د.هاوزين عمر

 

تمثل المعضلة التقنية التي واجهتها البشرية يوم الجمعة المصادف 19-7-2024 تحدياً وجودياً للعالم بأسره بسبب الأضرار الجسيمة التي تركتها هذه المعضلة على نشاطاتنا اليومية. أياً كانت العوامل، مشكلة تقنية أم هجوم إلكتروني تترك هذه المعضلة ارهاصات مستقبلية، لما سببتها من تداعيات عميقة على مجالات حساسة  من الحوكمة، والصحة، والمالية والاقتصاد، والنقل والمواصلات، والإعلام....إلخ.

رغم إعلان شركة مايكروسوفت-العملاق التكنلوجي الأبرز- عدم تعرض خوادم شركتهم وبرامجها لأي هجوم سايبراني وإرجاع السبب إلى مشكلة تقنية حدثت أثناء تحديث برامج معينة لمجموعة crowd strike الخاصة بالأنترنيت والأمن السايبراني، إلا أنَّ ثمة مؤشرات تقنية وغير تقنية تدحض هذا الإعلان، وتعطي الأفضلية لفرضية هجوم إلكتروني غير مسبوق قصد شركة مايكروسوفت وكراودستريك. وتتمثل أبرز المؤشرات والحقائق التي تدعم تصورنا هذا في العوامل الآتية:-

أولاً: العطل الكبير والعميق، وحجم الأضرار على قطاعات عدة وفي جغرافيا واسعة شملت أكثرية قارات العالم، يوحي بوجود هجوم سايبراني، المشكلات التقنية لا سيما الناجمة عن تحديث البرامج لا تترك هذه الأضرار والمشاكل عادةً.

ثانياً: قبل يومين من هذه المعضلة وتحدياً في يوم الأربعاء 17-7-2024، حذرت شركة (مانديانت) التابعة لشركة غوغل من احتمال شن هجوم إلكتروني واسع من قبل مجموعة (ساندورم) الروسية المقربة من وكالة الاستخبارات الروسية على قطاعات خدمية في مناطق ملتهبة سياسا واقتصادياً وعسكرياً وأمنياً في أوروبا وأمريكا الشمالية وأستراليا وجزء من آسيا والشرق الأوسط. وجاء هذا التحذير بعد ما رصدت (مانديانت) هجمات قرصنة قامت بها (ساندورم) في أوكرانيا وبريطانيا أثناء إجراء الانتخابات النيابية، حيث حاولت مجموعة (ساندورم) قرصنة المعلومات ونتائج الانتخابات للتلاعب بها قبل إعلانها.

ثالثاً: وصفت شركة مايكروسوفت هذه الحادثة بمشكلة تقنية، وأرجعتها إلى حدوث خلل أثناء تحديث برامجها عبر شركة كراودستريك. بدء الخلل الإلكتروني في الظهور حوالي الساعة السابعة صباحاً بتوقيت غرينيش، أي أثناء ذروة العمل في آخر أيام الاسبوع -إذا أخذنا الساعة السابعة بتوقيت غرينيتش كمعدل متوسط لبدء ساعات العمل على مدار الكرة الأرضية- نلاحظ أنَّ شركات التكنلوجيا والخدمات بشكل عام تقوم بصيانة خوادمها أو تحديث برامجها في منتصف الليل وليست توقيت العمل اليومي، وعادة ما تقوم بهذه التحديثات في أيام العطل لا في أيام العمل وذروته!!

رابعاً: أُرسال التحديثات إلى الأنظمة الإلكترونية في شركتي كراودستريك ومايكروسوفت!! أمر مستغرب كيف سمحت أنظمة حماية المعلومات وضمان الجودة في كراودستريك أن تستقبل أنظمتها عملية التحديث مباشرة قبل تطبيقها على البرامج!؟ أمر مستغرب يحدث لشركة عملاقة تسمى بمايكروسوفت!!

خامساً: ما تعمق فرضية هجوم إلكتروني أنَّ الخلل بدء أولاً في أنظمة شركة كراودستريك الخاصة بالإنترنيت والأمن الرقمي وبرمجياتها، ثم توسعت وصولاً إلى نضم مايكروسوفت وخوادمها، أي كأنَّ العملية قد استهدفت في بدايتها الحماية السايبرانية عبر تعطيل نظام الأمن الرقمي ومن ثم الاجهاز على برامج وخوادم شركتي مايكروسوفت وكراودستريك.

سادساً: حدث الخلل التكنلوجي في جغرافيا الدول والمناطق التي تقع أو تساند التكتل الغربي في السياسة والاقتصاد، تركيا وإسرائيل ودول الخليج في الشرق الأوسط، الهند وسنغافورة في آسيا، دول الاتحاد الأوروبي وبريطانيا ودول حلف الشمال الأطلسي، وأستراليا، وأمريكا الشمالية إضافة إلى الولايات المتحدة الأمريكية، وكانت الصين وروسيا الاتحادية وجمهورية إيران الإسلامية ودول أخرى قريبة من هذا التكتل بمنأى عن الهجوم!!

سابعاً: في ضل أجواء دولية ساخنة ومتوترة لا سيما بين قطبي اقتصاد العالم أميركا والصين وتسابقهما، والندّين العسكريين أميركا وروسيا الاتحادية، والحرب في غزة وأوكرانيا وتداعياتهما على النظام الدولي ومنظومة العلاقات الدولية، واحتدام الخلافات داخل الولايات المتحدة بين الجمهوريين والديمقراطيين، وانتخاب رئيس جديد للدولة الأقوى في العالم بداية نوفيمبر من هذا العام، وصعود اليمين المتطرف في أوروبا، وصراعات سياسية واقتصادية وتكنلوجية وحضارية، في ضل كل هذه الأجواء إنَّ إعتماد فرضية الهجوم الإلكتروني على عملاق تكنلوجيا الولايات المتحدة الأمريكية والعالم(مايكروسوفت) في هذا التوقيت أكثر واقعية من حدوث عطب إلكتروني ناجم عن مشكلة تقنية محددة، وتضع هذه المعضلة التكنو-سياسية البشرية أمام تحدي تكنلوجي-سياسي، يحدد معالمه المستقبلية، مدى اتباعه كإستراتيجية غير معلنة بين الدول لحسم الصراعات، وكيفية التعامل الدولي وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية مع هذه المعضلة في المستقبل.
آراء أخرى للكاتب

 

 

 

كوردستان24