• Thursday, 02 May 2024
logo

ما الذي يرعبهم من نص المادة 140 من الدستور العراقي ؟

ما الذي يرعبهم من نص المادة 140 من الدستور العراقي ؟
زهير كاظم عبود
-KRG


في قانون أدارة الدولة العراقية للمرحلة الأنتقالية ، نصت المادة 58 انه من اجل رفع الظلم الذي سببته ممارسات النظام السابق ، المتمثلة بتغيير الوضع السكاني لمناطق معينة ، بضمنها منطقة كركوك ، من خلال ترحيل ونفي الأفراد من أماكن سكناهم ، ومن خلال الهجرة القسرية من داخل المنطقة وخارجها ، وتوطين الأفراد الغرباء عن المنطقة ، وحرمان السكان من العمل ، ومن خلال تصحيح القومية ، ولمعالجة هذا الظلم ، على الحكومة الانتقالية اتخاذ الخطوات التالية :

(أ‌) ـ تقوم الحكومة العراقية الانتقالية ولا سيما الهيئة العليا لحل نزاعات الملكية العقارية وغيرها من الجهات ذات العلاقة، وعلى وجه السرعة، باتخاذ تدابير الخطوات التالية:
1. فيما يتعلق بالمقيمين المرحلين والمنفيين والمهجرين والمهاجرين، وانسجاما مع قانون الهيئة العليا لحل نزاعات الملكية العقارية، والاجراءات القانونية الاخرى، على الحكومة القيام خلال فترة معقولة، باعادة المقيمين الى منازلهم وممتلكاتهم، واذا تعذر ذلك على الحكومة تعويضهم تعويضا عادلا.
2. بشأن الافراد الذين تم نقلهم الى مناطق وأراض معينة، وعلى الحكومة البت في امرهم حسب المادة 10 من قانون الهيئة العليا لحل نزاعات الملكية العقارية، لضمان امكانية اعادة توطينهم، او لضمان امكانية تلقي تعويضات من الدولة، او امكانية تسلمهم لأراض جديدة من الدولة قرب مقر إقامتهم في المحافظة التي قدموا منها، او امكانية تلقيهم تعويضا عن تكاليف انتقالهم الى تلك المناطق.
3. بخصوص الأشخاص الذين حرموا من التوظيف او من وسائل معيشية اخرى لغرض اجبارهم على الهجرة من أماكن إقامتهم في الأقاليم والأراضي، على الحكومة ان تشجع توفير فرص عمل جديدة لهم في تلك المناطق والاراضي.
4 . اما بخصوص تصحيح القومية فعلى الحكومة الغاء جميع القرارات ذات الصلة، والسماح للاشخاص المتضررين، بالحق في تقرير هويتهم الوطنية وانتمائهم العرقي بدون اكراه او ضغط.
(ب) ـ لقد تلاعب النظام السابق ايضا بالحدود الادارية وغيرها بغية تحقيق اهداف سياسية. على الرئاسة والحكومة العراقية الانتقالية تقديم التوصيات الى الجمعية الوطنية وذلك لمعالجة تلك التغييرات غير العادلة. وفي حالة عدم تمكن الرئاسة الموافقة بالاجماع على مجموعة من التوصيات، فعلى مجلس الرئاسة القيام بتعيين محكم محايد وبالاجماع لغرض دراسة الموضوع وتقديم التوصيات. وفي حالة عدم قدرة مجلس الرئاسة على الموافقة على محكم ، فعلى مجلس الرئاسة ان تطلب من الامين العام للامم المتحدة تعيين شخصية دولية مرموقة للقيام بالتحكيم المطلوب.

(ج) ـ تؤجل التسوية النهائية للاراضي المتنازع عليها، ومن ضمنها كركوك، الى حين استكمال الإجراءات أعلاه، وإجراء إحصاء سكاني عادل وشفاف والى حين المصادقة على الدستور الدائم. يجب ان تتم هذه التسوية بشكل يتفق مع مبادىء العدالة، اخذا بنظر الاعتبار إرادة سكان تلك الأراضي.

يقينا إن كل عراقي يعرف ويدرك مخطط النظام البائد في ما يخص تغيير حقيقة ومعالم مدينة كركوك ، وجميع اصحاب الوجدان والضمير الحي يعرفون ايضا المخططات التي استهدفت الوجود الكوردي والتركماني في هذه المدينة ومخطط التغيير الذي سعى له النظام البائد ، وبسبب النزعات الشوفينية البغيضة تم ترحيل عشائر وعوائل عربية من مناطقها الى كركوك ، قسم منها قسرا وقسم منها ترغيبا ، كما عملت السلطات البائدة على ترحيل اعداد كبيرة من الكورد والتركمان من منطقة كركوك ، وعملت على تغيير قومية العديد من المواطنين تحت ضغط الحاجة والقسر ، وحيث إن تلك الاساليب والمخططات كانت بقصد احداث نتائج تريدها سلطة صدام ، ممايوجب أن يتم ايقافها والعمل على حصر نتائجها ومحاولة الغاء جميع اضرارها الإنسانية .

