• Tuesday, 18 June 2024
logo

كلمات قليلة اختصرت مسافة طويلة

كلمات قليلة اختصرت مسافة طويلة

محمد زنكنة

 


أثارت اغنية (انا كوردي) للفنان السعودي عبد المجيد عبد الله والتي تغنى بها عن كوردستان وجمال طبيعتها واشاد بنضال وتاريخ الرئيس بارزاني والبارزانيين، العديد من ردود الفعل الايجابية في الوسطين الكوردي والعربي وتحولت خلال ساعات قليلة الى اكثر الاغاني متابعة وحققت اكثر من مليون مشاهدة، بل واصبحت من اهم الاخبار التي تداولتها القنوات الاعلامية ومنصات التواصل الاجتماعي وحتى الحسابات الشخصية في مختلف وسائل التواصل.

ومع ان الاغنية التي كتب كلماتها الشاعر السعودي عبد الله الملحم ولحنها الفنان الاماراتي فايز السعيد ليست الاولى حول كوردستان وباللغة العربية، حيث كان لفائز السعيد اغنية اخرى في عام 2018 بعنوان حلوة كوردستان، من كلمات الشاعر الراحل كريم العراقي وكانت فعلا نقلة نوعية في ذلك الوقت، مهدت الطريق لأن نسمع اغنية تصف كوردستان بقصة الحب من فنان بوزن وقامة عبد المجيد عبد الله والذي تربع على عرش الاغنية الخليجية في تسعينيات القرن الماضي ومازال محافظاً على مكانته بدليل الحفلات التي اقامها مؤخراً في اكثر من دولة خليجية والتي لم يسكت فيها الجمهور عن التفاعل مع اغانيه.

وبمراجعة بسيطة للماضي، يتضح لنا بأن هذه المحاولات ان كانت على المستويات الثقافية او الفنية لم تكن الاولى، حيث يذكر التاريخ قصيدة كوردستان موطن الابطال لشاعر العرب الاكبر محمد مهدي الجواهري، ومن ينسى القصائد والكتابات والمواقف الانسانية لثلاثي المقاومة الفلسطيني محمود درويش وسميح القاسم ونعيم بسيسو، والمفكر العراقي الكبير الراحل هادي العلوي وكثير من المثقفين والفنانين والكتاب الذين دافعوا وباستماتة عن شعب كوردستان، ووصل التعامل معهم حد منع القصائد والمقالات التي كانت تخص كوردستان من دور النشر العربية التي كانت تنشر كتاباتهم بتأثير من حكومة البعث الصدامي او الحكومات الاخرى التي سارت على ذات درب البعث، اي ان الساحة السياسية والثقافية لم تكن خالية من مواقف انسانية تجاه شعب كوردستان.

والايجابي هنا ان المملكة العربية السعودية والتي ينتمي اليها عبد المجيد لم تبدي اي مواقف سلبية تجاه هذه الاغنية، وبمتابعة الموضوع بشكل ادق يتضح لنا بأن المملكة لم يكن لها أي موقف سلبي ابداً تجاه قضية شعب كوردستان، وفي كل عام واثناء موسم الحج يستقبل الحجاج من الاقليم بكل لطف وتقدير وبرفع علم كوردستان من قبل المشرفين على تنظيم شعيرة الحج ويرددون دوما جملة: اهلاً بأحفاد صلاح الدين الايوبي.

وفي فترة الاعداد لاستفتاء استقلال كوردستان منذ السابع من حزيران 2017 الى يوم اجراء الاستفتاء في الخامس والعشرين من ذات العام وحتى ما بعد خيانة السادس عشر من اكتوبر، لم يكن للمملكة هذه الحساسية التي شهدناها من الدول الاقليمية ومن أطراف سياسية عراقية ومثقفين ومفكرين انقلبوا على الاقليم بشكل هستيري، في حين ان السعودية هي صاحبة العمق العربي الحقيقي والاصيل.

كما تحدث الرئيس مسعود بارزاني في احدى لقاءاته عن رسائل متبادلة بين البارزاني الخالد والملك الراحل عبد العزيز آل سعود مؤسس المملكة والملك فيصل بن عبد العزيز ثالث من حكم السعودية، بل وتذكر العديد من الوثائق بأن الملك فيصل كان قد طالب بضرورة الاسراع في حشد الرأي العام لدعم وتأييد استقلال كوردستان، وقد ادرج برلمان كوردستان وفي فترة رئاسة الراحل د.روز نوري شاويس اسم الملك فيصل ضمن قائمة الشخصيات المكرمة والتي كانت لها مواقف ايجابية تجاه قضية شعب كوردستان، وبالتأكيد لم تكن اللقاءات الدبلوماسية للمعارضة العراقية بشقها الكوردي والممثل بالجبهة الكوردستانية والتي ترأسها الرئيس بارزاني خالية من اللقاءات مع مسؤولين وشخصيات من المملكة، وكل هذه اللقاءات كانت على قدر كبير من الايجابية لمساعدة العراق وكوردستان على الخلاص من دكتاتورية النظام البائد.

