لماذا خسر تحالف "قيم" في انتخابات كانون الأول؟
محمد الباسم
ماذا ينفع إن رَبَّت عضو في الحزب الشيوعي العراقي على ظهر عضو من حركة "نازل آخذ حقي" بعد المشاركة غير المبررة في انتخابات مجالس المحافظات، والخسارة المدوية فيها، أيعقل أن مخادعة النفس المنطوية على الإنكار ستغيّر ما حلَّ بهذا التحالف؟ أم تجعلنا ننسى المبالغة بشأن قوة "قيم"؟.
كشفت نتائج انتخابات كانون الأول، أكثر من مشكلة بنيوية في هذا التحالف، لكن قبل البدء بشرح جزء من هذه المشاكل، أود أن أقصَّ عليكم هذه القصة:
في عام 2019 تظاهر آلاف العراقيين ومات منهم المئات، كانوا يطالبون بإلغاء مجالس المحافظات، وقد ساند الحزب الشيوعي هذا المطلب، وطالبوا بتعديل قانون الانتخابات التشريعية لأنه يظلم الفئات السياسية الصغيرة، وامتثالا للحالة الغاضبة، قاطع الحزب الشيوعي الانتخابات، وبعد عامين، عاد الحزب الشيوعي يقود حملة للمشاركة في الانتخابات المحلية (المرفوضة مدنياً) بقانون انتخابي (مرفوض مدنياً)، وكأن مئات الشباب لم يموتوا، وكأن "تشرين" لم تحدث، وكأن شيئاً لم يكن. انتهت القصة.
يضم "قيم" هذه الأحزاب: "البيت الوطني، والتيار الاجتماعي الديمقراطي، وحركة نازل آخذ حقي الديمقراطية، والحركة المدنية العراقية، والشيوعي العراقي، وحركة المثقف العراقي، والريادة العراقي، والتجمع الجمهوري العراقي، والتيار الديمقراطي العراقي، الشيوعي الكوردستاني، تنوير"، كما تحالف معهم 7 نواب ضمن "كتلة وطن".
قال قيادي في التحالف في وقت سابق، أن "قيم" هي أكبر تحالف في العراق، وقال قيادي إن "المدنيين سيصنعون التاريخ في انتخابات كانون الاول"، وقالت قيادية إن "التحالف سيحصل على 40 مقعداً"، وقال قيادي إن "حزبه سيكون نواة التغيير في العراق"، وقال قيادي آخر، إن "التحالف سيكون منافسا قويا للأحزاب التقليدية"، كما تعكزت بيانات التحالف على "تشرين"، وكأن "قيم" ثمرة من ثمار احتجاجات 2019، عجيب.
الواقع فرض الأرقام، وحصل تحالف "قيم" على 6 مقاعد في عموم البلاد (3 في الديوانية وواحد في النجف وواحد في بابل وواحد في ذي قار)، ولم تتجاوز أصواته 160 ألف صوت، مع العلم وهذه الحقيقة ينكرها قادة التحالف، أن أغلبية هؤلاء الناخبين لا يرجعون إلى تنظيمات أحزاب التحالف، بل لتنظيمات فردية وشخصية تتبع المرشحين.
لا يود الحزب الشيوعي العراقي (90 عاماً)، أن يعترف بعدم امتلاك نحو 5 أحزاب، شريكة معه في "قيم" أنها لا تملك أي موارد بشرية أو تنظيمات حقيقية، وأن هذه الأحزاب وتحديداً الجديدة منها، عبارة عن تجمعات يمكنها أن تلعب "المحيبس" في مساءات شهر رمضان، وأن معظم مكونات تحالف "قيم" لا تملك أي خارطة طريق أو تصور عن الوضع العراقي، بدليل أن رموزها روجوا لتعهدات وخطط ومشاريع ليست ضمن تخصصات عمل مجالس المحافظات أصلا، وهنا كان على الحزب الشيوعي، صاحب العمر الطويل في التنظير والسياسة والتنظيمات، أن يقول كلمته، لكنه كان صامتا.
