• Thursday, 26 December 2024
logo

آخر وأخطر الهجمات على شعب كردستان

آخر وأخطر الهجمات على شعب كردستان

صبحي ساله يي

إقليم كردستان، عمل منذ البداية على حفظ سيادته وحماية قوة وجوده وحضوره على المسرح السياسي العراقي والإقليمي والدولي، وكرس عناصر القوة التي يمتلكها وموقعه الجيوسياسي لصالح القرار السياسي المستقل عن التأثيرات الخارجية، والمنسجم مع مصالح الإقليم ومصالح العراقيين وعموم المنطقة. وكان الدافع الأساسي لبناء علاقاته مع جميع الأطراف، خاصة لدى الرئيس مسعود بارزاني وحزبه، يكمن في التفاعل الإيجابي مع الجميع، والابتعاد عن الشعارات والمزايدات والإشكاليات والمزاج السياسي الشخصي أو العاطفي، والاقتراب قدر الإمكان من المعادلات الكفيلة بتطبيق القوانين. حاول الإقليم قدر الإمكان التعامل مع الأحداث، وإيجاد أرضية مشتركة بينه وبين الآخرين على أسس مغايرة، لكنه اكتشف أن البعض من “الشركاء” في بغداد يعانون من تناقضات عدم الإنصاف وموروثات الحقب السابقة وتداعيات الحاضر ومآلات المستقبل، لذلك تعرض الإقليم وشعب كردستان منذ 2012 إلى الهجمات والحروب السياسية والاقتصادية والأمنية، وآخرها وربما أخطرها، تجسد بشكل واضح وفاضح في القرارات القضائية الصادرة عن المحكمة الاتحادية.

لا نريد إضاعة الوقت والإسهاب في سرد ممارسات هذه المحكمة وتدخلاتها الكثيرة في الشؤون الكردستانية منذ سنوات، لأن ما قالته هذه المرة بشأن رواتب موظفي الإقليم والواردات النفطية وغير النفطية ومقاعد الكوتا للتركمان والمسيحيين وقانون انتخابات الإقليم ومحاولتها المساس بالعملية التشريعية فيه بطريقة غير دستورية ليس تحولا جديدا عن مواقفها السياسية السلبية السابقة تجاه مختلف الملفات التي تتعلق بالأكراد وكردستان وانخراطها في الصراعات المدمرة ومشاريع ومواقف وأفكار قانون القوة لا قوة القانون، وتدخلاتها التي تثير الجدل في أمور ليست من اختصاصها، والتي لا يمكن فصلها عن مؤشرات غياب مؤسسات الدولة وتراجع أداء السلطات في بغداد عن التزاماتها الدستورية والقانونية وتأثيرات التجاذبات الإقليمية والدولية والذهاب بالبلاد نحو اللاديمقراطية التي تستثني بعض المكونات القومية والدينية في سبيل إرضاء نزوات مكونات سياسية تريد البقاء على مسرح السياسة أو الفوز بمقاعد أكثر في الانتخابات، من خلال المزايدات السياسية وافتعال الصراعات والخلافات الحادة بين القوى الأساسية في البلاد، أو تنفيذا لأوامر قادمة من الشرق أو مفروضة عليها من قبل ميليشيات تحتكر السلاح والمال.

الإقليم حاول قدر الإمكان التعامل مع الأحداث، وإيجاد أرضية مشتركة بينه وبين الآخرين على أسس مغايرة، لكنه اكتشف أن البعض من “الشركاء” في بغداد يعانون من تناقضات عدم الإنصاف
كما يمكن اعتبارها تعبيرا عن الرغبة في هدم الاستقرار الهش الحالي في العراق، وعدم إفساح المجال أمام حكومتي بغداد وأربيل لكي تتوصلا عن طريق الحوار والتفاهم إلى اتفاقات على أساس الدستور الذي صوّت عليه العراقيون.

اهتم العديد من وسائل الإعلام والمراقبين السياسيين ورجال القانون بسبر غور الأحكام الصادرة من المحكمة الاتحادية في العراق، وتوزّعت الاهتمامات في هذا الصدد على مناح كثيرة، منها ما يتصل بمستقبل العملية السياسية في البلاد، ومنها ما يتعلق بمدى قدرة النظام القضائي الحالي على صيانة الدستور وحماية وحدة البلاد في ظل العداء الواضح لكل ما هو كردي وكردستاني، دون اكتراث لقيم المواطنة والشرعية والقانون، ومنها أيضا ما يختص بفشل المنظور السياسي الذي يبدو أقل قدرة على ضبط الخطاب السياسي وصياغته وتوزيعه وبالذات عندما راح ينسى ويسيء للعلاقات بين مكونات العراق، ويرتجل من دون قدرة على الفرز بين الحق وغيره.

أما بخصوص المؤيدين للقرارات القديمة والجديدة فيُرجح أن بعضهم مصابون بأمراض تؤثر في الذاكرة، فتجعلهم ينسون بشكل مستديم القضايا الرئيسية الحساسة والثوابت القومية والوطنية والدستورية، وأن أشياء كثيرة تغيّرت في هذا البلد، وأن الموجود اليوم يشبه ما كان موجودا البارحة، أو يخلطون بين الأمور البسيطة والخطيرة رغبة في تسجيل موقف أو الحصول على كلمة شكر من هذا أو ذاك، ولا يُفوّتون أي فرصة للظهور على الشاشات والدخول في مقايضات وصفقات وحسابات مادية، وسياسة “شيلني وأشيلك”، رغم أن الكثير من المتابعين لا يأخذون هفواتهم المكلفة وأخطاءهم المتكررة وقدرتهم على الدفاع عن الباطل على محمل الجد.

Top