• Thursday, 19 December 2024
logo

الانتقال السياسي في سورية بعد الأسد.. قراءة استراتيجية

الانتقال السياسي في سورية بعد الأسد.. قراءة استراتيجية

عبداللطيف محمدامين موسى

 

يُلاحظ المتتبع لسير الأحداث الدراماتيكية في سورية للوهلة الأولى أنها أحداث ذات منحى عفوي ومستقل عن التطورات الإقليمية والدولية، أشبه ما يكون بمسار فردي تتحكم به مجريات الأحداث بصورة عفوية لتُعبر عن إرادة الشعب السوري، ولتقوده إلى المستقبل المجهول، ولتضع الشعب السوري في غياهب التكهنات والترقب لاحتمالات مستقبلية تحمل طابع التشاؤمية والإيجابية. ولكن، في حقيقة الأمر، تُثبت مجريات الأحداث الدبلوماسية والحراك السياسي اليومي في سورية أن هذه الأحداث ربما تم الإعداد لها بشكل منظم ومنسق بين الدول المهتمة بالشأن السوري، بموجب تسوية سياسية أدت إلى إحداث تغيير في سورية، لتثبت من جديد أن أحداث سورية جزء من التغيرات الجيوستراتيجية في تغيير خرائط الشرق الأوسط، والتي عبر عنها نتنياهو أكثر من مرة بأن إسرائيل بصدد تغيير خرائط الشرق الأوسط.

تُثبت وقائع ومجريات الأحداث في سورية على مدى أسبوع بعد سقوط الأسد أن عملية قيادة التغيير في سورية أُسندت إلى تركيا لتكون اللاعب الأساسي المتحكم في مجريات سير الأحداث، ومن بعدها دولة قطر للمساعدة في وضع الانتقال السياسي المتمثل من خلال تعيين حكومة مؤقتة أو حكومة أزمة في دمشق، وقيادة العمليات برئاسة الشرع لتفادي تكرار تجربة العراق وليبيا ومصر، ولتجنيب البلاد الانحدار نحو الفوضى. ولذا، ومن منظوري الشخصي، يخطئ من يتصور أن الشرع يتحكم بإدارة البلاد بشكل منفرد دون مشاورة تركيا وقطر. وما أود الإشارة إليه هو أن سورية حافظت على الأمن والأمان وعودتها إلى الحياة الطبيعية، ومنع انهيار مؤسسات الدولة. كما أن مؤتمر العقبة بشأن سورية في غايته الأساسية يسعى إلى إضافة الإجماع والشرعية الأممية إلى التحولات والمستجدات في الحالة السورية، للإعداد لعملية التمهيد لوضع سورية تحت الوصاية الدولية للتحكم في سير عملية الانتقال السياسي على مبدأ الشراكة بين المكونات في سورية وجامعة تستند إلى القرارات الدولية.

الأمر الذي دفع بالمبعوث الدولي بيدرسون للتوجه إلى سورية ولقاء الشرع، والتأكيد على أن يكون القرار الأممي 2254 مع تعديلاته أساسًا للبدء في وضع اللبنة الأساسية لمجريات الانتقال السياسي ورسم شكل إدارة سورية والتعبير عن مرحلتها الانتقالية، مما يمهد لانفتاح سورية على الدبلوماسية العالمية كشرط أساسي لعملية دعم سورية ورفعها عن العقوبات الدولية. وليكون هذا الأمر منوطًا ومرتبطًا بعملية انتقال سياسي جامع للسوريين. إن عملية الانتقال السياسي في سورية تمر بمرحلة ومنحدر في غاية الدقة والحساسية بسبب مستجدات الأحداث والخارطة الجيوستراتيجية السورية وشكل وتركيبة المكونات في سورية، والترقب والتقييم الدولي للشرع، الأمر الذي يضع الهيئة السياسية للشرع أمام أمرين في غاية الأهمية. الأول يتمثل في الإسراع للبدء بعملية الإعداد للانتقال السياسي من خلال الإعداد للدستور السوري الجديد، فالمزيد من التأخير من شأنه أن يضع سورية أمام أحداث خطيرة مستقبلية مستفيدةً من حالة الفراغ الدستوري، مما سيضع سورية أمام ثورة مضادة.

كما أن الأمر الآخر يتطلب من تلك الهيئة السياسية التأني وعدم الإسراع في البدء بعملية الانتقال السياسي، لأن أي خطوة متسرعة وغير محسوبة وعدم قراءة صحيحة للمشهد الداخلي السوري ستضع سورية أمام ثورة مضادة ومستقبل مجهول. ومن هذا المنطلق، يتحدد دور الدول التي تدير العملية السياسية في سورية: تركيا، وقطر، والبعثة الدولية بقيادة بيدرسون.

إن عملية الانتقال السياسي في سورية، من وجهة نظري، ستستند إلى القرار الأممي بشأن سورية 2254 في نسخة معدلة تكون جامعة لجميع المكونات والطوائف على طاولة المشاركة في إدارة سورية المستقبلية، وتراعي عدم وجود النظام كطرف مفاوض في شكل الحكم في سورية. والاستناد إلى القرار الأممي في شكل حكم سورية المستقبلية يعود لأمور عديدة، من أهمها أن خارطة الحكم في سورية المستندة إلى القرارات الدولية ستعطي مستقبل وشكل إدارة سورية المشروعية الدولية، الأمر الذي تكون سورية فيه بأمس الحاجة إليه. كما أن الأمر الآخر يتعلق بتقييم مشروعية الشرع نفسه في تعهده بتغيير سلوكه في حماية الأقليات والانتقال بسورية من حكم الثورة إلى دولة مدنية مؤسساتية متعددة وديمقراطية. هذا التقييم سيكون الأساس الذي سيُعتمد عليه في رفع هيئة تحرير الشام من قوائم الإرهاب العالمي.

