• Wednesday, 13 November 2024
logo

عن تشكيل الحكومة الكوردستانية المنتظرة

عن تشكيل الحكومة الكوردستانية المنتظرة

شيروان الشميراني

 

طال عمر الحكومة المنتهية ولايتها ست سنوات، سنتان منها زائدة عن عمرها الطبيعي، والسبب هو الظرف غير الطبيعي الذي مرّ به الإقليم في مختلف المجالات، منه ما هو متعلق بالداخل سواء العلاقات بين الأحزاب السياسية، او بين الأحزاب والمؤسسات الرسمية "المفوضية المشرفة على الانتخابات" على وجه الخصوص ومجلس شورى الاقليم.

ومنها ما يتعلق بنوع العلاقة بين الإقليم والمركز، ومدّ المؤسسات الاتحادية سلطتها على سير الإدارة في الإقليم لأول مرة منذ تشكيله، وربما السبب الجامع هو غياب الأطر الدستورية الحاكمة لتلك الخلافات التي لا تخلو منها إدارة، وكذلك غياب التوافق أو روح العمل الجماعي الكوردستاني بين الأحزاب، لأن كلها تعاملت مع الملفات المعرقلة أو التي كانت بحاجة الى حلول لابد منها قبل إجراء الانتخابات تعاملاً مصلحياً حزبياً، لأن الأحزاب من عادتها ولما تغيب الأطر الشرعية القانونية تبدأ بالتعامل مع كل شيء من منطلق التنافس السياسي وبالتالي كيله بميزان المصلحة الجماهيرية، أو التي تنعكس على حجم تصويتها الشعبي في الإقتراع، لهذا كانت الأمور كلما تكون هناك حركة لحلها، كانت تتعقد أكثر، فطال عمر الحكومة وطالت فترة الانتظار وتوالت المراسيم الرئاسية من السيد رئيس الإقليم ثم تجاوز التاريخ المحدد لها الى موعد آخر وهكذا مرت سنتان.

الآن وبعد أن جرت الانتخابات، فالأسماع تنتظر نبأ تشكيل الحكومة، لكن هذه الحكومة تتأخر عن المعتاد، لأن الأطراف بالمرصاد، وتحكمها نقطتان إثنتان:

1- تجربة الحكومات السابقة، من الثنائية إلى الائتلافية، الى التحالفية الواسعة، وتحتل تجربة الحكومة الأخيرة الموقع الأبرز فيها.

2- طبيعة الانتخابات التي جرت، فهي وإن كان الخاسرون لا ينفكون من ترديد حصول تزوير الكتروني مبرمج فيها، لكن الدلائل عن حدوث تزوير فيها غائبة، وبالتالي سارت الأمور بهدوء وسلاسة، وتمكن الحزبان الرئيسان، بتفاوت واضح لصالح الحزب الديمقراطي الكوردستاني. فهما الحزبان اللذان يتمتعان بالشرعية الانتخابية غير الممكن الطعن فيها آلياً، وذلك لعجز الخاسرين عن إثبات التزوير. وهذه لأول مرة تحدث، أي أن هذه الانتخابات جرت بشروط المعارضة، لكن النتيجة جاءت على عكس ما تهواها.

فما هو الطريق المناسب لإخراج حكومة في أربع سنوات هادئة؟ إن الأحزاب التي تتحرك داخل دائرة معارضة للحكومة " وهي حركات احتجاجية"، النسبة الكبيرة من أصواتها تحصدها من معارضتها للحزبين، أي إنها وإن لم تكن ذات برامج خدمية واضحة لكنها يكفيها ترديد أخطاء الحاكمين، والعمل على شعور الغضب الجماهيري المتنامي تجاه الأوضاع المعيشية والخدمية، وإذا كان الامر هكذا فيُستبعد مشاركة تلك الأحزاب في الحكومة المقبلة، لأنها لو فعلت ذلك وفق قراءاتها لذاتها فهي تشعل النار في جسدها التنظيمي والشعبي، خاصة وإن الانتخابات التشريعية الاتحادية في الطريق، ثم تجاربها السابقة لم تستفد منها كثيراً جماهيرياً، لأنها كانت في الحكومة ولم تكن تمارس السلطة الفعلية، فمن وجهة نظر المعارضة "الاحتجاجية" إن الدولة العميقة بمعنى الموظفين العاملين في الدوائر الخدمية الصغيرة ذات العلاقة المباشرة بالمواطن، كلها من الحزبين الحاكمين، بإختلاف بين منطقة وأخرى حسب الحضور الحزبي المقسوم بينهما.