والمفارقة هنا، ان هذه الاغنية شجعت المتابعين من الكورد من الذين يتقنون اللغة العربية، والعرب المهتمين بالشأن الكوردي او من محبي المطالعة على البحث في صفحات التاريخ لاكتشاف كل المواقف الايجابية التي كانت ومازالت مستمرة من قبل المملكة تجاه شعب كوردستان وامتلأت صفحات التواصل الاجتماعي بالعديد من الاحداث التاريخية والقصص الفردية لشعراء وكتاب ومثقفين جاوروا عوائل كوردية او تعاملوا مع طرف كوردي او زاروا كوردستان واطلعوا على جمال طبيعتها، بالاضافة الى الكورد الذين ارتبطوا بعلاقات اقتصادية وتجارية مع شخصيات سعودية وتلمسوا منهم لطف المعاملة والتقدير.

لقد استطاعت هذه الخطوة البسيطة، بكلمات قليلة ولحن لم يتجاوز الخمس دقائق إثارة ثورة كبيرة في عالم التواصل الاجتماعي، وساهمت بتحقيق الكثير من النتائج الايجابية، ولعبت الصور المعروضة في الاغنية دوراً مهماً لإثارة فضول المئات من المتابعين من السعودية ودول الخليج وحتى الدول العربية الاخرى للسؤال عن مناطق كوردستان السياحية وكيفية الوصول اليها وكيفية السفر الى اقليم كوردستان والبحث المستمر عن العديد من المعلومات المهمة ان كانت تاريخية او حديثة حول طبيعة هذه المنطقة، لغة اهلها، طريقة تعاملهم مع الضيف، الطرق المؤدية اليها براً وجواً لا بل كنت الاحظ بأن العديد من المتابعين يسألون عن كيفية تعلم اللغة الكوردية مطالبين بتزويدهم بأية قواميس من الممكن ان تسهل عليهم تعلم هذه اللغة، وكنت الاحظ كثافة في التعليقات حول روابط قديمة لمقاطع فيديو عبر المواقع لجرائم ارتكبت ضد شعب كوردستان ان كانت عمليات الاعدام شنقاً او رمياً بالرصاص او القصف بالاسلحة الكيمياوية المحرمة دولياً او غيرها من الجرائم الكثيرة التي لا تكفي مجلدات للحديث عنها وعن بشاعتها، وكان التفهم لحقيقة هذه الجرائم ومبررات مرتكبها سهلاً جداً لأنه اي مرتكب هذه الجرائم كان يهدد دولتهم وكيانهم وحاول احتلالها والدخول اليها بعد غزوه للكويت وكان دائم التهجم عليهم ويلمح بأنه لن يسكت على ما كان يسميه بالخروج عن التضامن القومي العربي، اي ان خطوته التي اخرت العراق عقوداً، كانت سبباً في تفهم ما فعل بهذا الشعب.

وهنا، يتضح لنا اهمية ودور الفن في اختصار عقود من الزمن من مفاوضات واجتماعات وحديث من الممكن ان يضرب اغلبه عرض الحائط، لأن أغنية واحدة وكلمات ملحنة معدودة فتحت العديد من افاق التواصل الانساني بين شعبي كوردستان والمملكة وبقية الشعوب العربية وقربت مسافات كان يصعب تقريبها لو اعتمدنا فقط على طريقة ووسيلة واحدة، فكما تعرف الشعوب بحكامها وسياسييها تعرف ايضاً بفنها وثقافتها وسياحتها وطبيعة اجوائها وتكوينها المجتمعي وخصوصاً بوجود وسيلة مشتركة للتفاهم ان كانت عن طريق اللغة العربية التي يتقنها عدد لا بأس به من الكورد او الانكليزية والتي اصبحت اسرع واسهل لغة للتواصل بين الشعوب.

لذلك لابد ان نفكر بمزيد من الخطوات لتعريف كوردستان بالعالم بدءاً من المحيط العربي وصولاً الى اخر بقعة من الحياة الانسانية في العالم، ولابد من التركيز على المحيطين العربي والاقليمي دون تجاهل المحيط العربي، وبالتأكيد لن تكون الخطوات مستحيلة ولا حتى صعبة بوجود عامل التفهم والذي سيكون سبباً في ازالة العديد من المبهمات والمفاهيم الخاطئة وسيساهم في مد جسور العلاقة بين الجانبين على أكثر من جانب وصعيد.

 

 

 

روداو

Top