هل ترسخ زیارة السوداني الی أمریکا عقلیة الشراکة الحقيقية في العراق؟
سامان سوراني
في عام 2003 سقطت الأقنعة الحديدية المزنجرة في بغداد وواجه الشعب العراقي تحديات في الداخل بقدر ما صارع من أجل إدارة العلاقات والصراعات مع القوی الأقليمية و الخارجية و بدأ یتفنن في صياغة الدستور من أجل السيطرة علی نظام الدولة و منع تعارض القواعد القانونية الدنيا القواعد القانونية العليا و في عام 2005 تم الإتفاق علی إجراء انتخابات عامة لقيام نظام سياسي وطني ديمقراطي تعددي غير طائفي أو محاصصي و بعدها سعت الأطراف الفاعلة الی تشکیل حكومة شراكة وطنية بتحالفات سياسية واسعة تبتعد عن السياسات الفردية والاستبداد حیث تم أخذ مجلس الوزراء بجماعية لیراعي إرادة الشعب والبرلمان والقضاء و یلتزم بتفعيل المادة 140 من الدستور لإنهاء المشاكل العالقة بين حکومة إقليم كوردستان والحکومة الإتحادية بغية تعزيز وحدة العراق و تطوير حقوق القوميات المختلفة فيه وزرع الأمن والاستقرار الاجتماعي والاقتصادي.
لكن آنذاك لم تکن عقلية الشراكة والمداولة والإحساس بالمسؤولية المتبادلة عند بعض التيارات التي قادت العملية السياسية و التي أخذت بعدها زمام السلطة في بغداد ناضجة بعد، فشاركت تلك العقلية في تضخيم حجم تفاقم عدم الثقة بالحياة الديمقراطية والدستورية.
فکانت المخاتلة والنفاق والتآمر نصيب بعضهم، فحاولوا النیل من إقلیم كوردستان و حقوق شعب کوردستان، ومنهم من حاول بحكم منصبه إصدار أوامر غير دستورية لمعاقبة الشعب الكوردستاني و فرض حصار إقتصادي و مالي علیه وآخرين إستنجدوا بقوی خارجية و هاجموا بحشودهم و میلیشیاتهم الفكر التجددي المعاصر في كوردستان.
أعمالهم ونياتهم الغير صافية خلقت أزمات سياسية وإجتماعية أدت الی تعقد الأمور و إذا بقوی الإرهاب المدعومة من الداخل ومن قبل أطراف التي آمنت بالهيمنة الهجمونية والتي بقت عدواً لفكرة الفدرالية و بناء قبول تعددية الهويات الثقافية و الحضارية المختلفة، تستثمر هذه الحالة المستعصية لتكثير أعمالها الإجرامية قتلاً ودماراً و قامت بالترويج للثقافات المحلية أوالجزئية و ثقافة التضحية و الشهادة.
لکن قیادة شعب کوردستان الحکیمة بقت صامدة و شامخة شموخ الجبال أمام تلك المحاولات و ظلت تدافع الی الیوم عن الحقوق الدستورية لشعبها.
مایریده شعب كوردستان من الدولة الفدرالية هو بالتأکيد الشراكة الحقيقية و الإعتراف الكامل بحقوقه و فضح المنزع العنصري الذي يعمل أصحابه بعقلية التمييز والفرز أو التطهير والتصفية و العمل علی کسر المنطق الكلاني الشمولي، الذي يعمل أصحابه تحت إمبريالية المعنی ودكتاتورية الحقيقة.
هذا هو أساس الشراكة الحقيقية، حتی نستطيع العبور نحو فضاءات مغايرة نتجاوز فيها ما يعمل علی إنتاج المآزق والكوارث، بقدر ما ننجح في إختراع مفاهيم و قيم و مؤسسات و أطر وعلاقات جديدة بين الشعب الكوردستاني و الشعب العراقي، مفرداتها و عناوينها التوسط والتداول والمشاركة والاعتماد المتبادل.
