• Saturday, 28 December 2024
logo

من يشفي العراق من المرض الهولندي؟

من يشفي العراق من المرض الهولندي؟

مجاشع التميمي

 

علينا ان نحدد ونميز بين التنمية والنمو، لأن المصطلحين مختلفان، فالنمو هو ما يحدث في منطقتنا العربية وخاصة دول الخليج ومنها العراق الذي حقق نمواً في حياة المواطن بسبب النفط الذي انعكس على رفاهية الشعب، لكن التنمية هي شيء آخر، فالعراق ومنذ اكتشافه للنفط عجز عن تحقيق تنمية اقتصادية وبقي على حاله بيع النفط ويعيش عليه.

لأن التنمية تحتاج الى جهود جبارة ورجال دولة، لكن الأخطر في هذا النمو العراقي هو ما تسبب بإصابتنا بمرض خطير وهو (لعنة المورد) أي اننا تكاسلنا وتركنا التنمية نتيجة توفر المورد النفطي، وهذا أخطر ما عانينا منه، أي اننا استمرينا بالعيش على هذا المورد، ما تسبب بقتل أي تطور في العراق وهذا ما أدى إلى اصابة العقول بلعنة المورد أيضاً، أو ما يسمى بالمرض الهولندي في الدول الغربية الذي أطلق على هولندا منتصف القرن الماضي نتيجة توقف الصناعة بعد اكتشاف الغاز في هذه الدولة في ستينيات القرن الماضي.

وما حصل في هولندا يختلف عن مملكة النرويج التي بقيت حتى السنوات القليلة الماضية ثالث أكبر دولة مصدرة للمشتقات النفطية والغاز، لأنها ومنذ اكتشاف أول بئر للغاز قررت فتح صندوق الأجيال وهو لغاية الآن ثاني أكبر صندوق سيادي في العالم بحجم ترليون وثلاثمائة مليار دولار، وهو يستثمر في سبعين دولة وفي نحو عشرة الاف شركة في العالم، بمعنى أن أموال النفط والغاز لا تذهب للخزينة العامة، وهذا ما تقوم به دول الخليج العربي الغنية بالنفط اليوم وفي مقدمتها المملكة العربية السعودية، التي بدأت بإقامة اقتصاد مبني على المعرفة بعد أن أدركوا انهم يستنزفون الثروة النفطية وهذه الثروة ستنضب يوماً، لهذا بدأت بالتفكير الجدي في التنمية ومغادرة لعنة المورد.

ان الدول التي تصاب بلعنة المورد هي عرضة للتقلبات العالمية بحسب أسعار النفط، في الارتفاع او الانخفاض لأن توفر الأموال يجعل الدول المريضة بالمرض الهولندي مثل العراق تعاني في إدارة الموارد لذلك يجب بناء اقتصاد مبني على استثمار الموارد.

إذاً النمو هو جزء من الكل، اما التنمية فهي الهدف، وما أجمل ان تكون تنمية مستدامة، بمعنى انها تراعي احتياجات الأجيال الحالية دون الانتقاص من حقوق الاجيال القادمة.

وهنا يجب التنبيه على نقطة مهمة ان الله عز وجل لم يخص العراقيين بميزات تنافسية كالنفط وغيره فقير، بل ان جميع دول العالم خصهم الله بميزات تنافسيه في الثروات البشرية والموقع الجغرافي، وحتى الدول التي كنا يوما نعتقد انها فقيرة تبين أنها تمتلك الثروات، ومنها الأردن بعد أن تبين أخيراً انها تمتلك أكبر مخزون لليورانيوم في المنطقة العربية ودول الشرق الأوسط، حتى أن الدول العربية والإقليمية التي تريد بناء محطات نووية بدأت الاتفاق مع الأردن لغرض التزود باليورانيوم، وهذا ما حصل مع مصر التي اتفقت مع الأردن لتزويد محطة الضبعة باليورانيوم.

قضية أخرى يجب التنبيه عليها أن هناك ميزات نسبية لبعض الدول مثل الاقتصاد الياباني والكوري وميزات تنافسية كما موجود بالاقتصاد السعودي، لكن هناك اقتصاد آخر مثال الاقتصاد الأميركي الذي يوصف أنه مركب نسبي وتنافسي، والسبب أن الولايات المتحدة الاميركية مثلاً هي أكبر منتج للنفط، أي أنها تنتج نفطاً أكثر من روسيا او السعودية، لكنها لا تصدر انما تغطي السوق الداخلية، إضافة الى تصدير المنتجات النفطية المصنعة مثل المواد البتروكيمياوية والزيوت وغيرها من المشتقات، وهي حولت الميزة التنافسية إلى ميزة نسبية، وهذا ما تطمح له الكثير من دول العالم، وهي بخلاف الدول المريضة بالمرض الهولندي مثل العراق الذي يستهلك احدث السيارات والموبايلات والأجهزة التي يستوردها بعد تصدير نفطه، لكنه يعجز عن تحويل هذه الميزة التنافسية إلى ميزة نسبية بسبب لعنة المورد المصاب بها التي تجعله عاجزاً عن الاستفادة من النمو لتحويله إلى تنمية.

 

 

 

روداو

Top