عراق اليوم : بين صِدق الأصلاح ومصداقية الكلمة
-الإيلاف
أعضاء مجلس النواب العراقي ورئيسه يقفون في صف الجماهير والطبقات الشعبية، يطالبون ويطالبون ويطالبون الحكومة، وتحديداً رئيس الوزراء بسرعة تقديم الخدمات ألاساسية المفقودة، وسرعة التنفيذ ( لتشريعات لم تُشرع وقوانين لم تصدر ويتطلب صدورها منهم بالذات).
بعد 7 سنوات من جلوسهم على مقاعد نيابية لتمثيل الشعب و7 أشهر من تشكيل حكومة ترقيع وتطبيب مُنتخبة لاتتفق مع بعضها على الأداء، ومن ثم تتفق مؤقتاً على أحلال معظمهم للجلوس ثانية في مقاعد تشريعية. نرى فجأة قائمة طويلة من (مسودات أقتراحات أصلاح) قٌُدمتْ على عجل بعد أجتماع حكومة المالكي بتشكيلة وزارته الجديدة، للمصادقة على جملة أصلاحات أرتأها أعضاء برلمانيون (في السلطة التشريعية التي من أختصاصها دراسة مشاريع ومسودات قوانين وأقرارها ) بأنها تلبي مصالح الجماهير وتحتاج سرعة العمل.
ولستُ هنا بصدد التفريق النصي بين واجبات السلطتين ( التشريعية والتنفيذية ) التي أترك للأخرين الحديث عنها، كما لن يكون غرضي هنا التقليل من شأن المسؤولين وفهمهم لواقع الحال العراقي ( وهم الأعضاء المنتخبون في السلطة التشريعية والأخر في السلطة التنفيذية )، كما لن يكون هدفي هو رفع شأن السلطة التنفيذية التي تمثلها ( رئاسة الجمهورية ورئاسة الوزراء ) وتفضيلها على السلطات الأخرى، فالكل مقصرون الى درجة الخيبة وعدم التفريق بين النعمة والنقمة و يطالبون خالق الكون زخات مطر تُعيد الحياة الى طبيعتها.
كانت الخيبة الأولى عندما وضعوا اللوم على صناديق الأقتراع المُزورة والمخلوق السياسي الخارجي المخرب لأرادة الخالق من ( فارسي، سوري، سعودي، أو قاعدي ) ولم يضعوها على صراعات وخلافات داخلية بينهم دامت 7 أشهر من جفاف الخدمات الأساسية للعراقيين، سبقتها 7 سنين من الخراب وأدخالهم للمُخربين. والمؤرخون منهم، يعيدون تثقيفنا بأن بناء سور الصين العظيم وأهرامات مصر لم تنجزا بين يوم وليلة. فما علينا أِلا الصبر والأنتظار، ووعدوا بمعجزات ستتحقق خلال 100 يوم قادمة. وها نحن ألتزمنا تحديداً بمئة يوم للأنجاز والتنفيذ العظيمين. أما أذا لم يكن في المستطاع تنفيذ الوعود، بنفس سرعة أنجازاتهم لرواتبهم ومخصصاتهم وأمتيازاتهم التي منحوها لأنفسهم " ربي قد آتيتني المُلك "، فأنهم سيتراشقون تُهم التقصير أعلامياً وتلفزيونياً ويشيرون الى المقصرين وكيفية محاسبتهم على الفضائيات التي عادة ماتبدأ بشطارة الحديث " بأسم الله الرحمن الرحيم ".
