• Saturday, 29 June 2024
logo

التنافس السياسي

التنافس السياسي
منذ الازل كان ثمة خيط اخلاقي (قبل ان يصبح حقوقيا) بين ما هو تنافس مشروع، مقبول، مبرر، بين الافراد والمجموعات، وبين ما هو غير مشروع، مرفوض، مستهجن، وغير مبرر، وكان هذا الخيط يبرز في مجتمعات تتحضر، حتى في اشكاله البسيطة، مثل مباريات القوة والسيف وسباقات الخيول ومصارعات الثيران، الامر الذي اسس ما اطلق عليه مفردة “الفروسية” بالمعنى الاخلاقي للتنافس المتحضر.
والتنافس في علم المجتمع شكل من اشكال التزاحم في مجال المصالح إذ طرحت التجارب الكثير من الامثلة والحالات التي نزل فيه التنافس بين الناس منزلة المخاشنة والغدر، وبخاصة في ما تعلق بالتنافس على الثروة والسلطة، قبل ان تتمدن المجتمعات، وتزداد مساحات الحقوق، وقد اورد الشهرستاني المؤرخ كيف أهدرت دماء المسلمين، في احتفالات “ذبح جماعية”نظمها “علية القوم” خلال تنافسهم على الحكم “ما لم تُهدر لأي سبب آخر” كما اوردت تقاويم الحروب في التاريخ وقائع المجازر التي طالت ملايين من الناس وامم كاملة في نطاق التنافس غير المشروع بين الدول وحكامها.
مقابل ذلك، يحتفظ التاريخ بامثلة كثيرة عن سيادة حكمة العقل وروح الفروسية واحتقار الغش والغدر في التنافس بين المتبارين او المرشحين للحكم او العاملين في السوق والتجارة، او المقاتلين في ساحة المعركة (العفو عند المقدرة).
وفيما كانت قواعد التنافس المشروع وممارستها بين البشر تتجلى سابقا في ما يسمى بالاعراف العامة، وفقا لكل مجتمع، فانها غدت، في هذا العصر، مدونة في وثائق تتسم بالطابع الشامل، وفي معاهدات توقعها الدول، في اطار الامم المتحدة، ويشار لها في قيم والتزامات تحميها مؤسسات عالمية (منظمات حقوق الانسان) وتتحول، في هذا المجرى، الى مفردات في مناهج التعليم والتربية لتحبيبها وممارستها كأحد لوازم الحياة الانسانية الجديدة، في حين تزداد على نطاق واسع مصدات التنافس اللامشروع، الغادر.. ويُحتقر اصحابه في مفردات قادت الكثيرين منهم الى سوح العدالة.. ثم الى مزابل التاريخ.
على ان التنافس بين المرشحين الى الرئاسة او البرلمان يحتفظ بخصوصيات وقواعد متمايزة عن مجالات التنافس الاخرى، لصلتها بالسياسة والارادات، والصراع على السلطة، وفي ساحة هذا التنافس، حصرا، تظهر مناسيب تحضر المجتمعات، ومصداقية التزام النخب السياسية بالسباق الانتخابي الحر كطريق لاختيار الشعب النظام السياسي الذي ينشده.
هذا في الكتب والدساتير، واحيانا في الدعاية.. اما الواقع فله كلام آخر.

"ينتج العناد عن محاولة الإرادة إقحام نفسها محل العقل".
شوبنهاور

عبد المنعم الأعسم
Top