أزمة السيادة العراقية في ظل وجود الميليشات الخارجة عن القانون
زينب سندي
السيادة هي الخاصية الرئيسية المميزة للدولة وعناصر وجودها هو عنصر السيادة الواقعية والفعلية على شؤونها الداخلية والخارجية والعراق كدولة لديه السيادة القانونية والاعتراف الدولي بوجوده وكيانه، لكن من الناحية الواقعية يعاني من ازمة السيادة نتيجة وجود الميليشيات ولانه اكثر الدول تأثراً بالمحيط الاقليمي والدولي من ناحية التدخل في شؤونه الداخلية، وأنّ ما يجري الآن على الساحة العراقية يضاعف مخاوف العراقيين جميعاً من تحول العراق إلى ساحة حرب بين الميليشيات والفصائل المسلحة الموالية لايران والولايات المتحدة الامريكية، ومع استمرار الميليشيات والفصائل المسلحة في قصف المصالح الأميركية في العراق ورد واشنطن الأخير على مقار تابعة للميليشيات واستهداف قادته، لذلك تعيش الحكومة العراقية برئاسة السيد محمد شياع السوداني منذ توليه المنصب في 2022 واحدة من أكثر الفترات توتراً وهذه التطورات وضعته في موقف أشبه بالسير على الاشواك حيث يحاول الحفاظ على العلاقة مع التحالف الدولي، لاسيما الامريكية ومحاولة ارضاء الفصائل المسلحة الموالية لطهران، بالاخص منذ بداية الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة وإدارة الرئيس الامريكي جو بايدن تحذر دائماً من توسعة رقعة الصراع في الشرق الأوسط حيث يحاول السوداني جاهدا تحقيق التوازن الحساس بين علاقته مع القوى الدولية في ظل تواجد الميليشيات المنفلتة، مما دفع واشطن إلى إصدار مجموعة جديدة من العقوبات على الميليشيات الموالية لإيران على إثر القصف المتكرر للقواعد العسكرية في العراق وسوريا لانه اذا ما لم تتم معالجة المليشيات الموالية فان العراق سيدخل في صراع اقليمي خطير لا محالة، السؤال هو هل باستطاعة دولة رئيس الوزراء السيد محمد شياع السوداني تخليص العراق من انياب ايران الاكثر نفوذاً على الارض خلال سيطرة المليشيات والفصائل المرتبطة والموالية لها والتي تؤثر على الساحة العراقية؟ خاصة ان ايران تحاول بشتى السبل جعل العراق منفذاً اقتصادياً دائما لها، لذلك بات العراق ورئيس الوزراء في موقف محرج وصعب، من ناحية قدرتها على إيقاف القصف الذي يأتي من الميليشيات والرد الحاصل من الولايات المتحدة، وحتى من الناحية القانونية فان العراق ملتزم مع التحالف الدولي المشكل من الولايات المتحدة وحلف الشمال الاطلسي باتفاقية أمنية دولية بناء على طلب العراق من جهة والمصلحة الدولية العامة من جهة اخرى، والآن بدأت الولايات المتحدة والعراق عقد اجتماعات مجموعة العمل الخاصة باللجنة العسكرية العليا والتي تتبنى الحوار الامني المشترك بين الولايات المتحدة والعراق الذي عقد في واشنطن آب الماضي 2023، ولا يخفى على احد بعد صعود تنظيم داعش في العام 2014 وسيطرته على نحو ثلث الأراضي العراقية، أنشأت واشنطن تحالفاً دولياً لدعم القوات العراقية وساعدتها بشتى الاشكال من استعادة وتحرير المدن التي كانت بيد تنظيم داعش، وحينها حاربت قوات البيشمركة جنباً الى جنب الجيش العراقي تنظيم داعش والحقت بها الهزيمة، وانتصر الجيش والبيشمركة على الارهاب، والآن وعلى الرغم من اعلان العراق هزيمة داعش عام 2017، إلاّ ان داعش لا يزال يتبنى من وقت لآخر هجمات في البلاد من خلال الخلايا النائمة لها، ولا يزال التحالف نشطاً في العراق لمنع ظهور المجاميع الارهابية مجدداً، لذلك من الصعب على الحكومة العراقية التخلي عن قوات التحالف في هذا الظرف المعقد والخطير، فأن الحكومة العراقية بحاجة إلى خطة، إذا ما أرادت إخراج التحالف الذي تقوده القوات الأميركية فليس من المنطقي انْ تطلب خروج قوات التحالف فورا تلبية لدعوة الفصائل والمليشيات