كما أن الأمر الأكثر أهمية بهذا الخصوص يتمثل في أن رفع العقوبات عن سورية مرتبط بعملية انتقالية صحيحة مستندة إلى الشرعية الدولية، والتي سيكون القرار الأممي هذا بمثابة إعادة الشرعية الدولية في التأكيد على رفع العقوبات، كون سورية بلدًا مدمرًا، والشرع سينتهز لنفسه الفرصة هذه في التخلص من أهم عراقيل بناء سورية وفي عدم الاصطدام بالعقوبات الدولية. إن سورية بحاجة فورية لرفع العقوبات الدولية لمساعدة حكومة الشرع على عملية إعادة اللاجئين، كون سورية على موعد لإعادة حوالي عشرة ملايين لاجئ، ورفع العقوبات الدولية والإغاثة الإنسانية والمساعدات الدولية سيكون من الأمور الملحة من أجل استيعاب هؤلاء اللاجئين وتأمين المسكن لهم في ظل مدن كاملة مدمرة من مخلفات الأسد.

ولذا، فإن هذه الأمور وأمورًا كثيرة أخرى ستكون السبب الأساسي في التمهيد لأن يكون القرار الأممي بمثابة المدخل الأساسي في البدء بعملية الانتقال السياسي وشكلها في سورية. بالنسبة للمناطق في كوردستان سورية أو الوضع الكوردي في سورية، فإنه يواجه تحديًا مصيريًا بسبب هيمنة حزب العمال الكوردستاني على مناطق الشمال والشمال الشرقي في سورية، وفرض أيديولوجيته عليها في اثني عشر عامًا عبر جناحه السوري حزب الاتحاد الديمقراطي، واختياره مساندة بشار الأسد في مواجهة الشعب السوري، ومصادرة العمل السياسي عبر الحرق اليومي لمكاتب المجلس الوطني الكوردي في سورية، ومنع المظاهرات ضد نظام الأسد، وسعيه المستمر لفرض نظريته الشمولية المتمثلة في الاستفراد بالسلطة بتهديد السلاح وعدم قبول الآخرين في المشاركة في إدارة المنطقة.

ولذا، من خلال المعطيات على الأرض السورية وفي ظل المستجدات الحديثة في سورية، فإنه على ضوء هذه المستجدات، يبدو أنه قد تم اتخاذ القرار بوضع الحزب المذكور وما تُسمى إدارته الذاتية أمام أمرين: الأول يتمثل في فك الارتباط العاجل بحزب العمال الكوردستاني وطرد كافة كوادره غير السوريين، أو مواجهة سلطة إدارة العمليات والفصائل التركية، كون الحزب المذكور يواجه اتهامات بالقيام بعمليات تصفية عرقية للمكونات العربية في مناطق الرقة ودير الزور ومنبج تحت مسمى محاربة داعش. وسيتم وضع المسؤولين عن تلك العمليات على لوائح المساءلة القانونية.

بالنسبة لحقوق الشعب الكوردي في سورية، سيتم تثبيت تلك الحقوق الدستورية في الدستور السوري الجديد من خلال المجلس الوطني الكوردي، مستندًا في ذلك إلى جملة من الأمور: أولها يتمثل في أن المجلس الوطني الكوردي اختار الوقوف إلى جانب الشعب السوري ومشاركته في مواجهة نظام الأسد من خلال المشاركة في المعارضة، فيما اختار حزب الاتحاد الديمقراطي مساندة نظام الأسد ضد الشعب السوري من خلال القمع ومنع المظاهرات. كما أن الأمر الآخر يتمثل في أن المجلس الوطني الكوردي يملك برنامجًا وخطة عمل تنسجم بشكل كبير مع تطلعات الشعب السوري والكوردي على وجه الخصوص من خلال مشاركة المعارضة والعمل في مجالسها، مؤمنًا بحقوق الشعب الكوردي ضمن إطار سورية موحدة، معتمدًا على لا مركزية إدارية ضمن سورية فيدرالية، مستندة إلى مبادئ التعايش السلمي بين المكونات. بينما اعتمد حزب الاتحاد الديمقراطي شكل الإدارة الذاتية، وسخّر إمكانيات الشعب السوري وثروته ومقدراته في خدمة نظام الأسد، وبرنامجه يعتمد على نهج "أخوة الشعوب" دون المطالبة الواضحة ببرنامج الفيدرالية.

الأمر الأكثر أهمية هو أن المجلس الوطني الكوردي يملك مقبولية دولية، على عكس حزب الاتحاد الديمقراطي، الذي يواجه اتهامات بعمليات تصفية عرقية من قبل المكونات العربية. كما يتبنى المجلس الوطني الكوردي نهج الديمقراطية والحرية والتسامح، مستفيدًا من تجربة ودعم إقليم كوردستان العراق والمرجع الكوردستاني مسعود بارزاني في دعم الشعب الكوردي في سورية من خلال العلاقات الدبلوماسية والدولية. بينما، على عكسه تمامًا، يستند حزب الاتحاد الديمقراطي إلى نهج وفلسفة حزب العمال الكوردستاني المدرج على القوائم الدولية السوداء.

في المحصلة، يمكن القول إن سورية الجديدة ماضية نحو دولة مدنية ديمقراطية تعددية لا مركزية، تتشارك فيها كل المكونات السورية بموجب الدستور السوري الجديد، الذي سيحفظ حقوق المكونات، كما سيحدد شكل التعامل وإدارة البلاد في إقصاء واضح لنظام الأسد المخلوع وعملائه على الأرض السورية.

 

 

 

باسنيوز

Top