• Saturday, 25 May 2024
logo

السلطة والوطن

السلطة والوطن

معد فياض 

 

كثيرة هي الدول التي انتشلها قادتها الوطنيون من قعر الفشل والخراب الى الرقي والتقدم ورسموا خارطة طريق اوصلت شعوبهم الى العيش الكريم. امامنا تجارب عالمية خلاقة، مثل إندونيسيا، التي تعد أكبر اقتصاد في جنوب شرق آسيا، بسرعة خلال العقد الماضي إلى ديمقراطية انتخابية دينامية ولامركزية بطبقة متوسطة سريعة النمو. وأدى النمو الاقتصادي المطرد إلى انخفاض تدريجي للفقر، من 17 في المائة عام 2004 إلى 11 في المائة في عام 2014.

وكذلك ماليزيا التي منذ اتفاقية ماليزيا عام 1963 والاقتصاد الماليزي يبلي أداءً ممتازًا في آسيا. نما إجمالي الناتج المحلي الحقيقي بمتوسط قدره 6.5% من عام 1957 حتى عام 2005. بلغ الأداء ذروته في أوائل ثمانينيات القرن العشرين وصولًا إلى تسعينيات القرن العشرين فشهد الاقتصاد نموًا سريعا وثابتا بمتوسط يقارب 8% سنويًا.

وتنضم اليهم كوريا الجنوبية التي تنافس اليوم اكبر الصناعات في مجالات السيارات والقطارات وبناء الجسور ومحطات الكهرباء، على العكس من شقيقتها كوريا الشمالية التي ترضخ تحت حكم ديكتاتوري حديدي يهتم بصناعة وتطوير الاسلحة النووية لتهديد العالم بينما يعاني الشعب من الحرمان والجوع.

على العكس من هذه الامثلة فان هناك دول كثيرة تراجعت عن تطورها وقبعت في زوايا التخلف والخراب بسبب سياسات حكامها الذين انتهجوا طرق الحروب والفساد وسرقة المال العام ومصادرة الحريات وابعاد الكفاءات الوطنية مقابل تسييد الفاسدين.

ولا نذهب بعيدا في البحث عن امثلة النموذج الثاني ونحن نشهد مراحله تتجسد في العراق الذي تراجع باضطراد نتيجة الحروب والاقتتال الداخلي والفساد والمحاصصة الطائفية وتسيد الميلشيات المسلحة وحرص حكامه بالتمسك بالسلطة على حساب خراب التعليم والخدمات الصحية والاعمار في مجالات الطاقة والبناء وتدمير المجتمع العراقي.

وحتى لا نبحث في التاريخ عميقا فلنا ان نتحدث عما حصل ويحصل منذ 2003 حتى اليوم حيث الشهود احياء على احداث وحوادث واضحة، والمشكلة لم تبدأ بالضبط مع تغيير النظام بل قبله بقليل وبالضبط منذ مؤتمر ما سميت بالمعارضة العراقية في فندق المتروبوليتان بشارع الادجور روود وسط لندن عندما اجتمعت المعارضة العراقية في الخارج تحت الخيمة الاميركية..المؤتمر الذي اداره وقاده السفير الاميركي، الافغاني الاصل، زلماي خليل زاد بنهاية عام 2002، قبيل احتلال القوات الاميركية للعراق ، هناك، وفي هذا المؤتمر وضعت اسس المحاصصات الطائفية والتقسيمات المذهبية.

باستثناء الزعيمين الكورديين، مسعود بارزاني وجلال طالباني، فان الجميع كانوا (يتعاركون) للسيطرة على اكبر حجم ممكن من الكعكة. واستثني هنا بارزاني وطالباني لانهما حضرا ومعهما ملفات ومطاليب واضحة عمرها هو عمر الثورة الكوردية في العراق ومفادها الحصول على مطالب الشعب الكوردي المشروعة التي قاتل الكورد وضحوا بالالاف من الشهداء من اجلها، والتي تتلخص باعلان اقليم كوردستان وبضمنه محافظة كركوك، وان يكون النظام القادم في العراق فيدرالي ديمقراطي يساهم فيه الجميع بدون تمييز قومي او ديني او مذهبي، وهذه المطالب لم تكن وليدة مؤتمر لندن، بل هي ثابتة منذ انطلاق الثورة الكوردية وحاضرة في ملفات كل المفاوضات التي تمت ما بين القيادة الكوردية والنظام العراقي السابق.

