• Wednesday, 13 November 2024
logo

العالم وولاية جديدة لترامب

العالم وولاية جديدة لترامب

اميل امين

 

فعلها المرشّح الجمهوري الرئيس السابق للولايات المتحدة الأميركية، الذي حمل الرقم 45، وبعد نحو شهرين من الزمن، سوف يتربّع على عرش البيت الأبيض من جديد حاملاً الرقم 47 بين رؤساء أميركا.

الأسئلة في واقع الأمر عديدة، كيف فاز بهذه الصورة الساحقة، وما الأسباب التي أدّت إلى تراجع كامالا هاريس على هذا النحو، على الرغم من نتائج استطلاعات الرأي المتعددة التي رافقت الحملات الانتخابية للاثنين وقطعت غالبًا بفوزٍ كبير لهاريس وهو ما لم يحدث.

على أن هذه الأسئلة تحتاج ربّما إلى شيء من التحليل المستقبلي، بعد أن يهدأ غبار المعركة، وتبرد الرؤوس، فقد علّمَنا التاريخ أن التفكير بالرؤوس الساخنة أمر مثير وخطير، وقد يكلّف فرصة استجلاء حقيقة المشاهد.
على أن هذه القراءة تسعى في واقع الأمر وراء أمر آخر، وهو ردّات الفعل على فوز دونالد جون ترامب، وما يمكن أن تحدثه سنوات أربع أخر من الترامبية الجديدة إن جاز الوصف.

باختصار غير مخلّ، نحن أمام صعيدي الداخل والخارج، ولأنّ الداخل لا يزال في حالة الصدمة، كما أن نتائج انتخابات مجلس النواب لم تخلص بعدُ إلى النهايات، فربّما يكون المشهد الخارجي أكثر وضوحًا.

ما الذي يعنيه عودة ترامب إلى البيت الأبيض، وماذا سيكون من شأن السياسات الخارجية للرئيس الجمهوري القادم؟

لعل الكثيرين يرون أول الأمر، أن سياسات ترامب لن تتغير عن الأعوام الأربعة السابقة التي أمضاها في الفترة ما بين 2016 وحتى 2020، وقد يكون بعض من هذا الحديث سديدًا، لكن واقع حال تطور العالم في السنوات الأربع المنصرمة اختلف عمّا تركه، وهناك قضايا ونوازل جديدة تفرض نفسها على رسمه لسياسات مختلفة، وحتى تلك القديمة، ربّما يجد نفسه مجبرًا على التعاطي معها، لكن بأدوات مغايرة عمّا جرت به المقادير من قبل.

الذين تابعوا الحملات الانتخابيّة لترامب وهاريس، رسخ لديهم أن الصراعات الداخلية قد استهلكت الكثير من الوقت، ومن الوقود الثوري إن جاز التعبير، وغابت ملامح سياسات خارجيّة واضحة وناصعة تجاه أهمّ الإشكالات الدولية التي تفرض نفسها على صانع القرار الجديد في البيت الأبيض.

على صعيد العلاقات الدولية، وحين غادر ترامب البيت الأبيض، لم يكن القيصر بوتين قد قام بعمليّة عسكريّة في أوكرانيا، واليوم تدخل الأزمة عامها الثالث، ومن غير أدنى قدرة من إدارة بايدن على حسم الصراع عسكريًّا أو إنهائه سلميًّا.

كثيرًا وطويلاً جدًّا تحدث ترامب خلال العامين الماضيين بأنه لو كان في البيت الأبيض لما كان الغزو قد جرى من الأصل، كما أنه والحال هذه، قادرٌ على وقف المعارك وإنهاء الصدام بأسرع ممّا يمكن لأي أحد.

هل سيكون ترامب بالفعل الرجل الذي يرسم خطوط نهاية هذا النزاع خلال فترة وجيزة من دخوله البيت الأبيض؟

العارفون ببواطن الأمور يدركون جيدًا أن الكيمياء بين ترامب وبوتين جيّدة بصورة أو بأخرى، وأنه لو امتدّ المقام بترامب في البيت الأبيض سابقًا أربع سنوات أخر، لربَّما شهدت العلاقات بين واشنطن وموسكو انفراجات على صعد مختلفة.

اليوم وإن لم يُعلَن رسميًّا عن أن بوتين قام بتهنئة مباشرة لترامب، لكن من الواضح أن سيد الكرملين، أرسل بتلك التهنئة ضمنيًّا، وربما ليوفر جدارًا من الحماية لترامب، من اتّهامات الديمقراطيّين بأنه صديق للروس. وقد يقول آخرون إنّه عميلهم، ويكفي ما أورده كاتب الواشنطن بوست الكبير، بوب وود وورد، في كتابه الأخير عن العلاقات بين الرجلين.

