• Sunday, 30 June 2024
logo

بيان حزيران.. بيان هش وعقلية لن تتغير

بيان حزيران.. بيان هش وعقلية لن تتغير

محمد زنكنة

 

ثمانية وخمسون عاماً، هو عمر إحدى اهم الخطوات المهمة لوضع حل جذري ونهائي لقضية شعب كوردستان ضمن دولة العراق بعد أكثر من اربعين عاما من الصراعات والمذابح الدامية التي لم يسلم منها اي شبر من كوردستان، ولم تات هذه الخطوة اعتباطا وكانت احدى الحلقات المهمة ضمن سلسلة من المواقف المكررة في العلاقة بين القيادة السياسية الكوردستانية والحكومات العراقية المتعاقبة الا ان جميعها كانت مؤقتة تاتي عند ضعف الحكومة العراقي في مواجهة قوة العقيدة العسكرية للبيشمركة لتلتف عليها بغداد مرة اخرى بعد ان تستعيد قوتها باستغلالها لاخلاق الفرسان والالتزام السياسي الذي عرفت به قيادة ثورة كوردستان بشهادة الصديق والعدو.

نتحدث عن بيان التاسع والعشرين من حزيران لعام 1966 في العام الخامس لثورة ايلول وفي عهد الرئيس الاسبق عبدالرحمن عارف والذي نصت نقاطه التي تلاها رئيس الوزراء العراقي آنذاك عبدالرحمن البزاز، على العديد من الامور المهمة والتي اعترفت من خلالها الحكومة العراقية بمبدا اللامركزية لمنطقة كوردستان وضرورة احقاق حقوق شعب كوردستان والمشاركة الحقيقية للكورد كشريك حقيقي في الدولة العراقية وانهاء كافة اشكال المواجهات المسلحة بين الجانبين، ومع ان الخطوة هذه كانت مجرد بيان لم ينفذ واذيع واعلن من طرف واحد ولم يرق الى مستوى الاتفاق الموقع كما حصل في الحادي عشر من اذار لعام 1970 ، الا انها كانت وثيقة مهمة اعترفت من خلالها الحكومة العراقية وبشكل غير مباشر بانها لم تكن تسير على الخط الصحيح في تعاملها مع القضية الكوردية.

هذه الخطوة جاءت بعد الخسائر الكبيرة التي مني بها الجيش العراقي بالجنود والمعدات في معركة جبل هندرين في عام 1966، هذا الجبل المطل على مدينة رواندوز ضمن حدود محافظة اربيل والقريب من السليمانية مازال يشكل كابوسا للكثير من الحاقدين ودون اي سبب على شعب كوردستان وشكلت (اي المعركة) ضربة وصدمة قاسية للمنظومة الدفاعية العراقية وتسببت بمراجعة كاملة لاسباب هذه النكسة، على الرغم من عدم وجود تكافؤ في التسليح بين الجانبين فالجيش العراقي كان مزودا باحدث الاسلحة السوفييتية مقابل اسلحة متوسطة وخفيفة لقوات البيشمركة، لكن ذكاء وشجاعة البيشمركة والايمان بالقضية الانسانية القومية والوطنية لشعب كوردستان استطاعت تغيير المعادلة.

بعد هذه النتيجة، اختارت بغداد طريق الحوار بعد مناقشات ومشادات كلامية كثيرة وشديدة بين افراد العسكر المتحكمين بوضع العراق والذين كانوا معارضين تماما لما اقترحه البزاز بل انهم وصفوا ماكان يريد البزاز فعله بـ(وعد بلفور) واتهموا رئيس الوزراء بالخيانة والتنازل للكورد ووصفوه بعميل البارزاني، لكنهم وبعد ان عجزوا عن الاتفاق على البديل وافقوا مجبرين على هذه الوثيقة لتقرها الحكومة رسميا وتنفذ بعض الخطوات العملية الخجولة لبعض مانص عليه البيان، لكن هذا الهدوء النسبي القلق لم يستمر حيث اسقطت حكومة البزاز (المدنية) لتحل محلها حكومة عسكرية برئاسة ناجي طالب ومن بعده طاهر يحيى، وعلى الرغم من تطمينات طالب ويحيى بالالتزام بالبيان واللقاء الذي جمع البارزاني الخالد وعبدالرحمن عارف في منطقة برزيوة، الا ان الوضع سار كما خطط له الضباط القوميين وتحديدا البعثيين منهم وانتهى البيان بانتهاء حكم عارف الذي استمر لاقل من ثلاثة اعوام لتعود المواجهات المسلحة مرة اخرى مع حكومة بعثية لاتؤمن باية مباديء انسانية او ديمقراطية.

