• Sunday, 22 December 2024
logo

مسؤولية النخــــب السياسية

مسؤولية النخــــب السياسية
محمد عبد الجبار الشبوط
-وام

تتحمل النخب السياسية الحاكمة ، وبخاصة الرؤساء المزمنون ، المسؤولية الكبرى في اندلاع ثورة الشارع العربي في العديد من البلدان العربية الان . لقد حاولت هذه النخب ان تقايض الاستقرار بالديمقراطية ، فضحت بالديمقراطية تحت حجة تحقيق الاستقرار، والحفاظ على الامن الداخلي . وفي اطار هذه المقايضة غير العادلة ضاعت العدالة الاجتماعية ، واتضح اخيرا ان الاستقرار لم يكن سوى سراب يحسبه الظمآن ماء . وحينما جاءت الحقيقة، اتضح ان الانسان هو الخاسر الاكبر، خسر في آن واحد الديمقراطية والعدالة الاجتماعية والاستقرار. ربما صار الوقت متأخرا الان على هذه النظم برؤسائها المزمنين ان تقود عملية الاصلاح من الداخل، لتجنب الثورة الشعبية من جهة ، وللبقاء في السلطة بطبعة جديدة من جهة ثانية . حاول ذلك الرئيس المصري حسني مبارك ، لكنه فشل ، ويحاول الرئيس اليمني ذلك الان، لكن لا يبدو ان النجاح سيكون حليفه . اما الزعيم الليبي معمر القذافي فمازال مصرا على عدم الفهم على عكس الرئيس التونسي زين العابدين بن علي الذي اعترف انه فهم الدرس ، وإنْ متأخرا ثم رحل . لن يمكن انتزاع فتيل الفتنة دون الخطوة الاولى، وهي انهاء انظمة الرئاسات المزمنة . هذا الاصلاح الذي يطالب به الشارع العربي يبدأ من الرأس، حتى وان غلبت المطالب المعيشية والخدمة على بعض مشهد الشعارات المرفوعة . لابد من انهاء البقاء مدى الحياة في السلطة، والاقرار فورا بالتداول السلمي للسلطة، والتنحي عنها واتاحة الفرصة لانتقال سلمي سلس لها، لكي تبدأ فعلا عجلة الاصلاح بالدوران الاصلاح الذي يحقق في آن واحد الديمقراطية والعدالة الاجتماعية والاستقرار. يختلف الحال في العراق عن غيره من البلدان العربية الاخرى التي تشهد ثورات الشارع هذه الايام . وجوهر الاختلاف يكمن في ان النظام السياسي الحالي في العراق ديمقراطي من حيث المبدأ، ويقوم على اساس التسليم المبدئي والدستوري بالتداول السلمي للسلطة . لكن هذا ليس سببا للاطمئنان لمدة طويلة . اولا، لأن الديمقراطية العراقية ناشئة وهشة وقابلة للارتداد، وثانيا، لأن العدالة الاجتماعية والخدمات مازالت غائبة من الناحية الجوهرية، وثالثا، لأن الفساد المالي والاداري يفاقم من معاناة الناس . واخيرا، وقد يكون هذا السبب اكثر اهمية من غيره ، ان « عيوب التأسيس » تعيق التطور السلس للديمقراطية في العراق اضافة الى تمسك النخبة السياسية بمقولات لا تفعل شيئا سوى اجهاض العملية الديمقراطية.اذا ارادت النخبة السياسية العراقية تجنب المضاعفات السلبية للوضع السياسي، فان عليها ان تبادر الى اصلاح نفسها، واصلاح العملية السياسية، وازالة معوقات التطور السلس للديمقراطية، حيث انه بدون هذا لا يمكن ان نتحدث عن تحسين الخدمات ومكافحة الفساد وتعزيز الاستقرار. ومن شأن المثقفين ان يلعبوا دورا رياديا مهما في هذه العملية، خاصة اذا ركزوا جهدهم على اشاعة الوعي السياسي السليم والثقافة الديمقراطية السليمة و قيادة الجمهور بالاتجاه السليم .
Top