العتب على الكورد
معد فياض
خبر ليس اعتياديا نشر على واجهة شبكة رووداو، اليوم السبت (30 ايلول 2023)، يقول: "أصبحت اللغة الكوردية اللغة الثامنة الأغنى عالمياً في قاموس ويكيبيديا الذي يعرف أيضاً باسم (ويكيشنري) وتأتي بهذا قبل اللغات الفارسية والتركية والعربية أيضاً"، مضيفاً: "وحسب الموقع الانكليزي للقاموس، فإن عدد الكلمات الكوردية في القاموس بلغ 918123 كلمة، والقاموس هو من صنف القواميس الحرة التي يستطيع أي مستخدم للإنترنت إضافة الكلمات إليها، لكن سبعة مشرفين يتولون مراجعة هذه الإضافات ويقررون المصادقة عليها من عدمها".
ما اريد ان اتحدث عنه هنا ليس تفاصيل الخبر بل عن اللغة الكوردية المتداولة والمكتوبة والمقروءة، فهناك ما يقرب من 7 لهجات كوردية، ثلاثة منها رئيسية و4 مشتقة من هذه اللهجات الثلاث، وإن كان البعض يصر على انها لغات وليست لهجات باعتبار ان لكل لهجة قواعدها اللغوية. وسواء كانت لهجات او لغات فلهذا التعدد ميزته الجمالية وتتبعه ميزة او مميزات ابداعية، فاللغة العربية الفصحى واحدة ويمكن تداولها من الخليج الى المحيط، وهناك عشرات اللهجات المحلية، لكن ما نكتب ونقرأ لغة واحدة، وفي ذلك نوع من التحديد بالرغم من ان اللغة العربية جميلة وسهلة التصرف، ربما اقول ذلك لانني اجيدها، بينما يفترض ان تمنح اللغات او اللهجات الكوردية مساحة اوسع من الحرية بالتصرف والوصف والسرد والشعر، وها هي اليوم معترف بها عالميا، وحسب خبر رووداو فإن "اللغة الكوردية واحدة من 168 لغة أدرجت في هذا القاموس، وتأتي في المرتبة الثامنة من حيث عدد الكلمات بعد الانكليزية والفرنسية والمالاغاسية (لغة مدغشقر) والصينية والروسية واليونانية والألمانية".
لكن السؤال الاهم هو اين النتاج الابداعي الكوردي، اعني المدوّن، المطبوع، المنشور باللغات او اللهجات الكوردية؟ اين هم المبدعون الكورد من كتاب قصة ورواية وشعر وبحوث وتاريخ من لغتهم؟ لماذا نحن القراء العرب، وكذلك الانجليز والالمان والفرنسيين والاسبان لم يتعرفوا بصورة واضحة على المنجز الابداعي الكوردي، واعني هنا بالتحديد اللغوي، اي المكتوب والمترجم الى اللغات العالمية المعروفة.
انا على يقين بان القارئ الاوربي وحتى العربي ليس كسولا الى درجة انه لم يبحث عن كتب الشعر والقصة والرواية الكوردية الحديثة، وباعتقادي او انا متيقن بان الترجمة تتم من طرف واحد، مثلما شخص يحب من طرف واحد، اي ان التراجم تتم من العربية والانجليزية وبقية اللغات الى الكوردية ولا يتم العكس، او ان هذا العكس شحيح للغاية.
نعم نحن نعرف جيدا الشاعر شيركو بيه كس، وقرأنا وحفظنا اشعاره المترجمة للعربية، وهذه التراجم تمت بجهوده او بجهود آخرين يعرفون مدى اهميته عالميا، وانا متيقن ايضا ان الشعر الكوردي لم ولن ينتهي بشيركو بيه كس، وهناك شعراء وكتاب كورد مبدعين، فلماذا لا نعرفهم ولم نقرأ نتاجهم الابداعي؟.
قبل ايام كنا نناقش مع صديقين، احدهم كاتب كوردي، والآخر عربي وانا، موضوع انتشار او وجود مفردات كوردية في لغات عديدة، ولان صديقي كان يدرس الموسيقى في هنغاريا فقد اشار الى دراسات تؤكد وجود مفردات كوردية في اللغة الهنغارية، ومن المؤكد هناك مفردات كوردية في اللغات الاوربية الاخرى خاصة الانجليزية، فالانجليز لا ينحرجون من اضافة مفردات من لغات اخرى الى لغتهم بل يحتفلون بالاعلان عنها وباضافتها الى قاموسهم.
ترى على من يقع العتب واللوم بعدم ترجمة المنجز الابداعي الكوردي الى اللغات الاخرى؟ في عنوان المقال بالتأكيد انا لا اعني الكورد كمواطنين ففي ذلك ظلم لهم، واسال: هل يقع الذنب على المثقفين والمبدعين الكورد، أم على دور النشر الكوردية، واستثني هنا المؤسسات الثقافية الرسمية كون غالبية الحكومات تضع الثقافة في آخر اهتماماتها وتحولها الى وسيلة اعلامية لصالحها. بعد 2003 اسس الشاعر شيركو بيه كس وبدعم من الرئيس الراحل جلال طالباني، مؤسسة سردم وكانت في مقدمة مهامها ترجمة الابداع والكتب الكوردية الى اللغات الاخرى، لكنها فعلت العكس اذ ترجمت من اللغات الاخرى الى الكوردية، فهل هذا يعني انه ليس هناك منجز ابداعي كوردي يستحق الترجمة او انه شحيح، حسب ما اخبرني به الشاعر بيه كس بنفسه؟ وفي معرض اربيل الدولي للكتاب الاخير لاحظت ان دور النشر الكوردية ترجمت الكثير من الروايات العربية، لكتاب عراقيين، الى الكوردية، لكنني لم اعثر على روايات او دواوين شعر كوردية مترجمة الى العربية للاسف.
هنا سابرئ المثقف او المبدع الكوردي وارفع عنه العتب واللوم لأن ترجمة ابداعه ليست من مهماته بل من مهمات دور النشر، واجد ان على هذه الدور ان تفتخر بلغاتها او لهجاتها وبمبدعيها ويقوموا بترجمة عكسية، اي من الكوردية الى العربية او الانجليزية او الفرنسية لتنتشر عربيا وعالميا وهذا مهم للغاية، او ان تكلف المؤسسات الثقافية الرسمية نفسها وتقوم بهذه المهمة، واذا وجد احدكم بان هناك نتاج ابداعي كوردي مترجم وانا لم اهتدي اليه فاليسعفنا ويدلنا عليه مشكورا.
في ختام خبر رووداو عن ان "اللغة الكوردية اصبحت اللغة الثامنة الأغنى عالمياً في قاموس ويكيبيديا"، مع ان الخبر لم يذكر اية لهجة او لغة كوردية يعني، نقرأ ما يلي"يذكر أن اللغة الكوردية تنتمي إلى عائلة اللغات الهندوأوروبية، وفي تصريح لشبكة رووداو الإعلامية قال رئيس المعهد الكوردي في سويسرا، محمد كارواني، إن أكثر من 70 مليون كوردي يعيشون في عالمنا اليوم". وهذا يدفعنا للقول : يعني ان هناك 70 مليون كوردي يتحدثون اللغات او اللهجات الكوردية ولا بد ان هناك المئات منهم يكتبون الشعر او القصة او الرواية..فاين هذه النتاجات؟.
روداو