• Sunday, 05 May 2024
logo

ما كشفته كلمات الرئيس

ما كشفته كلمات الرئيس
قيس قاسم العجرش
-الاتحاد

أثار وصف الرئيس طالباني لمكانة مدينة كركوك بأنها كالقدس (معنوياً )بالنسبة لكردستان شهية تصريحات إنطلقت من جهات مختلفة يجمعها فقط سياق واحد فقط هو الفهم و التعاطي التقليديين مع الآخر ، الذي هو بالضرورة القوى الكردستانية هنا ومعها مطالبها التاريخية في كركوك.والشهية التي انفتحت في الردود تباينت بين طلب (الإستجواب)في البرلمان الى طلب (الإعتذار) عن التصريحات.



ورغم أن الرئيس تحدث في كلمته التي شهدتها مدينة السليمانية عن جملة مواضيع كان من بينها التأكيدعلى رمزية الوحدة الوطنية وحرية التعبير والإحتكام الى الدستور إلا أن مقص الإنتقاء كرر التعامل بذات الشاكلة الإجتزائية مع التصريحات .و الآن أمامنا فرصة لتفكيك مجمل التبادل ( التصريحات و الردود )لنحاول أن نكتشف ما لم ينقله الإعلام .إبتداء ، جاءت الردود (الأكثر في جرأتها على الرئيس) من نواب مضى على نيابتهم المفترضة للشعب الذي يمثلوه ما يقرب من عام كامل إلا أن الإعلام لم ينقل عنهم شيئاً يذكر ،سواء قولاً أو فعلاً ، ليس بسبب قطيعة إعلامية بل بسبب أنهم أصلاً غير معنيين على ما يبدو بمجمل الأزمات السياسية التي مرت بالعراق ، أكثر من ذلك لم تتلق القضية التي إنبروا للدفاع عن عروبتها المفترضة و(المهددة)بحسب أحدهم ، لم تتلق أي محاولة لحل يذكر من جانبهم .كما كشفت الأزمة التي أثارتها ردود الأفعال المخاتلة ،على العكس من صراحة تصريح الرئيس،كشفت بالضرورة قصوراً حكومياً وبرلمانياً عن التعامل مع قضية كركوك ضمن محدداتها القانونية والدستورية الطبيعية المرسومة أصلاً في دستور أوشك أن يفقد أهميته (كدستور).لقد تعامل الرادون على تصريحات الرئيس طالباني بتقليدية إنتهازية مفرطة ، لقد رأوا في تصريحات الرئيس وما اعتقدوه بأنه فرصة للرد عليها ليس سوى منبراً مجانياً “للهوسات “ العشائرية التي تستنهض مساحة غامضة من النفوذ ومحاولة(إختطاف)الرأي العام العربي في كركوك وضواحيها وأقضيتها العربية على وجه الخصوص وعلى طريقة “الفزعة “القبلية .الغريب أن هؤلاء لم يحملوا حلاً واحداً لقضية كركوك (ولا حتى مجرد محاولة )حتى و إن كان هذا الحل يقتصر على وجهة نظرهم ، بالحقيقة أن هؤلاء أصحاب (اللا حل)، وهم يتشاطرون هذه الرؤية مع شارع مشحون حاضن للإرهاب و البعث (وهو حقيقة موجودة لا يمكن نكرانها) ، على طول الخط ، كانت القوى المعارضة للعملية السياسية والتي تعارض الديمقراطية أولاً ، لا تحمل مشروعاً بعينه قدر تبنيها لعملية (مناهضة)متجردة من الإلتزامات.وليس غريباً أن تهيمن خطاطيف البعث على قضاء مثل الحويجة طالما هي لا تعد بشيء سوى القتل والتنكيل للآخر و قمة المطالب والدعوات التي صدرت من هذه الجماعات إقتصرت على مطلب الغاء إجتثاث البعث.