الصدر والدخول في مرحلة جديدة من العمل
شيروان الشميراني
إن البيان الصادر من الصدر بتشكيل اللجان الخمسة للإشراف على عمل التيار، قيل الكثير حوله، ولو كان من أي جهة سياسية كانت سوى الصدر لما كان يلقى إهتماماً، لكن الترقب لتحركات الرجل لدوره في خضّ المياه حرّك الأقلام والألسن، نذكر هنا ثلاث نقاط لتحليل البيان.
أولاً:- بالعودة بالذاكرة إلى عقدين من الزمن 2004، حين كان الصدر يقود لوحده من بين الكيانات والكتل الشيعية صراعاً مسلحاً ضد القوت الأميركية والبريطانية في العراق، حيث فاصل مكون طائفته الذين كانوا يسيرون على طريق مختلف، في ذلك الوقت برزت الى الساحة الدينية والسياسية مصطلح "الحوزة الناطقة"، وصدور جريدة الحوزة الناطقة التي جاءت مقابل ما سُمّيُ بالحوزة الصامتة وفق تعبير الصدريين، وصل الأمر به إلى حد إتخاذ خطوة الإعلان عن حكومة الظل من منبر النجف مقابل الحكومة المؤقتة التي كانت تحت سلطة بول بريمير، وكان الصدر يلقي الخطب النارية الحارِقة لمعنويات وخطط سلطات الائتلاف المؤقتة.
هذا يعني أن الرجل لم يكن من أنصار الإعتزال وبناء الحاجز بينه وبين الحركة الجماهيرية بجميع أبعادها ومنها البعد السياسي، والسياسة هي الممارسة الشعبية وكذلك الجانب الحزبي والمشاركة في الإدارة العامة، لكن البعض وقعوا في خطأ التعبير عن موقف الصدر حينما إنسحب من البرلمان واختار مغادرة الحكومة، حكموا على موقفه بأنه اعتزل السياسة، في حين أن الرجل ليس من طبيعتة الجلوس مكتوف اليدين، أو عاجزاً عن الحركة، أو اختيار السكون، لا يعرف الجلوس والتفرج على الاخرين يصولون ويجولون وهو يقود تياراً شعبياً هو الأكثر إمتداداً ينتظرون منه المواقف التي يرونها في مصلحتهم، فهو في فهمه الديني الاعتزال السياسي أو حتى السلبية السياسية ليس لها وجود وشخصيته ليست من النوع الصامت، فوقعت الغالبية في خطأ التعبير عن الموقف الذي اتخذه الرجل هروباً من الضغط الشديد الذي تعرض له من الداخل والخارج بسبب التحالف السياسي، والبحث عن الراحة المؤقتة واراحة الاعصاب الذي كاد أن ينفجر، كما أنه وضع المناوئين له أمام الأمر الواقع وحكم الشعب (إن كان له حكم)، تاركاً لهم الساحة الحكومية وليست السياسية.
إن فهم الصدر من منظور الشرح السابق، يوضّح أنه لم ينهي الاعتزال لأنه لم يعتزل، وإنما يوحي بإعادة الظهور، أي إظهار النشاط وإعادة ترتيبه حسب المحطات، ويبدو أنه أكثر السياسيين العراقيين صبراً وتحملاً في التعامل مع الاحداث وتطوراتها، يريد الإستدلال على أنه يسير وفق خطط مرسومة من دون عَجَل، وقد يشخص الأخطاء التي وقع فيها في السنوات الأربع الماضية. مع أن حصول التغيير على توجهاته للشؤون الدولة والحكومة مستبعد، لكن الخطط تجري عليها التغييرات المستمرة.
اللجان الخمسة التي أعلن عنها، تشمل الابعاد المجملة للتعامل الجماهيري والسياسي، من الديوان العشائري والجانب الديني الاجتماعي والسياسي، لكن المرأة ولجنتها الخاصة غائبة، أي العمل النسوي ودوره البارز في العمل الشعبي والسياسي.
