• Sunday, 22 December 2024
logo

مشكلة كركوك ...

مشكلة كركوك ...
عدنان حسين
-صحيفة أوان الكويتية

في العراق ثمة مشكلة اسمها كركوك. وهي كبيرة وخطيرة في الواقع. فاستقرار العراق ومستقبله الآمن المزدهر مهددان تماما مادام حل هذه المشكلة لايزال معطلا. وعن سابق إصرار وتعمّد.
في ظروف أخرى ما كان للعراق أن يعرف هذه المشكلة. ولا المشكلة الأم المتعلقة بالقومية الثانية في البلاد: الكرد. فلو كان كرد ولاية الموصل العثمانية مثلا. قد أبلغوا عصبة الأمم قبل خمس وثمانين سنة رغبة مختلفة عن الرغبة التي أعلنوها. ما كانت كركوك. ولا السليمانية. ولا أربيل. ولا دهوك. ولا الموصل ربما. جزءا من خريطة دولة العراق الحديثة كما هي اليوم.
كانت تركيا الأتاتوركية قد تنازعت على تبعية ولاية الموصل العثمانية. مدعية أنها من حقوقها.. لكن بريطانيا الطامعة بنفط العراق. والذي كان متركزا آنئذ في منطقة كركوك. سعت لإلحاق الولاية بالدولة التي شكلتها لعرب العراق من ولايتي بغداد والبصرة. بقيادة الملك (الشريف سابقا) فيصل. ابن شريف مكة والحجاز حسين. وأحيل النزاع التركي- العراقي (البريطاني) إلى عصبة الأمم لتقرير مصير ولاية الموصل. فأوفدت العصبة بعثة إلى الولاية واستطلعت آراء الزعماء الكرد من دون غيرهم. فقرروا (وهذا ما نقلته البعثة وأعلنته العصبة رسميا). أنهم يرغبون في دولة كردية مستقلة. حالهم في ذلك حال جيرانهم العرب والترك والفرس وغيرهم. وإذا كان ذلك غير ممكن. وأن لا خيار أمامهم غير الالتحاق. إما بتركيا. أو بدولة العرب في العراق. فإنهم يفضلون العرب على الترك. شريطة أن يؤمّن لهم سياسيا نوع من حكم ذاتي. وهذا ما كان. فقد ألحقت ولاية الموصل بالمملكة العراقية. وعلى هذا الأساس. عدّل البرلمان العراقي دستور العام 1925 لينص على الوضع المميز للكرد وعلى حقوقهم.
مشكلة كركوك. والمشكلة الأم (الكردية) برمتها. لم تنشأ حقيقة. إلا بعدما تنكرنا نحن العرب للجميل الكردي. فبعد وفاة الملك فيصل (الأول) تعرّض ذلك الدستور. الذي وضع الأساس لنظام ديمقراطي. لانتهاكات متواصلة ومتفاقمة على مختلف الصعد. حالت بالتالي دون تحوّل العراق إلى دولة ديمقراطية مستقرة ومتطورة. كما أراد لها مليكها الأول. وفي إطار تلكم الانتهاكات. جرى تعطيل البنود الخاصة بحقوق الكرد.
مثل قطعة جليد صغيرة تدحرجت على سفح جبل مكسو بالثلج. كبرت المشكلة الكردية وتفاقمت. وذلك كنتيجة لسياسات القمع والإبادة التي انتهجتها الحكومات العراقية المتعاقبة لمنع الكرد من ممارسة حقوقهم التي نصت عليها الدساتير الدائمة والمؤقتة المتعاقبة. ولمعاقبة الحركة التحررية الكردية التي تصدرت نضال الكرد لنيل حقوقهم. ومن أجل الديمقراطية في العراق كله.
ومشكلة كركوك في طورها الراهن نسخة طبق الأصل عن المشكلة التاريخية. فدستور العام 2005 رسم خريطة طريق واضحة لحل مشكلة كركوك والمناطق الأخرى المُختلف عليها. لكن المشكلة أن الحكومة الحالية. كما الحكومتان اللتان سبقتاها. عطلت تنفيذ الخريطة التي أستُفتي عليها الشعب العراقي ومنحها أصواته. وخلف ذلك يكمن مرة أخرى نكران الجميل منّا نحن العرب والموقف الشوفيني منّا ومن الطورانيين التركمان.
مشكلة كركوك والمناطق الأخرى هي واحدة من المشكلات الوطنية الكبرى التي ورثناها عن أنظمة الاستبداد والقمع المختلفة. التي كان الكرد أكبر ضحاياها. وأول شروط حل هذه المشكلة أن يجري التعامل معها على هذا الأساس. من دون الاستهانة بحقوق الكرد ومعاناتهم الطويلة. أو التهوين من خطر المشكلة. وآخر هذه الشروط أن تتحمل الحكومة (الحالية أو اللاحقة) مسؤوليتها الكاملة في تطبيق أحكام الدستور. وتنفيذ ما يمليه عليها من واجبات.
آنيا. وارتباطا بالاستحقاق الانتخابي. يمكن حل عقدة تمثيل كركوك في البرلمان بتشريع قانون انتخابي يجعل من العراق دائرة انتخابية واحدة. واعتماد نظام القائمة المفتوحة. وعلى المدى البعيد. لحل المشكلة برمتها. يتعين تطبيق المادة 140 من الدستور لتنفيذ خريطة الطريق التي صوت عليها أغلبية الشعب العراقي.
وأي إجراء آخر. إنما يزيد من حجم كرة الثلج التي أصبحت هائلة. وتهدد بخراب أكبر للعراق الذي لم يبق فيه أصلا من مكان للخراب الشامل إلا القليل.
Top