تحليل أمريكي يصف العراق بأنه "أشبه بدولة خاضعة للوصاية الدولية"
نشر معهد "واشنطن" للدراسات الإستراتيجية، تحليلاً عن والأوضاع التي يشهدها العراق وما يمرّ به من أزمات على الصعيد الداخلي والخارجي والإخفاق الحاصل للحكومات الاتحادية المتعاقبة على الحكم مؤخرا وبشكل مؤقت، إذ وصف العراق بأنه بات "أشبه ما يكون بدولة خاضعة للوصاية الدولية"، لم يستبعد في الوقت ذاته عودة البلاد تحت طائلة البند السابع.
وذكر التحليل إلى أن الواقع السياسي والقانوني المتراجع في العراق اليوم يُشير إلى أن البلاد لا تزال تواجه مأزقًا استراتيجيًا عميقًا نتيجة الالتزامات والقيود الدولية المفروضة عليها.r
ووفقا لتحليل المعهد الأمريكي، فإنه "وبعد عقود من الغزو العراقي للكويت عام 1990، لا يزال العراق عمليا تحت تأثير عشرات القرارات والعقوبات الأممية نتيجة العدوان الذى شنه صدام حسين على الكويت. وعلى الرغم من إخراج العراق رسميًا من عقوبات الفصل السابع لميثاق الأمم المتحدة في حزيران /يونيو 2013، والتزامه بدفع المستحقات النهائية التي تجاوزت 50 مليار دولار كتعويضات للكويت في شباط/ فبراير 2022، إلا أن هناك بعض القضايا التي لا تزال عالقة بين البلدين، بينما يناضل العراق للحصول على وصف "الدولة الطبيعية" والاندماج في المجتمع الدولي".
وذكر التحليل ايضا أنه في الواقع، يتطلب عودة العراق من وصف "الدولة التي تلجأ إلى العنف" إلى وصف "الدولة الطبيعية " سياسات وإجراءات معقدة تستغرق وقتا طويلا. علاوة على ذلك، ترجع مشكلة تعثر العراق في الاندماج مع المجتمع الدولي إلى الأزمات الداخلية المستمرة، فمنذ عام 2003 أقحمت الحكومات المتوالية البلاد في أزمات داخلية معقدة من صراعات وإرهاب وفساد وفوضى واستقطاب سياسي. فبدلا من إعادة العراق إلى وضعه الطبيعي، تحولت هذه الحكومات إلى "حكومات تصريف أعمال" وكل واحدة منها تصدر الأزمات للحكومة التي تليها.
وأشار إلى أن العراق "أصبح في وضع أشبه ما يكون بالدولة الخاضعة للوصاية الدولية. وحتى اليوم، لم تعد الدولة قادرة على الإيفاء بتنفيذ التزاماتها بموجب اتفاقية الإطار الاستراتيجي المبرمة مع الولايات المتحدة، حليفتها الرئيسية. ورغم الجهود الحثيثة التي تبذلها الحكومة العراقية في عهد رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، إلا أن المسؤولين العراقيين عليهم أن يدركوا أنه لا تنمية حقيقية للعراق دون ضمان التزامه الكامل بتبعات قرارات الفصلين السابع والسادس من ميثاق الأمم المتحدة والمتعلق بالكويت وقضايا أخرى".
وتطرق التحليل إلى موجز للعقبات التي لا يزال العراق يواجهها والخطوات المحتملة التي يمكنه اتخاذها للحفاظ على سمعته كدولة مستقرة ومسؤولة على الصعيد الدولي.
وقال التحليل إنه على الرغم من إخراج العراق رسميًا من عقوبات الفصل السابع في عام 2022، إلا أنه لا يزال يواجه خطر انتهاك العديد من قرارات الأمم المتحدة، وهو ما قد يؤدي بدوره إلى إعادة تفعيل الفصل السابع. على وجه الخصوص، يحتاج العراق إلى الانتباه للفقرة 32 من قرار الأمم المتحدة رقم 628 الذى "يطالب العراق بإبلاغ المجلس بالتزامه بأنه لن يرتكب أو يدعم أي عمل من أعمال الإرهاب الدولي أو يسمح لأي منظمة تقوم بارتكاب مثل هذه الأعمال داخل أراضيه. "
ولفت المعهد الأمريكي إلى أنه "لطالما كان العراق مستعدا لاستضافة عدد من الميليشيات الخطيرة المدعومة من قبل إيران، بما في ذلك الجماعات التي أدرجتها الولايات المتحدة على قائمة الإرهاب مثل عصائب أهل الحق وكتائب حزب الله. ومع وجود الإطار التنسيقي الشيعي في السلطة الآن، تصاعدت أدوار هذه المنظمات المصنفة أمريكيا على قوائم الإرهاب إلى مستويات غير مسبوقة".
وأضاف أنه "في واقع الأمر، يعتبر وزير التعليم العالي العراقي، نعيم العبودي، عضو في جماعة عصائب أهل الحق، كما كان رئيس المكتب الصحفي لرئيس الوزراء، ربيع نادر، مرتبطًا منذ فترة طويلة بكل من جماعة عصائب أهل الحق وكتائب حزب الله، وبالتالي فأن إرتباط هؤلاء المسؤولين بالجماعات المصنفة على لوائح الإرهاب، سيشكل مصدر إحراج للعراق ويعرقل من عودته كدولة طبيعية".