وجاء نص المادة 58 من قانون أدارة الدولة للمرحلة الأنتقالية ، والذي كشف قانونيا عن حجم المشكلة التي احدثها النظام البائد ، ووضع في سبيل تلافي تلك النتائج حلولا عامة في إشارات صريحة ومؤجلة على حساب وجود مواطنين كورد لم يزلوا يقيمون في المخيمات دون مأوى ، ومع وجود مواطنين كورد وتركمان تم ابعادهم عن كركوك قسرا ، ومع وجود مواطنين كورد وتركمان تم تغيير قوميتهم ، ومع وجود مقاطعات تم الحاقها بمناطق اخرى ملاصقة لكركوك ، مع وجود كم هائل من المنازعات العقارية التي ينبغي الأهتمام بها ووضع الحلول العاجلة والأنسانية لها .

وطيلة الفترة الأنتقالية لم تجد قضية كركوك سوى التسويف والمماطلة والتأجيل ، ولم نجد من الحكومات التي تعاقبت على الحكم حلا جذريا للمشكلة التي ارادها النظام البائد ، ولم تجد أهتماما يتناسب مع محنة الناس فيها ، فقد باتت شعارات التأجيل والتهميش تتغلب على كل الحلول ،وعادت نغمة الشوفينية البغيضة التي نادت بها السلطة البائدة تنتشر بين الناس ، كما انتشرت الأشاعات المغرضة التي تريد اعماء الحقيقة وابعاد الناس عن فهمهما .

وحين تم اقرار الدستور كان نص المادة 140 من الدستور تشير الى :

أولاً: تتولى السلطة التنفيذية اتخاذ الخطوات اللازمة لاستكمال تنفيذ متطلبات المادة (58) من قانون ادارة الدولة العراقية للمرحلة الانتقالية بكل فقراتها.
ثانياً: المسؤولية الملقاة على السلطة التنفيذية في الحكومة الانتقالية والمنصوص عليها في المادة (58) من قانون إدارة الدولة العراقية للمرحلة الانتقالية تمتد وتستمر إلى السلطة التنفيذية المنتخبة بموجب هذا الدستورعلى ان تنجز كاملة (التطبيع، الاحصاء وتنتهي باستفتاء في كركوك والمناطق الاخرى المتنازع عليها لتحديد إرادة مواطنيها) في مدة اقصاها الحادي والثلاثون من شهر كانون الاول سنة الفين وسبعة.))

ومنذ اقرار الدستور والعمل به ، كان لزاما على السلطة التنفيذية الأهتمام الكافي والمعقول لتنفيذ متطلبات النص المذكور ، وبالرغم من حجم المشكلة وأنعكاس اضراراها الإنسانية على مجمل من تعنيهم القضية ، وخصوصا شرائح العوائل التي لاتجد لها مأوى أو التي تم استلاب ممتلكاتها أو التي تم تهجيرها خارج منطقة كركوك ، لم تكن هناك سوى المماطلة والمواقف اللينة والتصريحات التي تصاحبها الوعود ، دون ادنة تجسيد لتلك الحلول الدستورية أو التي اوردتها نصوص قانون المرحلة الأنتقالية .

وصار الحل في تشكيل لجنة برلمانية يتم منحها صلاحيات للعمل على تنفيذ متطلبات المادة 58 من قانون المرحلة الأنتقالية ، وتنجز عملها في التطبيع وأقتراح الحلول العملية والأحصاء في مدة أقصاها 31/12/2007 ، وأستبشر العراقيون بأنتخاب السيد حميد مجيد موسى سكرتير الحزب الشيوعي العراقي ، بالنظر لما لموقف الحزب الشيوعي من قضايا مهمة في العراق ، ولأدراك القيادة التخريب الذي حصل في الزمن الصدامي ، ومعرفة السيد موسى بتلك الحقائق ، الا إن جهود اللجنة تم تسويفها ، كما عملت جهات عدة على عرقلة عمل اللجنة ووضع العراقيل والعقبات في سبيل انجاز مهمتها .

