• Saturday, 29 June 2024
logo

السيطرة

السيطرة
في علم الإدارة المعاصرة تأكيد لأهمية “اشراك” العاملين في صياغة إدارة المشروع، سواء اكان اقتصادياً او اجتماعياً، وعند محاولة سحب هذه الأفكار على الحياة السياسية، تكون “المشاركة” والاستماع المتفتح للآخرين، من الشروط الأساسية لضمان تنفيذ المشروع السياسي وتعجيل جني ثماره.
هذا التوجه كان احد الركائز الأساس في اقامة الدولة العراقية بعد خلع النظام الشمولي، وبغض النظر عن بعض السلبيات فإن فترة الإدارة المؤقتة للعلاقة بين المجلس الوطني والحكومة المؤقتتين، حقق العديد من النتائج، كذلك فترة الحكومة الانتقالية والمجلس التأسيسي، التي يمكن القول أن صياغة ركائز الدولة تعود لهما.
ومع التردد في الإلتزام بالثوابت، أو الابتعاد عن مبادئ الإدارة المعاصرة للدولة الديمقراطية، في احترام المكونات، والسعي إلى حشد اقناعي للإرادات لبلورة محصلة وطنية يجد الجميع نفسه فيها، بدأت المشاكل تتفاقم، حتى كان تفجير المرقدين في سامراء، منزلقاً نحو معارك طائفية خسرت فيها كل الطوائف، وجنى دعاة القتل الجمعي والتعصب الطائفي والتعالي القومي مكاسب على حساب الشعب.
وما كان بالإمكان تطويق وتجفيف الكثير من منابع الإرهاب بالإجراءات الأمنية وحدها عام 2008، إنما بالعودة إلى مبادئ إدارة الدولة بمشاركة الجميع، أو على الأقل احترام المصالح المشروعة لكل مكون وطرف في اطار المصلحة المشتركة، بدون تغليب مصالح الاغلبية على الأخرين، إنما جمع كل المصالح لتكون مصلحة وطنية مشتركة بدون تعارض، والحكم هو الدستور والقانون، برغم أن احداً لن يتوهم الكمال في الدستور أو القوانين السائدة.
لكن لهجة الاعتدال وتحري نقاط الالتقاء، والعمل على تضييق نقاط الخلاف، المنهج الذي اشاع قيم دولة القانون، في مخاطبة عقول المواطنين وقواهم السياسية لتشخيص المشترك والنأي عما يثير الخلاف، وهذا تحقق بخطاب هادئ متوازن، وليس التوعد والتهديد، فالتوعد والتهديد و”الملاحقة” مارسها النظام المخلوع بشكل متصاعد حتى بات حكماً شمولياً، حكم على نفسه منذ البداية بالزوال لوضع نفسه في تعارض مع ارادات عراقية، ظن انها اقليات، لكن استمرار خطاب التشدد والعنف، جمع “الاقليات” التي توهمها لتكون اغلبية ضده واسقاطه.
مطلوب من كل سياسي التحكم بمفردات خطابه، والوعي قبل هذا بضرورة الفصل بين السلطات، ومن لديه شيء ضد طرف سياسي عليه مقاضاته لدى المحاكم المدنية، وليس العودة للتلويح بالملاحقة، فـ”الملاحقة” مفردة عنيفة تتعارض مع علم السياسة وقيم الديمقراطية، وهي مستعارة من مفردات انظمة القمع، ولو كان هناك مستشارون سياسيون وإعلاميون مؤهلون لمهامهم صادقو النصيحة، لما تورط المسؤولون السياسيون بخطاب تصعيدي يتعارض مع ألتزامهم وما يريدونه في جمع شمل العراقيين وليس الدفع نحو المواجهات الخاسرة.

حسين فوزي
Top