المقصرون الحاليون، هم من في السلطة اليوم، طغاة تربعـوا على صـدورالشعب يحدوهم الأمل بالبقاء لعقود من الزمن. وسيستمر البعض منهم في تأييد مطالب شعبية عراقية عن طريق التظاهر والأحتجاج وتغيير المناهج والمواقف. فتراهم (مع السلطة، ضد السلطة ) وتستمر مطالباتهم بتوزيع البطاقة التموينية ويهتفون بها داخل أروقة البرلمان، وتتعالى أصوات وشعارات الجماهير ويرفعوها في الهواء ويتلاسنوا بها من محطات فضائية أعلامية بتصريحات نارية تصدر مباشرة من ممثلي القائمة العراقية والدعوة والصدرية والمجلس الاسلامي والأحزاب الكردية وبمشاركة ممثليهم في تظاهرات ساحة التحرير.
تتنازع على تنفيذ أوراق الأصلاحات وتقديم الخدمات الفورية مجموعتان (الحكومة – البرلمان ). وزعما نيتهما السريعة في العمل ضد الفساد المستشري في أجهزة الدولة و نقص الخدمات الأساسية وأيجاد فرص عمل والقضاء على البطالة.
كيف شاءت الأقدار أن تتسابق السلطتان ( التنفيذية والتشريعية) في مارثون الأصلاحات بعد 7 سنوات من أكتشافهم لأزمات لانهاية لها ؟ والله لاأعرف.
مايقلقني هنا هو وجود تقاطعات وأختلاطات في الصلاحيات الدستورية عند (تسويق أفتراضين محتملين ) للأصلاحات السياسية والأدارية التي تتم كما يقال (أرضاءاً) لمطالب شعبية مُلحة، يتبناها رئيس مجلس النواب ومجموعته التشريعية من جهة، ورئيس الوزراء ومجموعته التنفيذية من جهة أخرى. والأفتراضان مطروحان من الحكومة والمجلس بجدية عالية وأنفعال حاد.
أما ما سيؤدي الأفتراضان اليه، فهو في علم الغيب. فالناطق الرسمي باسم الحكومة العراقية علي الدباغ في تصريح مكتوب تلقت "إيلاف" نسخة منه قال "إن ورقة الإصلاحات الإدارية والسياسية والخدمية ومكافحة البطالة التي إعتمدها مجلس الوزراء خلال جلسته الثانية عشر الإعتيادية المنعقدة اليوم تتضمن إصلاحات".
من ناحية أخرى نرى الوصفة السحرية التي أتخذها مجلس النواب وصوّتَ عليها وكأنها ستعيد للعراق ماضي مجده وسيادته وعزة شعبه، فقد جاء فيها " صوّتَ مجلس النواب على تشكيل لجان تحقيقية في المحافظات على خلفية التظاهرات الاخيرة". وطالب رئيس البرلمان اسامة النجيفي "بوضع لائحة باهم الازمات التي يعاني منها الشعب"، ودعا الى " تشكيل خلية ازمات نيابية حكومية مشتركة تضع حلولا عاجلة ونهائية وفقا لجدول زمني محدد ومعلوم للازمات الكبرى في مختلف المجالات". |
و خطورة تصريحات السياسيين ووعودهم بألأصلاحات لاتدخل أِلا في باب الوعود ولن تدخل في حقل الأنجاز أطلاقاً. وفي الحالة العراقية، أِن كان صدورها من مجموعتين أخفقتا في الأصلاحات ونجحتا في التصريحات، وتتسابق كل منهما اليوم بشكل متشابك غير مُنسق دستورياً في عرض الوصفات العلاجية دون مراقبة أومحاسبة. وفي حالة عدم الألتزام أي من المجموعتين بتحقيق الأصلاحات والمنجزات التي ألتزمتا بها وأستمرار تردي الأوضاع الأجتماعية والأقتصادية و السياسية، فالوصفة السحرية التي سيخرجان بها الى الشارع لن تشفي العلل ولن تُنهي الجماهير الغاضبة للتعبير عن نقمتها أو تثني عزمها عن ملاحقة الأدارة الحكومية الفاشلة والمطالبة بتنازلها عن السلطة كلياً ومحاسبتها قضائياً.
هذه هي الديمقراطية.