كما أكد التحليل على أنه "ينبغي للعراق أن يعمل بشكل منهجي على تفكيك الجماعات المسلحة التي تجذرت داخل حدوده، ما يضمن عدم تمكنها من تهديد الأمن القومي أو الإقليمي. وعلى المدى الطويل، سيتم تطبيق تلك المبادرة جنبا إلى جنب مع جهود العراق والتزامه بدعم الآليات الديمقراطية في العملية السياسية، وتداول السلطة سلميا دون اللجوء إلى العنف الذي أصبح مألوفًا خلال العقود القليلة الماضية في العراق".
واعتبر التحليل أن "نجاح العراق في السيطرة على وضع تلك الميليشيات ومكافحة تلك الجماعات المصنفة على قوائم الإرهاب من شأنه أن يساعده على كسب ثقة المجتمع الدولي وسينأى به عن الانتهاكات المحتملة للفصل السابع وقد يفضى ذلك أيضا إلى إنهاء عمل بعثة الأمم المتحدة لمساعدة العراق (يونامي)".
وتناول التحليل الصادر عن معهد "واشنطن" مسألة التزام العراق بالفصل السادس، وقال: هناك ضرورة لحل خلافات العراق مع الكويت سلميا في ثلاث ملفات، هي ملف المفقودين الكويتيين، وملف الأرشيف الكويتي المفقود، وملف النزاعات الحدودية. في ما يخص ملف المفقودين، يمكن تشكيل لجنة مشتركة بين البلدين برعاية أممية لبحث هذا الملف وحسمه، علاوة على بذل المزيد من الجهود لتحديد مصير المفقودين الكويتيين منذ عام 1990".
ونبّه على أنه طيجب على الطرفين أيضا تنسيق الجهود لاستعادة الأرشيف الكويتي الذي كان يُحتفظ به في مقر المخابرات العراقية الذي تعرض للقصف والنهب عام 2003. يبقى الملف الشائك وهو ملف ترسيم الحدود البحرية لما هو ابعد من النقطة الدلالية 162، فبإمكان العراق والكويت الرجوع إلى اللجنة الأممية ووثائقها والتي رسمت الحدود بين العراق وإيران عام 1993، أو اللجوء إلى لجنة دولية فنية لترسيم الحدود المائية بين الطرفين، أو قد يلجأ الطرفان إلى محكمة العدل الدولية، إذا فشلت كل هذه المساعي".
ولفت التحليل إلى أنه يمكن للعراق أيضا كسب المزيد من المصداقية الدولية من خلال التزامه باتفاقية الاطار الاستراتيجي مع الولايات المتحدة، وهو ما قد يضمن بقاء العراق حليفا استراتيجيا للولايات المتحدة في أي صراع إقليمي. علاوة على ذلك، سيساهم إصلاح جهاز الأمن الوطني العراقي واستقراره بما يتماشى مع أهداف اتفاقية الاطار الاستراتيجي، في تطوير البنية التحتية للبلاد بالتعاون والتنسيق مع الوكالات الأمريكية والمنظمات الدولية".
وأكد التحليل على أن هناك ضرورة لإعادة هيكلة منظومة الأمن القومي العراقي لتحرير العراق من القيود الدولية ذات الطابع الدفاعي والأمني، خاصة في ما يتعلق بأربع ملفات أساسية هي: التعاون الدفاعي والاستخباراتي الإقليمي والدولي، ومكافحة الإرهاب والفساد، وتحقيق الأمن والاستقرار في العراق من خلال الالتزام بدعم العملية السياسية الديمقراطية، ودمج الكيانات المسلحة بوزارات سيادية. هناك أيضا ضرورة لتنشيط مجلس الأمن القومي للإشراف على كل هذه الملفات ودعم الشفافية والثقة في القطاع المصرفي والمالي، وهو بمثابة نقطة شائكة في العلاقات بين العراق والولايات المتحدة. إضافة إلى ذلك، من شأن تجنب السوداني التعامل مع الصين أو دول أخرى، وبالشكل الذي يخل بالتزامات العراق ببنود هذه الاتفاقية، أن يساهم في بناء الثقة بين السوداني والولايات المتحدة
وأبرز التحليل الوضع الداخلي في العراق، وأكد أنه "يجب على حكومة السوداني أيضا العمل على استعادة ثقة الناخبين في العملية السياسة من خلال منع استخدام الإكراه والقوة في العملية الانتخابية، كما يعد إشراك المجتمع الدولي للإشراف على نزاهة الانتخابات وسيلة جيدة لبناء ثقة المواطنين في العملية الانتخابية وكسب الاعتراف والثقة الدوليين. وأخيراً، سيساهم التعامل مع القضايا الداخلية المرتبطة بالنازحين وحقوق الأقليات والنساء بشكل كبير في بناء سمعة العراق كدولة موثوقة ومستقرة".ظ
وعدّ التحليل "هذه الخطوات"، أنها "خارطة الطريق لعودة العراق كدولة طبيعية للمجتمع الدولي، فإذا نجح "السوداني" في تنفيذها من خلال التعامل معها كحزمة واحدة من الإجراءات والسياسات "غير قابلة للتجزئة"، فإنها ستنقل العراق نقلة نوعية في تاريخه المعاصر، وسيسرع من برنامج إعادة الإعمار. ومع ذلك، فإن إخفاق العراق في تنفيذ هذه الالتزامات والخطوات، سيفتح الباب أمام الفوضى والصراعات والانقسام".