الموالية لايران، لأن التحالف بقيادة امريكا يجري منذ سنوات عمليات لوجستية وتدريبات وقصف على مواقع داعش، بناء على معلومات تأتي من العراق أو من أجهزة الاستخبارات، وإذا ما أراد العراق إنهاء التواجد الامريكي والتحالف عليه أن يقوم بالاستعداد لمليء الفراغ الامني وخاصة في منطقة جبل حمرين، وان تكون وزارة الدفاع الاتحادية على تنسيق دائم وقوي مع وزارة البيشمركة، وان تقوم بنشر قوات مشتركة قادرة على الدعم اللوجستي والتصدي للإرهاب، ليكون قادراً على جمع معلومات وجهود استخباراتية من الجيش العراقي والبيشمركة خاصة في كركوك، لاسيما انّ العراق لايمتلك جهداً تقنياً يعوض الثغرة التي ستحصل في حال انسحاب التحالف الدولي، وخير دليل على ذلك الحكومة العراقية لم تستطع حتى اليوم تنفيذ بنود اتفاقية سنجار، التي تم التوقيع عليها من قبل الحكومة الاتحادية وحكومة الاقليم في سبتمبر عام 2020 الى يومنا هذا، تجنبا لوقوع صدامات مسلحة بين عناصر قريبة من العمال الكوردستاني والميليشيات التي تعارض عودة قوات الحكومة العراقية وحكومة اقليم كوردستان، لذلك فلنكن اكثر واقعية العراق يفتقر حالياً الى الامكانيات العسكرية ولا يستطيع الاعتماد على الجهد المحلي فقط دون مساعدة دولية، وهو ما اشارت اليها التقارير الاستخباراتية الامريكية وصندق النقد الدولي والبنك الدولي بأن العراق صاحب اسوأ الاقتصاديات الادارية في المنطقة، لذا ستكون النتيجة مأساوية كما حصل في 2011 عندما خرجت القوات الأميركية، وانتشر الإرهاب إلى أن انهار البلد امنياً في العام 2013 ،حيث كان يصل معدل تفجيرات السيارات المفخخة في العراق الى 68 تفجيراً في الشهر، مع وقوع هجوم واحد بتفجيرات متزامنة كل عشرة ايام، ينبغي ان لاننسى ايضاً اصبحت بغداد آنذاك معقل التوتر الطائفي وحينها فشلت بغداد وواشنطن في اغتنام الفرص للتعاون على مكافحة الارهاب منذ انسحاب القوات الامريكية عام 2011، والآن ايضاً اذا ما قبلت الحكومة العراقية بمطالب الجهات والجماعات والفصائل المسلحة، ستعود الاوضاع المأساوية مرة اخرى على غرار ازمة 2006 و2007 بل ستصل الحياة في العراق الى طريق مسدود تماما .
إنّ مطالبة الحكومة العراقية وبضغط من المليشيات انسحاب قوات التحالف على رأسها القوات الامريكية، وفي غياب إجماع وطني قد تؤدي بالبلاد الى التهلكة، ومن شأنه أن يعمق الاعتماد على إيران ووكلائه اكثر فاكثر، لذلك فإنّ انسحاب قوات التحالف والقوات الامريكية من العراق يعني عودة انتعاش داعش في العراق خلال فترة قصيرة، وانّ انسحاب التحالف الدولي سيكون بمثابة تقديم العراق على طبق من ذهب الى داعش، فالمطلوب من الحكومة برئاسة السيد السوداني في هذه المرحلة الحرجة ان تتريث في قرارها، لحين القضاء على كل عوامل واسباب ظهور تنظيم داعش وفي مقدمتها الطائفية، وان تحاول بشكل جدي وعملي معالجة كافة المشكلات العالقة بينها وبين حكومة الاقليم وفق الدستور، لانه اذا ما عولجت المشكلات بين اربيل وبغداد لأصبح العراق اكثر قوة وسيكون له ثقله في المحافل الدولية والعالمية، وحينها سيكون بإمكان العراقيين جميعاً يداً بيد انْ يقرروا ما يصب في مصلحة البلد، لا انْ تخضع لضغط الفصائل المسلحة التي تتلقى الاوامر من خارج العراق، أما اذا ما رضخت الحكومة العراقية لأوامر المليشيات المسلحة الموالية لغير العراق، فانها تخاطر بخسارة الدعم الدولي وستظل اسيرة بيد الميليشيات، لذا من الواجب علينا جميعا عرباً وكورداً وتركمان وكافة الاديان انْ نضع مصلحة العراق فوق كل اعتبار، ومصلحة العراق تكمن في تمتين العلاقات مع المجتمع الدولي والاقليمي، لبناء عراق قوي ويلعب دوراً مؤثراً في معادلة التوازن السياسي والعسكري والاقتصادي في الشرق الاوسط .