• Tuesday, 27 August 2024
logo

تاركون القضايا المصيرية تواجه الأعاصير ومنهمكون بأمور سطحية ثانوية

تاركون القضايا المصيرية تواجه الأعاصير ومنهمكون بأمور سطحية ثانوية

شيخو عفريني 

 

في كوردستان، القسم الملحق بسوريا، منشغلون بأمورٍ ثانويةٍ فرعيةٍ غيرِ أساسيةٍ، تصل لدرجة الانهماك بمسائلَ سطحيةٍ تافهةٍ أحياناً، وثمة قضايا مهمةٌ واستراتيجيةٌ ومصيريةٌ عالقةٌ، لم تلقَ نصيبها الكافي من الاهتمام والتدوال والعمل بها، كالتغيير الديمغرافي والاغتيال السياسي والاعتقالات وعمليات الاختطاف والهجرة والتهجير... فحُزيبٌ ملتهٍ بفك احتجاز سيارة سكرتيره في الرّقة، ومجموعةٌ ملتهية بتصريحاتٍ صادرةٍ عن شخصٍ خانه التعبير، وقسمٌ بات شغله الشاغل التشهير وإعادة تدوير الأقاويل وإلهاء العامة وحصر وصهر الأساسيات في بوتقة الثانويات، ومؤخراً الانشغال بقضية رفض نقل كتابٍ من قامشلو إلى ديرك لأنها تحمل اسم كوردستان، من قبل شركة غير كوردية، وعرض عنتريات السلطة الحاكمة التي قامت بإغلاق المكتب، وهي بالأساس (السلطة) ترفض العلمَ الكوردستاني، وأزالت اسم الكوردي وكلّ شئ يتعلق بالهوية الكوردية، من إدارتها وجيشها وقواتها ومؤسساتها ومنظماتها وتنظيماتها.

في خضم هذه الأمور الفرعية التي تُشغل القاصي والداني، ثمة مغتصبون ينفّذون، تحت عباءة السياسة الناعمة، أجنداتِ التهجير وإفراغ المنطقة من كوردها وإجراء تغييرٍ للتركيبة السكانية، لعلّ أحد أهم هذه العوامل، ظاهرة تجنيد القصّر والشبّان والشابات في مدن كوردستان الملحقة بسوريا، لا سيما الخاضعة حالياً لسيطرة قوات سوريا الديمقراطية قسد، والتي بدورها تدّعي أنها تمتلك جيشاً قوامها 100 ألف مسلح. بسبب هذه الظاهرة الخطيرة فرّ الآلاف من العوائل الكوردية إلى مناطقَ أخرى لحفظ وتأمين مستقبل أبنائهم من الضياع والاندثار والحد من جعلهم حطاباً لحروب قسد، التي تخوضها بالوكالة، وبالتالي إسكان وتوطين العوائل العربية بدلاً من الفارين.

 

قصة روكان عمو

آلمني كثيراً وأنا أستمعُ إلى السيّدة الكوردية سوسن حسو والدة الطفلة المختطفة روكان عمو التي هجّرت من مدينتها عفرين، واستقرت في قامشلو أملاً منها أن تجدَ ملاذاً آمناً لها ولابنتها الوحيدة بعد أن هربت من أتون الحرب في عفرين عامَ 2018.

استمعتُ بتأنٍ وتمعنٍ لكلّ كلمةٍ وجملةٍ نطقت بها تلك السيدة التي تعيش في كآبةٍ حقيقيةٍ ومعاناةٍ رسميةٍ، فلا معيلَ لها ولا زوجاً ولا حتى أولاداً، سوى روكان البالغة من العمر 14 عاماً التي كانت لها سنداً ودعماً لها في هذه الدنيا. عدا وضعها الاجتماعي المنفصلة عن زوجها، والاقتصادي المزري، والنفسي المتدهور، فإنها تعاني من أمراضٍ مزمنةٍ وشللٍ في بعض أعضاء جسمها، وخاضعة لثلاث عمليات في الرأس، كلُّ هذه الكوارث لم تشفع لها عند الكادر القنديلي الذي سلب منها طفلتها وزجّها في معسكرات التجنيد الإجباري وجبهات القتال، في حربٍ لا ناقة للكورد فيها ولا جمل، سوى إرضاء المشغّلين وتنفيذ الأجندات.

بعد انتشار مقطعها وهي تبكي بحرقةٍ وألمٍ وتتوسل وتتضرع وتناشد بإعادة ابنتها لأحضانها وإرجاع البسمة على شفتيها، خاصةً بعد أن ضاقت بها السبل وهي تتنقل من بابٍ لآخر ومؤسسةٍ لأخرى، بحثاً عن ابنتها دون جدوى أو آذان صاغية، تضامن إعلاميّون وناشطون وكتّاب مع قصتها وتداولوا قصتها التراجيدية في مواقع التواصل الاجتماعي، أملاً منهم أن يكون التضامنُ سبباً لتشكيل ضغطٍ إعلاميّ على قسد وإعادتها إلى الحياة.

ما يحزّ في القلب أكثر، هو الصمت المدقع لمنظمات المجتمع المدني وحقوق الإنسان والطفل وحماية البشر والرفق بالإنسانية، العالمية منها والمحلية، العاملة في المنطقة، كذلك الحقوقيون والمحامون - باستثناء القلّة -  الذين لم يبادروا قيدَ أنملة؛ بهدف تحريك قضية هذه الأم التي ناشدت وتناشد مراراً وتكراراً، وكذلك الأمهات الأخريات، وإيصال صوت ومظلومية ذوي وعوائل الأطفال المختطفين إلى الجهات المعنيّة والمسؤولة.

 

قسد واختطاف الأطفال

أتعجبُ من قواتٍ تدّعي كما أسلفتُ أنها تمتلك عشرات الآلاف من المسلحين، تعمل في الوقت ذاته على سلب الطفولة وحريتهم، باختطافهم وزجهم في معسكرات التجنيد الإجباري، الأمرُ الذي يوصلنا إلى نتيجةٍ حتميةٍ لا خيار ثانٍ لها، سوى تفكيك الأسرة الكوردية وإجبار المتبقين على الهجرة.

على قائد قوات سوريا الديمقراطية مظلوم عبدي التزام وإلزام قواته ببنود خطة العمل التي وقعها مع فرجينيا غامبا الممثلة الخاصة للأمين العام للأمم المتحدة، المعنية بشؤون الأطفال والنزاع المسلح عام 2019، وإعادة كافة الأطفال المختطفين إلى ذويهم وإلى مقاعد الدراسة والحد من سلب طفولتهم. كما يتوجب على المنظمات الإنسانية والحقوقية العاملة في المنطقة، القيام بواجباتها على أكمل وجه في حماية حقوق الطفولة والإنسانية والدفاع عنها.

في المحصلة، كلنا مسؤولون أمام هذه القضايا المصيرية، فصمتنا يعني أننا مشتركون في الجريمة، وسياسة النأي بالنفس لم تعدْ، لن تجديَ نفعاً فقط، بل باتت عالة وبالاً علينا، فاليومَ ربما أذوقُ مرارةَ الانتهاك، غدا الدور آتٍ إلى غيري وهكذا دواليك، فأضعفُ الإيمان هو العمل بكلّ ما أتيح من فرصٍ لإحقاق الحق وإعادة كافة الحقوق إلى أصحابها. وللحديث عن القضايا المصيرية الأخرى بقية...

 

 

 

كوردستان24

Top