• Thursday, 02 May 2024
logo

الجيش العراقي والوحدة الوطنية

الجيش العراقي والوحدة الوطنية
حسين علي الحمداني

جریدة الصباح

المتابع لتاريخ الجيش العراقي سيجد بأنه ولد وتأسس قبل ولادة الدولة العراقية بأشهر، حيث إن تأسيس الفوج الأول من الجيش العراقي كان في السادس من كانون الثاني عام 1921، بينما تأسست الدولة العراقية في نهاية آب من العام نفسه.
لهذا كان وجود الجيش النظامي أحد ركائز الدولة العراقية في مرحلة ما بعد ثورة العشرين التي كانت من أهدافها إقامة وتأسيس حكومة وطنية بعيدا عن وصاية بريطانيا العظمى آنذاك.لهذا شكل تأسيس الجيش العراقي نقطة بداية صحيحة في بناء وتكوين مرتكزات الدولة وفق مقتضيات مرحلة ما بعد الحرب العالمية الأولى وما تركته من آثار وتداعيات على مجمل العالم وخاصة منطقة الشرق الأوسط التي تقاسمتها القوتان البريطانية والفرنسية وفق اتفاقية سايكس بيكو لعام 1916 التي قسمت المشرق العربي مناصفة بين الدولتين تاركة فلسطين مقسمة ما بين مناطق نفوذ للعرب وأخرى لليهود وثالثة تحت الانتداب البريطاني.
ولعلنا لا نبالغ إن قلنا بأن تأسيس جيش عراقي في ذلك الوقت يعني فيما يعنيه وحدة العراق خاصة وإن بعض الآراء التي كانت مطروحة إثناء وبعد الحرب العالمية الأولى كانت تدعو لتقاسم مناطق النفوذ من قبل لندن وباريس في العراق حيث يكون وسط وجنوب العراق تحت الوصاية البريطانية ومناطق الموصل جزءا من مسؤولية فرنسا، وبالتالي فإن ثورة العشرين بأبعادها السياسية مكنت من أن تشكل مشروعا نهضويا كبيرا جدا في الحفاظ على وحدة العراق من جهة ومن جهة ثانية صياغة رؤية صحيحة وصائبة لشكل الدولة العراقية التي ولدت كما قلنا في آب 1921 لتجد ثمة جيش ترعرع ونما وفي طريقه للتطور ليكون مع الشعب في مسيرته.
لذا كانت خطوات بناء الجيش العراقي سريعة ومتكاملة من ناحية التجهيز وبناء الوحدات البرية والبحرية والجوية وبوقت مبكر ربما سبق الكثير من الدول العربية في هذا المضمار، واستقرت فلسفة وعقيدة الجيش العراقي منذ تأسيسه وحتى تموز 1958 وفق العقيدة البريطانية سواء بالتدريب أو التخطيط الستراتيجي أو التسليح، ورغم هذا فإن دور الجيش العراقي في ذلك الوقت وكما يعرف الجميع كان مع الشعب دائما ولم يقف يوما بالضد من هذا خاصة وإنه كان طرفا رئيسا ومهما في حرب فلسطين عام 1948 وقبلها كان الطرف المباشر في انتفاضة 1941 ضد الوصي عبد الاله وبريطانيا التي كانت تخوض غمار الحرب العالمية الثانية ضد دول المحور بزعامة ألمانيا النازية آنذاك.
وما يمكننا أن نلاحظه بأن للجيش العراقي أدوارا منها وطنية داخل العراق تأخذ طابعا قتاليا تارة وإنسانيا تارة أخرى ولعل من المواقف المشهودة للجيش العراقي هو دوره في الفيضانات التي كانت تجتاح مدن العراق وخاصة بغداد وتسخير جميع جهوده وإمكانياته في هذا ويشهد تاريخه على الكثير من الواجبات الإنسانية التي قام بها في هذا الاتجاه. ولكننا نجد بأن الجيش العراقي ككيان وطني ومؤسسة وجدت لحماية العراق وشعبه قد تم تسييسها وتحزيبها في فترة حكم البعث المقبور التي امتدت منذ عام 1968 وحتى نيسان 2003، حيث تم في وقت مبكر من تسلم البعثيين للسلطة إقصاء القادة الوطنيين والمخلصين للشعب العراقي من مواقعهم القيادية في القوات المسلحة، وإناطة مسؤولية قيادة الجيش لضباط غير كفوئين ولا مهنيين، وهذا ما جعل الجيش العراقي أداة بيد المستبد حتى إننا يمكن أن نقول بأن الجيش العراقي سواء في الحرب مع إيران أو غزو الكويت كان أسيرا بيد الطاغية الذي نصب أعوانه مثل علي كيمياوي الذي وصل لمنصب وزير الدفاع وهو لا يفقه من العلوم العسكرية شيئا ومنحهم الرتب كما يشاء دون مهنية وخبرة، فكانت النتيجة الحتمية هي سقوط هذا النظام في مواجهته العسكرية عام 2003 ومن قبله اندحاره السياسي قبل العسكري في حرب تحرير الكويت.
وبالتأكيد فإن الهزيمة السياسية للنظام المباد انعكست على صورة الجيش العراقي الذي لم يكن سوى أداة كما أشرنا بيد النظام، خاصة إن النظام إياه كان يتخوف من تنامي الروح الوطنية في مؤسسة الجيش، لذا حاول تغييب الجيش عبر استحداث ( الحرس الجمهوري، الحرس الخاص) وغيرهما من التشكيلات التي كانت مهمتها ليست حماية حدود العراق بل حماية النظام، وهذا ما تجلى بوضوح في ممارسات إبادة ضد الشعب قامت بها هذه التشكيلات البعيدة جدا عن مهنية الحرب بقدر ما هي قريبة من أسلوب البطش وتنفيذ أوامر الطاغية، فارتكبت جرائم في قمع الانتفاضة الشعبانية في الجنوب وغيرها من الجرائم التي حصلت، فيما وجدنا قواتنا المسلحة الحقيقية قد تركت ساحة المعركة ورفضت حتى تنفيذ أوامر قادتها بضرب الشعب بل إن بعض الضباط والمراتب تم إعدامهم من قبل تشكيلات الحرس الخاص والجمهوري.
واليوم وبعد أن تحرر العراق كشعب ومؤسسات وجيش من تبعيات الطاغية وفترة حكمه وتداعياتها على العراق، نجد بأن عملية بناء الجيش العراقي تجري وفق أفضل المعايير العالمية من حيث بناء المقاتل الذي يحترم حقوق الإنسان، وبناء المقاتل الذي يدافع عن منجزات الدولة والبناء الديمقراطي، وبناء جيش محترف وفق عقيدة عسكرية عراقية قائمة على إن الجيش من الشعب وللشعب.
Top