حكومة كركوك.. معادلة قلقة حكمتها الغرف المظلمة
تعد محافظة كركوك واحدة من أبرز المناطق الكوردستانية الخارجة عن إدارة إقليم كوردستان ، و أحد ابرز النقاط الساخنة في المشهد السياسي العراقي ، حيث تعكس تعقيدات المشهد العراقي بتداخلاته القومية، الطائفية، الاجتماعية ، والعشائرية، حيث جاء تشكيل حكومتها مؤخراً، ليؤكد هذا المسار.
وعلى مر السنوات ، ظلت كركوك ساحة لخلافات متعددة الأطراف، يعززها اختلاف المصالح والسياسات بين مكوناتها القومية ، وفي ظل هذه المعطيات، تتشكل الحكومات المحلية عادة بصعوبة، وسط تجاذبات تتجاوز الحدود السياسية للمحافظة لتشمل تدخلات إقليمية ودولية.
وجاءت حكومة كركوك الأخيرة التي تشكلت في ليلة "فندق الرشيد" ضمن هذا السياق، بعد 8 أشهر من التوترات ، والتي شهدت خلافات حادة بين الأحزاب والأطراف الكوردية والتركمانية، والعربية.
ومنذ الانتخابات المحلية الأخيرة ، شهدت كركوك توترات مستمرة بسبب الاستقطابات بين الكورد والتركمان والعرب، إذ كانت تلك الاستقطابات عميقة لدرجة أن تشكيل الحكومة المحلية أصبح أمراً شائكاً، يتطلب توافقات لا تبدو متاحة بسهولة.
ورغم التوصل إلى اتفاقات كبرى لإدارة المحافظة، إلا أن دوافع مختلفة لعبت دوراً كبيراً في تحديد مصير تلك الاتفاقات، وهو ما ظهر جلياً في الأحداث التي شهدها فندق الرشيد، حيث تمت اجتماعات مغلقة أسفرت عن تشكيل حكومة جديدة تحت ضغوط وتدخلات إقليمية متعددة.
في هذا السياق، قال النائب عن الحزب الديمقراطي الكوردستاني، ماجد شنگالي، إن "الحزب لم يخسر الرهان في كركوك، بل نؤمن بأن السياسة هي لعبة طويلة الأمد، ونحن مستعدون للمرحلة القادمة"، مشيراً ، بالقول "نحن نؤمن بأن كركوك تحتاج إلى توافق بين جميع مكوناتها لضمان استقرارها."
وأضاف شنگالي ، في تصريحات متلفزة "نحن في الحزب الديمقراطي الكوردستاني نرى أن المستقبل السياسي لكركوك يجب أن يكون قائماً على التوافق بين جميع المكونات، وأن أي محاولة لفرض إرادة طرف على الآخرين ستؤدي إلى مزيد من التوترات والصراعات."
ويرى مراقبون للشأن السياسي، أن ما حصل في المحافظة، قد يكون بداية لفصل جديد من التوترات، فالأغلبية التي تشكلت في مجلس المحافظة تبدو هشة وقابلة للتغيير في أي لحظة ، خاصة إذا ما تم اللجوء إلى استخدام الأموال والصفقات السياسية كوسيلة لشراء ولاءات جديدة، مما يجعل مستقبل كركوك معلقاً بين استقرار مؤقت وانفجار محتمل للصراع.
وقال المحلل السياسي عماد محمد، إن "الصراع في كركوك ليس مجرد نزاع محلي، بل هو جزء من لعبة إقليمية أكبر، حيث تتنافس القوى الإقليمية على فرض نفوذها في المحافظة الغنية بالنفط، خاصة التدخلات الإيرانية التي كانت حاسمة في إنهاء صفقة تشكيل الحكومة، ورأينا ذلك واضحاً من خلال حضور أطراف غير معنية بكركوك، وليس لديها أي منصب فيها، مثل زعيم حركة عصائب أهل الحق قيس الخزعلي".
وأضاف محمد أن "الحكومة العراقية الاتحادية تبدو غير قادرة على فرض حلول مستدامة تضمن مشاركة جميع مكونات كركوك في السلطة ، فعلى الرغم من الجهود التي بذلها رئيس الوزراء محمد شياع السوداني لعقد ائتلافات شاملة ، إلا أن المحصلة النهائية جاءت مشوهة بسبب عدم التوازن بين المكونات المختلفة".
وفي ظل الظروف الحالية ، يبدو أن كركوك ستظل ساحة للصراعات، حيث تتنافس القوى السياسية على حساب الاستقرار المحلي ، ما يتطلب رؤية شاملة تتجاوز المصالح الضيقة للأطراف الفاعلة ، وذلك عبر تفعيل الحوار والتوافق ، باعتبارهما هما السبيل الوحيد لضمان استقرار دائم في المحافظة، وضمان حقوق جميع مكوناتها، بعيداً عن التدخلات الإقليمية التي تسعى إلى تحقيق مصالحها فحسب.
ومساء السبت ، تم في جلسة غير شرعية انتخاب ريبوار طه عن حزب الاتحاد الوطني الكوردستاني محافظاً لكركوك، وإبراهيم محمد الحافظ عن قسم من المكون العربي رئيساً لمجلس المحافظة في جلسة عقدت بفندق الرشيد في بغداد ، تم عقدها من دون مشاركة الحزب الديمقراطي الكوردستاني والمكون التركماني وقسم من المكون العربي.
وتعتبر كركوك واحدة من أكثر المحافظات تعقيداً سياسياً وتنوعاً عرقياً في العراق، وتُعرف المدينة بتنوعها السكاني، حيث تتعايش فيها قوميات عدة، أبرزها الكورد والعرب والتركمان، بالإضافة إلى أقلية مسيحية. هذا التنوع السكاني ينعكس بوضوح على المشهد السياسي وجعل من الانتخابات المحلية عملية معقدة وحساسة للغاية.
كما تتمتع المحافظة بموقع إستراتيجي وثروات نفطية هائلة، مما يجعلها محط أنظار القوى السياسية المحلية والإقليمية. المحافظة كانت وما زالت محل نزاع بين الحكومة العراقية وإقليم كوردستان، وتعتبر من أبرز المناطق الكوردستانية الخارجة عن إدارة الإقليم ، وهذه التوترات تعكس نفسها في كل عملية انتخابية محلية، حيث تتباين أولويات ومواقف القوميات المختلفة حول قضايا الإدارة والسيطرة على الموارد.
وتعثرت في السنوات السابقة محاولات إجراء الانتخابات المحلية في كركوك، قبل أن يشمل نطاق اتفاق سياسي المحافظة بانتخابات المجالس في 18 ديسمبر/ كانون الأول 2023، وأفضت لانتخاب 16 عضواً، العرب بـ 6 مقاعد، وحزب الاتحاد الوطني الكوردستاني بـ 5 مقاعد، والحزب الديمقراطي الكوردستاني بمقعدين، والتركمان بمقعدين ايضاً بينما ذهب مقعد كوتا للمسيحيين.
وعقب الانتخابات فشلت القوى السياسية في الوصول إلى تسمية المحافظ ورئيس المجلس ، مما دفع رئيس الوزراء محمد شياع السوداني إلى تبني مبادرة سياسية لم تحقق هدفها في التوافق.
باسنيوز