وتبين هذه المراجعة البسيطة ان مانعيشه اليوم مع الحكومة العراقية لم يختلف ابدا عما شهده شعب كوردستان مع الحكومات السابقة، لان الاعلام العراقي وفي ستينيات القرن الماضي وبعد الانتكاسات التي واجهها الجيش في معركة جبل هندرين كان يتهم البيشمركة بالتزود بالسلاح الثقيل من اسرائيل، في حين ان ضباطا منشقين من الجيش العراقي من المقاتلين في صفوف البيشمركة ومن القومية العربية نفوا هذا الادعاء تماما، واليوم تسلك الحكومة العراقية نفس السلوك عندما تشعر بضعفها او تريد التنصل من اية اتفاقية تجمعها مع حكومة اقليم كوردستان، ولسنا بحاجة الى التذكير بما حصل من قصف واستهداف صاروخي لمدينة اربيل منذ عام 2020 وكان اخرها استهداف منزل رجل الاعمال الكوردي بيشرو دزيي ما ادى الى استشهاده هو وابنته التي كانت تبلغ من العمر شهورا وتدمير منزله بالكامل وخروج افراد عائلته بمعجزة من الموت، والحجة كانت ان في هذا المنزل تدار اجتماعات سرية يحضرها ضباط من الموساد، الامر الذي نفته جميع اللجان التحقيقية المكلفة بتقصي الحقائق من قبل مجلس النواب العراقي.

الحكومة العراقية والتي اقرت بيان اللامركزية كانت هي المعرقل الاول والاساس لتنفيذ البيان وخصوصا فيما يتعلق بوضع كركوك والمناطق المستقطعة من كوردستان لتستمر هذه المشكلة لما بعد اتفاقية اذار وليدخل البعث في ازمة اقليمية ودولية للتنصل عن هذا الموضوع وليغرق العراق في مستنقع الحروب والازمات التي مازالت اثارها باقية على السياسة العراقية، ذات الشيء تفعله الحكومة الحالية التي تتجاهل كافة الاتفاقيات السياسية وتتنصل عن المادة 140 من الدستور الذي صوتت عليه غالبية الشعب العراقي.

ومثلما اتهم الاعلام العراقي في ستينيات القرن الماضي البزاز بالخضوع والتنازل للبارزاني الخالد، نسمع ذات الكلام من قبل الاعلام المحسوب على الاغلبية السياسية الحاكمة لكل من رئيسي الوزراء السابق مصطفى الكاظمي والحالي محمد شياع السوداني ويطال هذا الاتهام اليوم كل مسؤول يبين رغبته في التوصل الى حل للمشاكل مع الاقليم، كان اخرهم مستشار الامن الوطني العراقي قاسم الاعرجي والذي يطالب بسرعة وضرورة تنفيذ اتفاقية سنجار بين بغداد واربيل.

من خلال هذه القراءة يتضح لنا بان الاجراءات التي كانت تسلكها بغداد في طريق حلها للمشاكل مع كوردستان لم تكن الا انصافا للحلول او حلولا ترقيعية سرعان ما تتراجع عنها مع اول فرصة تسنح لها بعد ان تستحصل دعما اقليميا او دوليا من دول تتحالف معها على اساس المصلحة وهذا تحديدا مانراه اليوم، فتصريحات المسؤولين والنواب والمحسوبين على الجانب الاخر لاتخلو من التحجج بالمواقف الاقليمية ومايسمونها بالمصلحة الدولية وماتريده هذه الدولة او تلك وكأن قرار العراق مرهون باتفاق اقليمي دولي لامجال فيه لارادة عراقية وهذا مايثبت وبالدليل القاطع ان الجميع بامكانه التدخل في شؤون العراق باستثناء العراقيين انفسهم ولكي تحفظ الماكنة الاعلامية المعادية للكورد ماء وجهها لن ترى اكثر من كوردستان طريقا لتضليل الراي العام.

ان البنود الاثنى عشر والتي نص عليها بيان اللامركزية لعام 1966 كانت كفيلة لحل ابدي لجذور المشكلة الكوردية في العراق فلم يفد بغداد غرور عبدالسلام عارف والذي كان يقسم دوما بانهاء الوجود الكوردي في العراق، وتبددت كافة مساعي البزاز للخروج من الازمة ولم يصمد عبدالرحمن عارف امام عنجهية العسكر (مع انه كان منهم)، ولم يتمكن البعث وبرغم كل وسائله الاجرامية من انهاء وجود الكورد، لكن هشاشة القرارات وتحجر العقلية السياسية هي التي ادت بالعراق الى مايعيشه الان، مهددا من الخارج وغير مستقر من الداخل في اطار دولة غير مترابطة الاركان، العقلية هي ذاتها لم تتغير والقرارات تتخذ وكانها تصاغ على التصميم القديم والتبريرات هي نفسها تكرر، وفي المحصلة .. بين ثمانية وخمسين عاما من هذه الخطوة وقبلها من عقود وبعدها، لم تتطور العقلية السياسية العراقية ومازالت نظرة الاستعلاء تجاه الكورد هي الغالبة والمسيطرة على اية خطوة للتفاهم والتقارب.

 

 

 

كوردستان24

Top