ولو افترضنا بأن تصريحات الرئيس طالباني هي رؤية (حزبية) تخرج عن نطاق مهام الرئيس إلا أنها تمثل قناعة مجرّدة بكردستانية كركوك وهو أمر لم تستبطنه أوتظهر غيره القوى الكردستانية في جميع مراحل عملها بعد التغيير وتبدي خلافه ، هي بالأصل لم تتبنى غيره.ولو إفترضنا أيضاً على سبيل الجدل بأن كركوك ليست كردستانية لوجدنا أن من المستحيل عملياً إثبات عروبتها الخالصة( لم يطرح أشد المتطرفين في قضية كركوك أنها خالية من القومية الكردية) وبالنهاية هي نقطة تلاقي إجتماعية لمكونات عراقية مختلفة ، هذا التلاقي لا يفترض أن يبتني وجوده طواعيةً إذ لابد من “القسر” للإستمرار وهو ما تفعله بالضبط القوى التي تطوعت للرد على الرئيس ، هي تفعل فعل المناهضة عن طريق التحالف الجزئي في الحصيلة مع مكونات التمرد المسلح في كركوك..وهي(مثلث القاعدة و البعث و الجريمة المنظمة).صحيح أن في تصريحات الرئيس طالباني الكثير مما هو كردستاني بحت، لكن هنا نسأل ، هل سبق للقوى الكردستانية أن أخفت مطالبها في كردستانية كركوك ؟ الم تكن المادة الدستورية (140)طريقاً لمراحل حل ملف المناطق المتنازع عليها ؟و إذا كانت تصريحات الرئيس طالباني غير (دستورية) كما أشار أحد النواب من الذين أشك كثيراً بأنه قرأ الدستور ، فكيف نفسر تصريحات متواترة ومتكررة من سياسيين تبنوا مناهضة الحل في كركوك تفيد بأن المادة (140)لم تعد عاملة ولم يعد لها ملف للتنفيذ في مخالفة صريحة ومقاومة للدستور.هل يمكن أن نقول اليوم أن بنداً من الدستور قد خرج عن الخدمة بينما تبقى بقية المواد عاملة ؟أكثر من هذا ، هل يمكن لسياسي يحتل مقعداً تشريعياً أن يتبنى موقفاً كهذا ؟ لنا أن نسأل هنا هل هو يتعامل مع دستور أم كتيب لإشارات المرور؟إن هذا الإجتزاء والإنتقاء في التعامل مع القضية الكركوكية هو بالأساس ما أعاق الحل على مدى سنوات طويلة مرّذت بعد نيسان 2003, وهو أيضاً ما أجل إنتخابات مجلس محافظة كركوك المستحقة منذ العام 2009 .يتحدث مناهضو الحل في كركوك عن تغيير ديموغرافي تقوم به الأحزاب الكردستانية ، لكن (إن صح هذا ) فهو أمر لا يمكن إخفائه أمام ممارسة مثل الإحصاء السكاني التي منعها ذات المناهضين و الإحصاء الممنوع هنا هو جزء لا يتجزأ من خارطة الطريق الدستورية لحل قضية كركوك .وبالنهاية لا نجد في كركوك اليوم كردياً طلبت منه حكومة إقليم كردستان أن يسكن المدينة لكن من السهولة أن نجد عشرات الآلاف من العرب ذوي الأصول الجنوبية تحديداً من الذين أغراهم أو قسرهم النظام السابق على الهجرة الى كركوك بهدف التغيير الديموغرافي المقصود وهي حقيقة لها آلاف الشواهد وعشرات الآلاف من الوثائق التي خلفها النظام.

إذن الحكومة عليها أن تتحمل نصيباًواضحاً من المآل والتعقيد الذي صارت إليه قضية كركوك ، وعليها أن تجيب (كحكومة)عن أسباب التقاعس عن توفير غطاء إداري ومالي للحل ولماذا لم يحصل هذا؟.
Top