• Friday, 17 May 2024
logo

السبيل لحماية أموال العراق

السبيل لحماية أموال العراق
د . مهدي الحافظ
-الصباح



استوقفني مؤخرا ، بيان السيد " رئيس ديوان الرقابة المالية "في مجلس النواب بتاريخ 18 / 4 / 2011 بشأن هدر الاموال العراقية . فقال : " وجود متابعة وسوء تصرف بالأموال العراقية خلال حكم بريمر " مشيرا الى انه لم يقدم بشأن الاموال العراقية ما يشير الى حسن التصرف بها ووفقا لتقارير تم ابلاغ ملاحظات "الديوان " للجهات الدولية واللجان التحقيقية المرسلة من الكونغرس الامريكي .واشار ايضا في البيان ذاته الى هدر اكثر من ( 17 ) مليار دولار من اموال العراق خلال ادارة الحكم المدني الامريكي السابق .
هذه التصريحات وسواها من وقائع مهمة تثير اسئلة في غاية الأهمية بالنسبة لطبيعة العوامل الخارجية والداخلية التي اسهمت بصورة مباشرة او غير مباشرة في هدر المال العام في العراق . وهنا أود ان أذكر بأن مجموعة من الخبراء والمختصين البارزين في الشؤون الاقتصادية والمالية والجامعة كانوا قبل بضعة ايام قد تدارسوا هذه المشكلة وخرجوا بتوصيات عديدة منها :-
- معالجة سوء الادارة المالية وغياب رؤية اقتصادية موحدة وضعف الرقابة بجميع اشكالها على شؤون الدولة والقطاعات الاقتصادية .
- البحث في ايجاد مخرج لما يسمى بتعويضات الكويت ، وهي المبالغ الواجب دفعها لهذا البلد وفق نسبة 5 % من عوائد النفط العراقي . بالاضافة الى اجراءات اخرى تتعلق بتصفية المشكلات والطلبات المقدمة من جهات دولية اخرى .
والحقيقة ان ديون العراق والالتزامات المالية الاخرى كانت من بين المعضلات الكبرى التي اسفر عنها التغيير السياسي الكبير الحاصل في العراق في عام 2003 . فقد اشارت التجربة الى ان الديون الخارجية تقع ضمن عدة فقرات :-
اولها تلك الديون التي اعتمدت في مباحثات " نادي باريس " في عام 2004 وتبلغ حوالي ( 120 ) مليار دولار .وهي بالأساس ديون عدد من الدول الغربية والصناعية الكبرى . وكانت الولايات المتحدة هي اول من بادر الى اعفاء العراق من ديونه العائدة لها .
ثم جاء قرار مجموعة " نادي باريس " لتجزئة دفوعات الديون على ثلاثة مراحل على اساس نسبة ( 80) بالمئة منها . وهذه النسبة ( 80 ) بالمئة هي اقل من النسبة المقترحة آنذاك من " صندوق النقد الدولي " البالغة ( 90 ) بالمئة . ولم يكن العراق آنذاك ، في وضع يستطيع معه ممارسة الاصرار وقبول هذه النسبة لاسباب سياسية معروفة . فالولايات المتحدة الامريكية كانت قد لعبت الدور الاساسي في الحملة العالمية لحل مشكلة الديون على العراق ونجحت الى حدود كبيرة . كما ان بعض السوابق الدولية في قضية الاعفاء من الديون أسهمت هي الاخرى في عدم الخروج عن هذه القاعدة . وهذا موضوع يثير العديد من التساؤلات .
وثاني الديون ، او الادعاءات المالية ، كانت محصورة اساسا بالمملكة العربية السعودية ودولة الكويت . وهي مشكلة كبيرة ما زال العراق يعاني منها، وهي مبالغ غير معروفة بصورة موثقة كما اشار بعض الخبراء، أذ ان هاتين الدولتين قد دفعت للعراق مبالغ كبيرة تتعدى العشرين مليار لتغطية النفقات العسكرية في حربه ضد ايران . لذا تسمى هذه الادعاءات بأنها ديون مقيتة Odious وغير موجهة للتنمية او حل مشاكل اقتصادية واجتماعية محددة. وهذا الامر يدخل في باب الاعراف والممارسات الدولية في مسألة الديون ومعالجتها .
وثالث المشكلات يصنف ضمن ما تبقى من ديون لصالح مجموعة من المؤسسات والافراد الامريكيين ( اي جهات خاصة غير حكومية ) وتبلغ حوالي ( 400 ) مليون دولار أمريكي . وما زالت هذه المشكلة قائمة حتى الان .
أما القضية الرابعة ، فتعود الى مجموعة الدائنين التجاريين والبالغة حوالي 2,7 مليار دولار . وهي الطلبات التي حازت على قرارات قضائية دولية وتتطلب معالجة جدية من الجانب العراقي .
والسؤال الان ، هو كيف يمكن معالجة هذه المعضلات بعد القرار المهم الذي أتخذه " مجلس الامن "الدولي بأعفاء العراق من موجبات الفصل السابع من ميثاق الامم المتحدة والذي اتخذ في نهاية السنة الماضية . اذ يقضي هذا القرار بالغاء صندوق التنمية العراق D F I بعد تموز 2011 ووضع العراق في حالة انكشاف كامل امام الضغوط الخارجية وطلبات الديون ومنها تلك الادعاءات التي اتينا على ذكرها قبل قليل .