إنّ المعلومات المؤكدة تشير الى أن أحزاب الحركات الاحتجاجية لا تشارك الحزبين الفائزين في الحكومة المقبلة، ولو بقي الحل هكذا، وسيبقى على أكثر تقدير، فلا مهرب من حكومة متحالفة بين "البارتي واليكيتي"، لكن قراءة للسنوات الست المنصرمة، تقول إن الأمر صعب جداً. ومع صعوبتها فلا مفر منها، صعب لما يحمله كل حزب منهما من النوايا، والخطط، والبرامج المعلنة لحزبيهما ولجماهيرهما، ومستقبلهما السياسي، خاصة الاتحاد الوطني الذي يريد رئيسه تغيير قواعد العمل الإداري مع الحزب الديمقراطي، وصعب لإفتقاد أي حزب منهما للأغلبية العددية المطلوبة لتشكيل الحكومة من دون الآخر، وصعب للإستقطاب الذي حصل أثناء الحملة الانتخابية بما أن النفس الشرقية تتعامل عاطفياً مع الأمور وليس منطقياً.

فلابد من حكومة تقوم على الشراكة وليست المشاركة، أي أن التوافق هو الطريق وليس التعاند الذي لا يأتي بشيء، وإن أتى به فيكون غير ناجح على المدى البعيد، ولابد أن تأخذ المحبة والمودة والشعور القومي المسؤول محلّ التشنجات النفسية، والانفتاح محلّ الانغلاق العقلي.

فمن يقرأ طبيعة التوزيع الإداري في كوردستان، لا يجد غير طريق واحد لتشكيل حكومة قادرة على أن تكون حكومة خدمات وحكومة تنمية، وهو طريق التحالف بين الحزب الديمقراطي والاتحاد الوطني، وبشروط قبلية ثلاثة :

* أن يضع الحزبان كلاهما برنامج الحكومة بإتفاق أو توافق، وليس عيباً أن يكون للديمقراطي الحضور البرنامجي الأكثر بما أنه الحزب الأول، لكن لا أن يأتي ويضع برنامجه أمام الاخرين من يقبل به مرحباً به، ومن لا يقبل لا مرحباً به، لأن الحلفاء يضعون البرامج سوية.

* أن ينفذّ الحزبان عبر مؤسسات الحكومة الكوردستانية البرنامج، وعبر ممثليهما.

* أن يتحمل الحزبان مسؤولية نجاح البرنامج الحكومي وفشله، أن لا يهرب طرف ويلقي بلائمة الفشل – لو كان الفشل هو النتيجة - على الطرف الثاني كما كان الحال في الحكومة السابقة.

بهذه الشروط القبلية لا يمكن لطرف موجود داخل الحكومة من رأسها إلى قدمها أن يأتي ويردد نغمات المعارضة ضد حكومة هو الذي شكلها وجزء رئيس منها، أو أن ينسحب طرف منها قبيل نهاية دورتها البرلمانية من اجل كسب الودّ الجماهيري بحجة التسلط الإداري وتفرد طرف قوي بكل القرارات.

إن جزءاً كبيراً من القلاقل والبلبلة التي ضربت الوضع السياسي والشعبي في كوردستان كان جرّاء هذه الحالة، فلم يكن واضحاً كيف يمكن لنائب رئيس الحكومة ان يكون معارضاً؟، وكيف يمكن للمتحدث باسم الحكومة ان يهجم على نائب رئيسها؟ هذه الأوضاع التي كلها كانت غير متسقة يجب أن تنتهي، ولن تنتهي إلا بحكومة من الحزبين وليس منهما ومن غيرهما، وأن تأتي بالطريقة التوافقية لكي يكون كوردستان إقليما واحداً، وإدارة واحدة.

رئيس الحكومة له السلطة على كل الإقليم، ونائبه له الحضور والصلاحيات في كل الإقليم، ورئيس الإقليم كذلك. وبذلك تُقفلُ الأبواب بوجه الإرادات غير الكوردستانية التي لا تتوقف من نصب الأفخاخ والترصد لإيذاء الإقليم.

 

 

 

روداو

Top