لا ينتظر الروس ولا الأوكرانيّين فحسب، ما سيفعله ترامب على صعيد الصراع العسكريّ السائر حائرًا ودائرًا منذ بضعة أعوام، بل مراكز صناعة القرار الكبرى حول العالم، وفي مقدمها الصينيون والأوروبيون.. ماذا عن هولاء بدورهم؟

باختصارٍ غير مخلّ وبدون استباق للأحداث يمكننا القطع بأن الصينيّين يعرفون جيّدًا أن ترامب ليس صديقهم، وأنه يعتبرهم العدوّ الأول الذي يهدّد القطبيّة الأميركيّة في الحال والاستقبال

كان أول تصريح للصين على إعادة انتخاب ترامب، هو أنها ستتعامل مع أميركا على أساس الاحترام المتبادل والتعايش السلميّ والتعاون المريح للجانبين.

التصريح وكما هو واضح، ليس إلا دبلوماسية من حديد مغلفة في إطار من الحرير، يخفي وراءه نزاعًا قطبيًّا قادمًا دون أدنى شكّ، وهو أمر طبيعي في وقت تغير تراتبية القوى العظمى أو هكذا يظن الصينيّون.

في الحقيقة يبقى "فخ ثيوسيديديس" فاغرًا فاه، محاولاً الإيقاع بين بكين وواشنطن، على مستويات مختلفة، ربما يكون آخرها المواجهة العسكرية.

ينظر ترامب إلى الصين بعقلية رجل الاقتصاد، والذي يخشى من صعود الصين الصاروخيّ، وانتشارها الذي بات واقعًا حول العالم، سيما في ظل مشروعها الإمبراطوري " الحزام والطريق"، والكفيل بإعادة أمجاد الصين التاريخيّة اقتصاديًّا، كما يعتبر أن نموّها الاقتصادي أخطر على واشنطن من أحلام حيازتها لمئاتٍ من الصارويخ النووية من الآن وحتى عام 2030.

تبدو الصين المنافس الشرس، والذي يتحسّب لترامب، لا سيما أنه سيكون شديد البأس حال اقترابها من جزيرة تايوان، أو محاولة بَسْط نفوذها على مياه بحر الصين الجنوبي.

وبالانتقال إلى أوروبا، القارة الأقرب والجار الأقرب على ساحل الأطلسيّ، لا تبدو أوروبا سعيدةً بعودة ترامب، فالرجل أرهق الأوروبيين سابقًا بحديثه عن حتميّة الشراكات المالية الكبيرة إن أرادوا حماية حلف الأطلسي من أطماع الروس أو مغامرات الصينيين.

ولعل تصريحات الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الأخيرة قبل بضعة أيام والتي جاءت في مستهلّ قمّة المجموعة السياسية الأوروبية في بودابست، تشي بأن الأوروبيين باتوا يتحسّبون من العودة غير المنتظرة لترامب.

قال ماكرون: "على أوروبا ألا تفوّض للأبد أمنها لأميركا، وأن على الأوروبيين الدفاع عن أنفسهم على نطاق واسع عن مصالحهم في مواجهة الولايات المتحدة والصين".

يتذكر القارئ أنّ ماكرون وقبل أن تنفلش جائحة كوفيد 19، كان قد أطلق العديد من التصريحات عن حتميّة أن يكون لأوروبا جيش موحَّد، وقيادة عسكريّة خاصّة.

قبل نحو ثلاثة أسابيع، وفي خضم المنافسة الانتخابيّة في الداخل الأميركيّ، عاد ماكرون وكرّر القول إنّ أوروبا ليست اهتمام أميركا الأوّل بل الصين.

هل يعني ذلك أن الحبل السري بين واشنطن وبروكسيل يمكن أن يعاني من الجفاف، في ولاية ترامب القادمة، وليس شرطًا أن ينقطع؟

وبالارتحال إلى منطقتَيْ الخليج العربيّ والشرق الأوسط، تكثر الأسئلة، من عند طهران التي حاولت أن تكظم غيظها متحدّثة عن إمكانيّة أن تكون ولاية جديدة لترامب، فرصة لمراجعة أميركا لسياساتها.

يعرف القاصي والداني أن ترامب لم يكن ولن يكون صديقًا لطهران، وأن جدوله سيكون مليئًا بالمفاجآت غير السارة للملالي، وإن اختلفت الأدوات هذه المرة، لكن حكمًا لن يقبل سيد البيت الأبيض الجديد إيران نووية، ولا ملالي بأذرع ووكلاء في المنطقة يهددون حركة الملاحة والتجارة الدولية، أو المصالح الأميركية.

في الشرق الأوسط هناك نسبة بالغة من النخب ترى أن الرجل قادر بالفعل على خلق حالة مختلفة من التهدئة بداية، وعلى أمل متابعة مسيرته لصنع سلام بين العرب وإسرائيل وهو اختبار شديد الوطأة لا بدّ أن يمرّ به، وربّما عليه أن يثبت صدق نواياه فيه سيّما بعد أن دعمتْه الجاليات العربية والإسلاميّة في الداخل الأميركي.

ربما من المبكر الحديث عن العالم على عتبات إدارة جديدة لترامب، لكنه حكمًا سيكون عالما مغايرًا لأزمنة جو بايدن المتردّية.

 

 

 

باسنيوز

Top