والمعروف ان صندوق التنمية العراقي D F I قد تأسس في آيار 2003 بهدف تلقي الارصدة والعائدات العراقية ولاسيما عائدات بيع النفط وحمايته بموجب هذا القرار الدولي الذي وفر حماية حقيقية للاموال العراقية . وكذلك كان قد أقر هذا القرار بحق الكويت بأستحصال نسبة ( 5 ) بالمئة من عوائد النفط لتغطية طلباتها المسماة بـ ( تعويضات الكويت ) . والواقع ان الكويت قد استحصلت بموجب هذا القرار ما يزيد على ( 20 ) مليار دولارا حتى الان ، وهنالك حوالي ( 11 ) مليار دولارا يتعين على العراق تسديدها للكويت .
والمهم الاشارة الى ان هذا " الصندوق " كان وما زال الخزان الخارجي المصان من قبل الامم المتحدة لجميع الارصدة والاموال المستعادة من جهات عديدة ومنها – عدا عوائد النفط – المبالغ المتبقية من حساب " النفط مقابل الغذاء " وكذلك ارصدة اخرى من جهات عديدة . وهو حساب مصرفي للبنك المركزي العراقي لدى مصرف امريكي . وقد تم خلال السنوات الاخيرة سحب مبالغ كثيرة من هذا الصندوق لتسديد حاجات وطلبات العراق وذلك لتغطية نفقات الموازنة وسواها من الامور المالية .
غير ان الذي حصل ، وعبر السنوات الماضية ، ولاسيما خلال " سلطة الائتلاف المؤقتة " ان وقعت الكثير من الملابسات في الحسابات وادى الامر الى شيء من الشكوك حول مصير بعض السحوبات كما اشرنا من قبل . ولا زالت المعضلة هذه قائمة كما اشار الى ذلك رئيس ديوان الرقابة المالية في مجلس النواب مؤخرا . ولعل بعض الملابسات تدور حول سحب مبلغ ( 8 ) مليار دولارا من قبل السيد ( بريمر ) لتغطية كلفة عدد من المشاريع ولاسيما تلك المسماة بنشاطات مكتب العقود العسكرية P C O ، وفقا لنسبة ( 5 ) بالمئة من مجموع موارد الصندوق المقررة للسيد بريمر لتلك الاغراض
أن تدقيق الحسابات والتقيد باغراض الصرف الداخلة في توجهات " صندوق التنمية العراقي" كانت مودعة لدى شركة تسمى بـ KMPG وقامت هذه الشركة باعداد وتقديم تقارير مفصلة عن هذا الموضوع . ولكن بعض تقاريرها كانت مليئة بالتساؤلات حول سحوبات العراق ومصيرها النهائي .
ان هذا الوضع يوحي باحتمالات عديدة ، لاسيما بعد الغاء " صندوق التنمية العراقي" قريبا ( بعد الاول من تموز من هذا العام ) وجعل العراق وامواله مكشوفة امام الادعاءات وطالبي الديون الخارجية ومنها تعويضات الكويت والدائنين الخاصين الامريكين والديون الخاصة الاخرى . مما يستدعي اجراءات رسمية كبيرة لحفظ المال العراقي في وجه اية تجاوزات غير شرعية .
وكانت الحكومة قد تنبهت لهذا الخطر ، وقامت بتشكيل لجنة خاصة برئاسة نائب رئيس الوزراء السيد روز نوري شاويس وعضوية ممثلين عن وزارة المالية والخارجية والبنك المركزي وديوان الرقابة المالية .ويفترض ان تقوم هذه اللجنة بأعداد موقف مدروس ومتوازن حول جميع الاخطار المحتملة بما في ذلك اقتراح الحلول الضرورية للمشكلات القائمة .
ان اولى الخطوات الواجب دراستها ، تمكين العراق من التحرر من تعويضات الكويت . فلا يمكن لنا ان نستمر بدفع مبالغ طائلة ازاء الادعاء بمسؤولية العراق عن احتلال الكويت في وقت تغيرت فيه الامور جذريا وبات معروفا اقرار عدم مشروعية ذلك الاحتلال وتصفية النظام السابق وجميع مخلفاته تدريجيا .
فالكويتيون مطالبون ان يعيدوا النظر بحساباتهم ويأخذوا بنظر الاعتبار الطبيعة الجديدة للوضع السياسي في العراق خاصة وان العراق قد قام بدفع مبالغ كبيرة وهي اكثر من ( 20 ) مليار دولار حتى الان . فلا يصح ان تبقى هذه القضية معلقة ومصدر تهديد مستمر لهذا البلد ، بل العكس هو المطلوب في ان تكون الكويت والعراق عنصرين متلازمين ومتعاونين لتثبيت الاستقرار والحق والشرعية فيما بينهما وفي المنطقة .
أما الفقرات الاخرى الخاصة بالالتزامات المالية الخارجية فيجدر ان تعالج بسرعة وبصورة جدية ، خاصة وان بعضها قد قدم الى مجلس النواب لدراستها والبت فيها.
ان الخطر المحتمل على اموال العراق ، يطرح مرة اخرى ضرورة مراجعة الوضع السياسي والاقتصادي والخروج بحلول سليمة . وهذا ما ذهبنا اليه في مقدمة هذا المقال . فلا يمكن للعراق ومستقبله الديمقراطي ان يكون رهينة لسوء الادارة المالية وغياب رؤية اقتصادية شاملة وضعف الرقابة بجميع اشكالها .
فالعراق الذي نهض وتجاوز الكثير من التحديات والصعوبات مطالب ان يفتح الطريق لاصلاح سياسي شامل ومعالجة اقتصادية مدروسة وتخليص البلد من الفساد والمحسوبية وسوء الاحوال المعيشية . وهذا هو جوهر الحل الشامل المنشود والقاضي باستعادة الوحدة الوطنية الحقيقية وبناء الدولة على اساس مؤسسات شرعية واحترام ذوي الكفاءات والمواهب في جميع المجالات .
Top