كما لم تسأل الأحزاب المتحالفة مع الحزب الشيوعي ضمن "قيم"، أين تنظيماته من تحديث سجل الناخبين، خصوصاً وأن أكثر من 60 بالمائة من أعضاء الحزب الشيوعي لم يحدثوا سجلاتهم، بالتالي لم ينتخبوا، وهذا ما تبين مع المرشحة بشرى أبو العيس التي حصلت على أقل من 1500 صوت، مع العلم أن للحزب نحو 18 ألف عضو في بغداد لوحدها.
تبدو كارثة غياب المكاشفة واضحة ما بين أعضاء التحالف، مع استمرار المبالغة وتعمد إدعاء البطولات السياسية، ومواصلة اعتبار "تشرين" على أنها قائدة التحالف، والحقيقة أن هذا التحالف خذل قتلى الاحتجاجات وجرحاه والمشاركين في الاحتجاجات والحراك المدني بالكامل.
كما لم تتمكن الأطراف في التحالف، سواء قبل أو بعد تأسيس "قيم"، من صناعة ظواهر شبابية مؤثرة، لكنها اعتمدت على الظهور الإعلامي والتنافس مع متحدثي "الإطار التنسيقي" في مواضيع فائضة عن اللزوم وفاسدة وعبثية، كما لم تصنع نماذج لخدمة العراقيين بأي شكلٍ من الأشكال، فيما لم يقترب قادة الأطراف من وجهاء المدن والأقضية بأي حال من الأحوال، لكنهم حين أرادوا مرشحين راحوا إلى كل المدن يقتربون من الناس، وكأن الناس لا يعرفون غايات السياسة وأهداف التودد المفاجئ.
لم يفكر أطراف التحالف، ولا لحظة بأهمية التنشئة السياسية في المحافل الاجتماعية، أو اللجوء إلى كشف التجارب الفاشلة واستيراد التجارب الناجحة لأجل دراستها.
هذه الأطراف وتحديداً الحديثة، انشغلت بالمكاتب والظهور الإعلامي المتكرر، وصناعة فيديوهات مصحوبة بالشيلات والنشر على "التيكتوك" وكأن الرمز السياسي لابد أن يكون مشهوراً على مواقع التواصل الاجتماعي. هذه الأطراف لم تسع إلى التعامل مع خبراء التنظيم، لذلك فهي بلا تنظيمات واضحة، ولعل الحزب الشيوعي وحده يملك هذه التنظيمات، لذلك استترت الأحزاب الجديدة تحت عباءة الشيوعي، رغم أن الأخير فقد إمكانية التواصل مع تنظيماته ولم يعد يتواصل معها بسبب التفتت والتشظي جرّاء الانسحابات المتواصلة وشعور جمهوره بالإحباط من الانتكاسات والخذلان، من عهد التحالف مع "البعثيين"، وليس انتهاءً بالتحالف مع "الصدريين".
إن قتل النفس حرام، وهذه الأحزاب قتلت نفسها، والمرحلة المقبلة ستشهد أشد حالات الانتخاب الطبيعي لبعضها، أو كلها، وإن الحزب الشيوعي يقترب من التحول إلى منظمة مجتمع مدني، كما أن حركة "نازل آخذ حقي" في موقف صعب بعد فشلها في ثاني مشاركة لها بالانتخابات، أما البقية ومنهم الحركة المدنية الوطنية، فهي الأخرى تواجه خطر الانقراض، وكذا الحال مع التيار الاجتماعي الديمقراطي، والبقية على نفس خط السير هذا.
رغم ذلك، فإنهم يستحقون الشكر على شجاعتهم ومشاركتهم المريرة، على الأقل أنهم واجهوا مخاوفهم وتحدوا واصطدموا مع أحزاب خطيرة وجهات مسلحة.
روداو