قبل السادس عشر من آب
فاضل ميراني
مسؤول الهيئة العاملة للمكتب السياسي للحزب الديمقراطي الكوردستاني
لیست كلمات هذا المقال بيانا حزبيا، ولا دعاية انتخابية استباقية، بل هي اربع حلقات للتذكير لمن نسي او تناسى، وهي لذاتنا و شركائنا و لجيل سيكون له ان يعي يوما ما قضيته و ايضا لخصوم مستقبل بذرهم خصماء الامس و اليوم و اعدوهم للمستقبل وقود نزاع، فلطالما كانت جعبة العدو الكلامية و العددية محشوة بالتضليل و الاتهام و مزدحمة بحمالة البارود متطوعين و مجبرين، و اليوم فيه شبه من البارحة و في الاثنين مقدمات للغد.
السادس عشر من آب ذكرى تأسيس الحزب الديمقراطي الكوردستاني في سنة ١٩٤٦.
الحزب الديمقراطي الكوردستاني، ليس حزبا من شاكلة الاحزاب التي اسهمت بتلوث العمل السياسي و لا مضمونه منها و لا هي منه لا برنامجا و لا تنفيذا و لا فكرا، ليس ذلك الا توصيفا بتجرد لاغلب العمل السياسي و المعطيات و النتائج المستحصلة في البلاد، حيث ان جرعات الصراحة في التوثيق لا قيمة لها الا بالمعلومة الموثقة البعيدة عن التصور القاصر و المكتوبة بتجرد.
سياسيا من حيث التكوين، نحن جزء اساس من حركة وطنية عراقية و قومية في العراق، فالعراق الذي تشكلت سلطات متعددة النماذج فيه لم تسع ولا واحدة منها لمغادرة عقلية التملك فيه، بل اظهرت او سكتت عن فكرة المركزية ذات الجذر المستقر في الذهن و النفس ان الطبقية الاجتماعية قدر و قضاء، و ان العامة يُمنُّ عليها بمكرمات، وان للعامة اكثر من سماء سلطة، ومنها السلطات الروحية و السلطات وضعية القانون، عسكرية او امنية او مدنية او مدعية بالمدنية، او كلها متواجدة بنسب تسلط و تأثير لكل واحدة منها.
من هذا التليف البنيوي جرى تكييف و استمرار العمل في العلاقة بين الحكم و المحكوم، و طبيعي امام منطق مثل هذا ان تكون مسيرة البلاد على ما جرت عليه الامور و استقرت على الاقل خلال القرن الذي مر و زاد بضع سنوات منذ ان وضع فيصل الاول اسمه على المملكة العراقية التي اخذتها بريطانيا من الدولة العثمانية التي كانت قد استقرت لها خلافة المسلمين بعد قرون من النزاع الاسلامي العربي على الخلافة و الذي ظهر بخفوت ثم تعاظم و اسفر بمرور الزمن و تجسد المصالح.
لت يجوز اهمال البدايات، والا فالحكم في القضايا الحيوية سيجانب العدالة و يصبح حجة مفرغة اخلاقيا اذا تم الاخذ بالخواتيم فقط.
حيويتنا الانسانية و وعينا القومي شأنه شأن اشباهه في كل زمن شهدت فيه حيوية و و عي من هم مثلنا تقدما و خسارة، نحن لسنا بدعة من الناس، نحن ايضا حكمنا انفسنا و خسرنا سابقا استقلالنا، غير اننا نختلف تحديدا في رفضنا ان تجري معاملتنا بعسف و اعتبارنا ملحقين بالارض بل و اعتبار الارض ملكا للسلطة تورثها لمن تشاء.
كان علينا ان نقبل بالواقع يوم تصالح الكبار و كنا في كيان سياسي نتفهم انه كان عليه هو نفسه ان يقنع قواعده ليبقى، فلقد تعاملت الدوائر الكبرى على اساس ان الزمن يرتضي المزاوجة بين تاريخ العراق الممتد لألوف السنين وبين انشاء كيان جديد يكون مثل الطفل مع امكانية البقاء و النمو، غير ان المفارقة كانت بزوال الملكية العراقية على يد العسكر الملكي ودون رفض من راعي الملكية الاجنبي الذي لم يتأخر اعترافه بالبديل العسكري الذي غير الصيغة للجمهورية.
الجمهورية نفسها اطيح بها من زميل عسكري و شريك سابق ثم اطيح بشقيق الشريك ثم بدأت جمهورية الشراكة الواضحة في مشروع حكم عسكري حزبي امني. ثم دخلت معادلة صعبة عاصرة بدأت سنة ١٩٧٩ وانتهت شكلا و بعض مضمون في ٢٠٠٣.
في هذا المختصر سالت دماء لا حصر لضحاياها، و اهلكت اموال اصفارها من مضاعفات الستة اصفار و اكثر، و انحرف او حُرفت عقول عن وعيها، و تكرر النقد و الخسران و لم يجري الوقوف امام قضية خلل العقل و الفكر السلطوي.
لم يعتقد الحاكم بملكيته لكل المقدرات و لم يجري السكوت و التزيين له ليفعل من عندياته ما يراكم به مجدا له خلال حكمه و نكبة للشعب خلال حكمه و بعد زواله؟
هذا السؤال مرتبط بالعراق و العراقيين و نحن كنا اول من وقف و عمل على الجواب عليه.
* صحیفة الزمان