وحيث لم يبق من الوقت سوى اشهر معدودة ينبغي التقيد بعبارة ( في مدة اقصاها ) لأنجاز المهمة ، وفي هذا الوقت بالذات بدأت بعض الأصوات تتعالى ضد المادة المذكورة ، فما الذي جرى وكيف تغير الحال وما هو المبرر لهذه الاصوات ؟

ثمة من يقول أن القضية ستؤول الى انسلاخ كركوك من العراق ، وثمة من يتهم القيادة الكوردستانية لقضم مدينة كركوك ، وهناك من يريد انقاذ كركوك من الكورد ، وأخر يطالب بحل انساني وديمقراطي وفق وجهة نظره وليس وفقا للدستور ، وكتابات تدعو لأن تكون كركوك كما كانت في عهد الطاغية ، وأصوات تبحث في الظلام عن اية قضية تثيرها بقصد ذر الرماد في العيون للطعن في حق الكورد ، وأصوات اخرى لاترى في الفيدرالية حلا منطقيا ليس للكورد وحدهم وأنما لكل العراق ، وبالتالي فأن جنة العراق القادمة في الشكل الدستوري الذي أراده الدكتاتور البائد ، ومهما كان فأن الأمر الوحيد الذي يتغيب عن هؤلاء هو الحل الانساني والمقبول الذي رسمته المادة 140 من الدستور ، وكركوك في كل الأحوال لن تلحق بأيران ولابالكويت ، ولن يتم اقتطاعها من جسد العراق ، وهي باقية ولتطمئن القلوب الواجفة من أنها مدينة عراقية يقيم بها الكورد والعرب والتركمان ، ومدينة نموذج للتآخي والمحبة ، ومن يتابع تصريحات القيادات الكوردستانية يدرك ذلك ، وأن استعادة المظلومين لحقوقهم ، وان اعادة المغصوبين لعقاراتهم لايشكل مظلمة لأحد وانما اعادة للحق وتقويم للعدالة ، ورد المظالم مطلب انساني يطالب به الجميع ، فمن غير المعقول إن ينادي بعض بأبقاء ظلم صدام على الناس في كركوك ، كما إن الغاء كل الاجراءات وأبطال الاساليب التي جاء بها نظام صدام قرار عراقي وطني ، ليس على كركوك فقط وأنما على كل مدن العراق ، وعلى سبيل المثال فقد تم الغاء تحديد الملكية العقارية الذي اصدره صدام والذي عانى منه اهل العراق ، واصبح للعراقي شراء العقار في كل مناطق العراق ، ولم يجد الغاء القرار المذكور سوى الترحيب والقبول ، كما إن قرار لجنة كركوك بأعادة العشائر العربية الى مناطقهم التي جاءوا منها في الفرات الأوسط بموافقتهم وبتعويض مالي مجزي عين الصواب ، حيث إن الكثير من هؤلاء جاءوا قسرا ولايتناسب معهم بقاءهم في مناطق كركوك وأراضيهم الزراعية متروكة في مناطق الفرات ، كما إن موافقة العديد منهم شرط اساسي في العودة وأستعادة الكوردي أو التركماني ارضه التي تم ترحيله عنها .

التخوف الذي يبديه بعض ناتج اما عن عدم تبصر أو استيعاب لما جرى لكركوك ، أو إن الضمير لم يزل ملوثا بعداء شوفيني في القلب ويسيطر على العقل ، ثمة من لايجاهر بهذا العداء لكنه لم يتخلص منه وقد لايتخلص منه أبدا ، فمن يريد الحق والعدالة لنفسه عليه إن يقتنع بحق الآخرين ، والأقتناع بالحق ليس مجرد مزاعم وأدعاء .

أن الغاء جميع الحلول المطروحة والنظر لمشكلة كركوك نظرة تنم عن كراهية مبطنة لاتوصلنا لحلول مقبولة ، كما إن التصادم مع نص دستوري يرسم حلا انسانيا لمشكلة قائمة قد نتوصل الى الخطوات الاساسية في حلها ، يشكل عنادا غير مقبول ولاينسجم مع الدستور ، ولو تم طرح أي حل آخر للمشكلة يمكن إن تكون نقاط مثار للنقاش ، ولكن إن تلغي النص وتلغي اللجان وأن نعود القهقرى الى ايام الطاغية المقبور وقراراته في الترحيل وتغيير القومية ونقل السكان وتهجيرهم ، فهو حقا غير مقبول ويتعارض مع المنطق والعدالة .

ونتسائل عن ماذا يرعبهم من نص المادة 140 من الدستور ؟ وبدلا من التمسك بالنص وحث اللجان والسلطة التنفيذية للأسراع في تنفيذ ما تتطلبه المسؤولية ، فالكورد والتركمان والعرب الذين يقيمون في كركوك هم بشر وبحاجة لأي حل انساني يعيد حقوق الإنسان وينسجم مع وضع المدينة ويعترف بكامل تاريخها الذي حاولت السلطات الشوفينية إن تغطيه وتخفيه ، غير إن الحقيقة لابد وان تقوم مثل الشمس .

ونص المادة 140 لايدعو للرعب والخوف ، وليس هناك مبرر يدعو بعض الأصوات لترتفع في ظل الحرية والديمقراطية المنفلتة تريد التحلل من نص دستوري ، حيث إن التمسك بهذا النص يجسد احترام الدستور والقوانين ، كما يثبت جدية السلطة التنفيذية في المساهمة بحلول أنسانية ترتفع لمستوى قضية كركوك .
Top