• Sunday, 25 August 2024
logo

هل نحن بغنى عن القوى الكردستانية؟

هل نحن بغنى عن القوى الكردستانية؟
فايق عمر
ما زالت هناك أصوات كردية سورية تبدي امتعاضها واستياءها من "تدخلات" أكراد شمال وجنوب كردستان في ثورتهم وشؤونهم. وإذا كان لهذه الأصوات ما يبررها في الماضي، فإن إبقاءها على هذه الحساسية إزاء القوى الكردستانية، التي كان لها الفضل في ولادة اتفاقية "هولير"، بين مجلس شعب غرب كردستان والمجلس الوطني الكردي، يطرح علامات استفهام كبيرة حول نوايا ومآلات أفعالها. هذه الأصوات طفحت على السطح من جديد بالتزامن مع استعداد المؤتمر الوطني الكردستاني لعقد "مؤتمر قومي" في باريس، دعما لكرد سوريا ومطالبهم، علما أن القائمين على التحضير والإعداد للمؤتمر أكدوا حرصهم على مشاركة كل الأحزاب والتيارات السياسية الكردية السورية دون استثناء، وأعلنوا أن اتفاقية هولير وحثّ الأطراف المعنية بها على الإسراع في تطبيق بنودها هي على رأس جدول الأعمال.

الاختلافات، أو الخلافات، بين الأحزاب والقوى السياسية الكردية السورية ليست بخافية على أحد، وهي لا تزال قائمة. لكن بالنظر إلى التطور الحاصل على صعيد اللقاءات والاجتماعات التشاروية التي تضع هذه القوى على طاولة واحدة في الآونة الأخيرة، وفي الوقت نفسه وجود محاولات مشتركة، حتى وإن كانت دون المنتظر والمأمول، لوضع لبنات أولى على طريق تنظيم العمل الميداني والتعاون في إدارته، يمكن القول إن اتفاقية هولير وضعت قطار العمل الكردي المشترك في غرب كردستان وسوريا على السكة الصحيحة. خطوات كهذه، حتى وإن بدت ناقصة وخجولة في نظر البعض، إلا أنها تكتسب قيمة معنوية كبيرة للشعب الكردي كونها تأتي بعد مرحلة كان يتصاعد فيها وتيرة الحديث عن احتمال اندلاع احتراب كردي ـ كردي، لدرجة أنه كان هناك من يعزو تأخره إلى غياب توازن القوى بين الأطراف المختلفة على ساحة كردستان الغربية. ثم إن هذه هي المرة الأولى التي تضم اتفاقية هذا العدد من الأحزاب والقوى والشخصيات المستقلة في تاريخ الحركة السياسية الكردية في سوريا.

بناء على ما سلف، يمكن فهم الأصوات المغردة خارج سياق العمل الكردي المشترك، والرافضة له، في هذه المرحلة بالذات. إذا لا يمكن، ولا بأي حال من الأحوال، فصلها عن تلك المحاولات الرامية للنيل من اتفاقية هولير، والانقضاض على محاولات توحيد الصف والكلمة الكردية. فالحقيقة الواقعة، رغم ما قد تحمله من مرارة للبعض، هي أن تضمين حقوق الكرد في سوريا المستقبل، أصبح مرتبطا، لحد لا يقبل الفكاك، بحجم الدعم والتأييد الذي سيتلقّونه من القوى الكردستانية، هذا سواء شئنا أم أبينا. ولذا ليس مستغربا أبدا سماع ورؤية تردد كبار المسؤولين الإقليمين والدوليين، وكذا بعض المعارضين السوريين، على القيادات الكردستانية، وإجراء مباحثات معها حول الأزمة السورية، ومستقبل القضية الكردية في سوريا.

إن كان هناك بالفعل ما استلزم التأفف والتململ من "تدخلات" القوى الكردستانية، مع بداية الثورة، وحتى قبلها، واعتبار البعض ذلك نوعا من الوصاية على القرار السياسي الكردي السوري، وتجييره لصالح "أجندات وصراعات جانبية"، فليس هناك ما يبرر مواقفها هذه، واستمرار دعواتها لإبقاء أكراد سوريا بعيدين ومنفصلين عن عمقهم الكردستاني، سيما في وقت تفاقمت فيه المخاطر المحدقة بعموم الشعب السوري، بعد أن اتخذت الثورة مسارات جديدة وخطيرة، بسبب احتدام الصراع وانزلاقه إلى الحرب الأهلية، رغم إصرار البعض، مدفوعاً بنوايا حسنة، على نفي هذه الحقيقة المعاشة على الأرض. أحد مكامن الخطر الأخرى التي تحتم على الكرد السوريين البحث عن سند وظهير، وخياراتهم هنا محصورة طبعا في عمقهم الكردستاني، هي التجاذبات الإقليمية والدولية في الشأن السوري، ومحاولة كل فريق دعم طرف الصراع الذي تتقاطع معه مستقبل علاقاته ومصالحه ليس في سوريا وحدها، بل في المنطقة برمتها. إذا، هذه المخاطر، وتماهي أطراف الصراع في سوريا مع لعبة المصالح الإقليمة والدولية، دون أدنى تحفظات، هي التي لم تترك للكرد السوريين من خيار آخر سوى الاستنجاد بأخوتهم في ما وراء الحدود، حتى إنه أصبح معتادا أن نسمع الكثيرين منهم يرددون مقولة "لماذا حلال عليهم وحرام علينا".

ما يمكن قوله بإيجاز، إن أكراد سوريا، في ظل الحالة السورية الراهنة، لا يمكن لهم البقاء بمعزل عن عمقهم الكردستاني، وخارج دائرة التعاون مع القوى الكردستانية الفاعلة في شمال وجنوب كردستان، وفي الخارج، والتي يمثلها إلى حد بعيد، المؤتمر الوطني الكردستاني. الحاجة تزداد، يوما بعد آخر، لتوطيد أركان العمل الكردي المشترك. ويمكن أن تستثمر اتفاقية هولير لهذا الغرض في المستقبل، بحيث تصبح منطلقا لتعاون أوسع وأشمل. هكذا فقط يمكن تجسيد نبض الغالبية الساحقة من الشعب الكردي. أما المعارضون لهذا التوجه والطرح، فهم مطالبون بتقديم بدائل مقنعة إن وجدت بحوزتهم، لأن الأحداث تتطور بسرعة قياسية، ولا وقت للتسويف والتأجيل، وترك مصير الناس لما تحمله قادمات الأيام من مفاجآت، ربما تكون غير سارة.
Top