ثانياً: الكثيرون علّقوا على موقفي الصدر، الأول عند انسحابه من البرلمان، والثاني هذه العلامات على الظهور، في الأول لا يشك عاقل بأن المناوئين كانوا فرحانين سعداء بإستقالة النواب من البرلمان، الإبتسامات كانت تعبر عن ذلك الفرح والسرور كيفما كانت التصريحات، وفي الثاني أو خلال السنتين الماضيتين فإن المُرَحبين صنفان، صنف من قلبه يريد عودته الى العمل المباشر الميداني، لأنّ بُعْدَه وتياره بما كان له من الوزن السياسي على مستوى العراق كله ترك فراغاً حقيقياً، وأفقد التوازن بين القوى داخل البرلمان تحديداً وترك المجال والساحة لأضداده السياسيين بالانفراد في تحديد بوصلة "الدولة والبرلمان والقضاء" بالاتجاه الذي يرغبون، والآخرون من السنةِ والكورد فقدوا التأثير، حتى ردود الفعل لديهم ضعيفة وغير مؤثرة، هؤلاء المناوئون الذين احتلّوا مكان الصدر في هَرم الدولة، الغالبية الساحقة من تصريحاتهم مجاملة للواقع الإعلامي والشعبي، لأن التجارب أثبتت أنهم والصدر لا يلتقون، ليس لأن المنطلق الديني مختلف، وإن كان من إختلاف فهو تفصيلي وليس جذرياً، وإنما لأن التباين في وجهة النظر السياسية وإدارة الدولة والعلاقات الخارجية بينهم وبين الصدر شاسع للغاية، وإن الرجل لن يسلمهم الرّاية، في حين أن آخرين ساكتون، لأن عودة الرجل تزحزحهم من أراضي شاسعة مما يتحكمون فيها الآن.
ثالثاً:- تبقى الحكومة والسيد السوداني لأنها الغاية في النهاية، وهي الهدف، ومكان المنافسة، وميدان السباق، وساحة إثبات الإدعاءات الكبرى، وأرضية تحويل الأفكار إلى الفعل، ووسيلة كسب الأنصار إن أديرت بشكل ناجح، أو خسارة الأنصار إن أديرت بشكل سيء، لقد لزم الرجل الصمت الكامل تجاه الحكومة، جعلها في مواجهة الشعب مباشرة، ليس في رئيسها فحسب وإنما في مكوناتها الذين هم غرماءه، لكن برنامج الحكومة والتي حاز السيد السوداني الثقة بها، هذا البرنامج يحتوي على بنود حدد الرجل لها وقتاً ثمّ عبرها من دون التنفيذ، وفي المقدمة البند الموضوع تحديداً من أجل تهدئة الصدر وجبر خاطره، البند المتعلق بالإنتخابات البرلمانية المبكرة، على أن تجري في غضون سنة وهي ما لم تحصل، والبرلمان الذي صوَّت وأعطى الثقة للحكومة بناء على البرنامج المطروح أمامه ساكت، ساكن، لا هو يتحرك، ولا هو قادر على تحريك ساكن متعلق بتجاهل ما صوت عليه أمام الشعب، هل خُدِع الصدر من البرلمان ؟ هل كان إدراج الفقرة المتعلقة بالانتخابات المبركة تخديراً للرجل أم تسكيناً له؟.
الحكم يبقى عند الصدر ومستشاريه، فقد أسس لجنتين متعلقتين بهذا المجال، السياسي بقيادة السيد العذاري، والاستشاري لأمور الحنانة لحسن تمشية الأعمال .
وهناك سؤال ممكن طرحه على عكس كل ما قيل من التوقعات، وهو: ألا يمكن أن تكون اللجان الخمسة هي لترتيب المكتب الخاص وتوسعة دائرته فقط، ليكون أكثر هيبة وسمعة وقدرة على العمل من دون خوض غمار السياسية المباشرة في الوقت القريب؟.
روداو