لا اقول ان علائم الطائفية ظهرت في مؤتمر لندن، فهي كانت موجودة مثل النار التي تشتعل تحت الرماد، لكنها تفجرت كالبركان في هذا المؤتمر وصار الحديث عنها وبها معلنا وبصوت عال عن نسب الشيعة والسنة والعرب والكورد وهناك تاسست مفاهيم المحاصصة والطائفية، وسادت اجواء حقودة مثل"لماذا لا يحكم الشيعة؟"، و"الانتقام من البعث والبعثيين"، وباتت صورة المستقبل القريب واضحة، تلك الصورة التي لم ولن تبشر بولادة نظام حكم يعيد بناء البلد وفق قيم المصالحة الوطنية وروح التسامح، بعيدا عن الاحقاد والانتقام والاقتتال، ولا ببناء وطن يليق بالعراقيين ويعيد لهم كرامتهم ويعوضهم عن المآسي التي عاشوها على مدى اكثر من 5 عقود. بل صورة بالاسود والاحمر (بلون الدم)، قاتمة، كالحة لا أمل فيها.

بعد احتلال القوات الاميركية للعراق واهداء واشنطن الحكم لأحزاب الاسلام السياسي ، الشيعية خاصة، والتي سلمت امرها لإيران، وبالرغم من وضع دستور استفتى عليه العراقيون، الا ان اصحاب السيطرة على الكعكة، وزعوا الادوار مثلما يريدون ولصالحهم وبعيدا عن مصالح الشعب والبلد، فضربوا الدستور عرض الحائط، وثبتوا كرسي رئاسة الحكومة لهم، ورئاسة البرلمان للسنة ورئاسة الجمهورية للكورد، وصار هذا التقسيم دستورا لحكم العراق، دون ان يغيروا من قوانين لعبتهم، كأن يكون رئيس الحكومة كورديا ورئيس البرلمان شيعيا ورئيس الجمهورية سنيا، مثلا، وطبقوا شعار نوري المالكي "ما ننطيها" .

وبينما راح حكام بغداد يعيثون الفساد والخراب في كل العراق وسرقوا المليارات من خزينة الدولة ومن حقوق العراقيين، حرص الكورد، الحزب الديمقراطي الكوردستاني خاصة، على بناء اقليم كوردستان بمواصفات دولة حضارية وفق مقاييس دولية عصرية متطورة، وهذا ما اغاض وما يزال يغيض الفاسدين والمخربين من حكام بغداد.

السلطة والتشبث بها لا يبني دولة ولا يعمر وطن ولا يرفه الشعب، بل يُغني الفاسدين من اصحاب السلطة الذين يديمون سيطرتهم عن طريق تشكيل الميلشيات المسلحة والسرقة وتقوية نفوذهم بالقوة..التشبث بالسلطة على حساب خراب الوطن ورغم انف الشعب ل يدوم، هكذا تقول وتبرهن الحتمية التاريخية، وحتى عندما ياتي رئيس حكومة يحاول ولو مجرد محاولة اصلاح ما يمكن اصلاحه، مثل محمد السوداني، فسوف تضع احزاب الفساد العصي في دولابه لتوقف مساعيه من اجل استمرار سلطة الخراب والفساد.

والادهى من ذلك ان احزاب الفساد في العراق وقفت وتقف بقوة ضد اقليم كوردستان لان قادته يحرصون على بناء الاقليم باخلاص دون الالتفات للسلطة، بل ان اولوياتهم هي اعمار الاقليم ورفاهية شعبهم، وهذا ما يفسر حرمان حكام بغداد موظفي اقليم كوردستان من رواتبهم، ومخالفة الدستور بمنح حكومة الاقليم حقها من الميزانية العامة.

 

 

 

روداو

Top