزاني والمالكي وأعتقد أن الاجتماع سينتهي بالتوقيع على اتفاق ما جديد، فقد بات هذا الأمر طقساً معمولاً به في العراق منذ زمن، إذ يلتقون ويوقعون ثم يفترقون، ولا أحد يفقه شيئاً آخر غير ذلك".

ويضيف أن بارزاني "حينما عبر عن انزعاجه كان يقصد أن شعب جنوب كوردستان (إقليم كوردستان العراق) سيستخدم حقه الدستوري بعدم الاعتراف ببغداد وهذا يعني حق الانسحاب من الفيدرالية العراقية، بحكم أن الفيدرالية لم تتحقق، والذنب هنا ذنب بغداد لا أربيل، والدلائل على ذلك كثيرة".

وكان رئيس إقليم كوردستان قد رعى اتفاقاً بين القوى السياسية الكوردية في سوريا لتوحيد مواقفهم السياسية وتنسيق الجهود في خضم الحرب الدائرة ببلادهم منذ أكثر من سنتين.

كما يحتضن إقليم كوردستان أكثر من 120 ألف من الكورد السوريين النازحين يقيم معظمهم في مخيم بدوميز ومن المقرر إقامة مخيمين آخرين في اربيل والسليمانية جراء استمرار تدفق اللاجئين.

وهناك ايضا معسكر انضوى فيه مجندون كورد فروا من جيش النظام السوري، وقال بارزاني إن كوردستان تقدم لهم تدريبات محدودة من أجل حماية المناطق الكوردية في سوريا فيما اذا تدهورت الأوضاع أكثر هناك.

ويرى آدجويف إن بارزاني "يتعامل مع مسألة الكورد في سوريا من وجهة نظر زعيم قومي، وليس بصفته رئيسا لجنوب كوردستان، وهذه النظرة يتبناها البارزاني تجاه مشكلات الكورد الإيرانيين والكورد في تركيا أيضا".

ويشدد على أن "مسعود بارزاني لا يسعى لتوحيد الكورد إرضاء لطموحات شخصية، رغم أن الكثير من الساسة الكورد ينظرون إلى هذا الأمور من هذه الزاوية الضيقة لأنهم يفكرون بهذه الطريقة".


المصدر : وكالة ريا نوفوستي الروسية