الملفات العالقة بين بغداد وأربيل کانت و ماتزال من أبرز المشاكل التي تواجهها الحكومات العراقية المتعاقبة، ومن أهم تلك الملفات التي تحتاج إلى حوار وتفاهمات مشتركة، تطبيق مواد الدستور و خاصة المادة ١٤٠ و حل مسألة رواتب موظفي الإقليم ، والتنسيق الأمني في المناطق المتنازع عليها، والاتفاق على آلية تصدير النفط من حقول الإقليم.
نحن لاننکر بأن هناك جدية لدی السيد محمد شياع السوداني، رئیس وزراء العراق الفدرالي الحالي، في إيجاد حلول جذرية للتعامل مع إقليم كوردستان والعمل نحو ترسيخ الاستقرار الدائم بعيداً عن الخلافات، لضمان عدم تأثر متطلبات العيش الكريم للمواطنين العراقيين، وبضمنهم مواطنو الإقليم، بأية إشكالات قانونية أو إدارية. وهو یسعی قبیل زیارته الی الولايات المتحدة الامريكية في ١٥ نيسان و اللقاء بالرئيس الامريكي جو بايدن في البيت الابيض أن يقلل من الخلافات بين الإقلیم و بغداد، لیثبت بأنه مع بناء شراكة شاملة بين العراق والولايات المتحدة الأمريكية، في ضوء اتفاقية الإطار الاستراتيجي بين البلدين في المجالات السياسية والاقتصادية والمالية والثقافية والتعليمية والأمنية و أنه بحاجة الی دعم الإقلیم القوي و المزدهر ليساعد في ترسيخ الاستقرار في المنطقة و یقلل من الهیمنة الإقلیمیة.
ما يحتاجه السيد رئیس الوزراء هو كشف أوجه العجز والقصور في ما هو مستخدم أو مستهلك لتحديث الأفكار و المفاهيم و ممارسة العقلانية و المواقف التنويرية بصورة مثمرة و إيجابية لإقامة علاقات منتجة، فعالة وراهنة في الداخل و تعزيز فلسفة الشراكة الحقيقية والتعايش السلمي ونبذ تلغيم القضايا المنتجة للعجز والتخلف والإستبداد.
ففي عصر الشعوب لا تقرأ لغة الإتهام والإستعداء ولا تنبني الدولة علی أساس التمييز والإصطفاء و لا يحتاج الإصلاح الی عقل أحادي، تحكمي، إنفرادي، وإنما يحتاج الی عقل وسطي، تعددي، تداولي و لامجال لمصطلح الديكتاتور في قاموس هذا العصر.
وختاماَ نقول، شعب كوردستان مع ترسيخ الشراکة الحقيقية، فمن لا يستطيع التشريع لواقعه لایمکن له أن يصنع حياة أو نمواً أو إزدهاراً. إن الدفاع عن الهويات والعناوين بالثوابت من القيم والمفاهيم أو الطرق والأساليب المجربة في العراق، كما مارسه أصحاب السلطة في السابق في بغداد هو سلاح مفلول، مآله خسارة ما ضحی من أجله العراقيين و ما أرادوا بناءه من دولة ديمقراطية تعددية فدرالية، و بالتأکيد الذين يتصدرون واجهة الدفاع عن طوائفهم ومذاهبهم و معسكراتهم بالأفكار السائدة و الأنظمة المتحكمة والشعارات الخاوية والمقولات المستهلكة لا يستطيعون القيام بمهام قضية العيش المشترك.
فالطرف الذي ينهض بها علیه أن يخلع عباءته الأيديولوجية المقدسة بثوراتها و مقاوماتها و إنقلاباتها و أحزابها و يحسن الإشتغال علی خصوصيته و تحويل هويته للإنخراط في بناء عالم مشترك يتيح التعايش والتواصل، علی نحو سلمي تبادلي في أطر وطنية أو اقليمية أو عالمية، ولنا في إقليم كوردستان و حكومته نموذج إيجابي نشيط في بناء مجتمع ديمقراطي سلمي التوجه مزدهر بإنجازاته العمرانية والحضارية.
نتمنی للسيد محمد شياع السوداني و الوفد المرافق له زیارة ناجحة داعمة للدیمقراطية و الشراکة الحقيقية و التعایش السلمي والإستقرار والتقدم والرفاه.
كوردستان24